< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

36/03/29

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: محرمات النكاح.
السبب الرابع في ثبوت النسب: هل طفل الأنبوب يثبت نسبا أو لا؟ وما هو نسبه أما أو أبا؟
ذكرنا أمس الآيات التي استدل بها على الحرمة أما الروايات:
الدليل الثاني على التحريم النصوص:
استدل بذلك بعض المعاصرين، منها ما ورد في الوسائل: ح 1 - محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عثمان بن عيسى، عن علي بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن أشد الناس عذابا يوم القيامة رجلا [1] أقر نطفته " نطفة عقاب " في رحم يحرم عليه. ورواه الصدوق في (عقاب الأعمال) عن علي بن أحمد بن عبد الله، عن أبيه، عن جده أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه عن عثمان بن عيسى. ورواه البرقي في (المحاسن) مثله. [2]
من حيث السند: الرواية معتبرة، موثقة، عثمان بن عيسى كان من الواقفة الثقات.
ومن ناحية الدلالة: الشاهد في قوله: " اقرّ نطفته " في رحم يحرم عليه. واعراب جملة " يحرم عليه " بعد كلمة " رحم "، يكون وصفا لأن الجمل بعد النكرات صفات، وبعد المعارف احوال، فـ "يحرم عليه" تكون صفة للرحم، وهذا يعني ان الرحم نفسه حرام، وهذا سينفعنا بمعنى ان يقرّ نطفته في امرأة محرّمة عليه، ولا علاقة لها بنفس عملية الاقرار فلا تكون العملية حراما.
وهناك مجال للدعوى أن المراد هو حال الزنا لانسباق العبارة إليه، لكن كلمة أقرّ أعم فيكون إنسباقا بدويا إلى خصوص الزنا، وهذا الانسباق يزول عند التأمل ويبقى الموضوع على اطلاقه، أما إذا استحكم الانسباق أصبح انصرافا حجّة.[3] لذلك قالوا أن " اقرّ نطفته " تشمل كل انواع الاقرار، وهذا يعني أن إقرار نطفة في رحم امرأة محرّمة عليه حرام شرعا، سواء كان مني الرجل وحده كما في الزنى، أو ضمن غيره كما في ما نحن فيه، أي البويضة الملحقة المزروعة في الرحم. النتيجة واحدة ان المني دخل الرحم امرأة محرمة عليه.
إذن ما استدلوا به مني رجلٍ دخل إلى رحم امرأة محرمة عليه، لكنه دخل ضمن البويضة، فهذا اقرار محرّم ويشمل كل افراد الاقرار.
الجواب: اننا سلمنا بالسند وسلمنا بعموم الاقرار لكن هناك قاعدة " ان الاحكام تابعة لعنوانها " مثلا: عندما نقول: " توضأ بماءٍ "كل ما يسمى ماء يجوز الوضوء به لذلك اشترطوا الاطلاق وهو بمعنى ان يطلق لفظ الماء عليه. هل هنا يصدق عليه في طفل الانبوب أنه " اقرّ نطفته "؟ وجوابنا هو أن عنوان " نطفته " لا يصدق هنا ولا ينطبق، لأنه كما ذكرنا سابقا أن نطفة المرأة قطرها يساوي 0،2ملم، أما مني الرجل يساوي واحد أو اثنان على الف من ملم، أي قطر البويضة يساوي حوالي مائتي مرّة الحيوان المنوي، وعند دخول رأس الحيوان المنوي ينحل مع النواة في البويضة فيحصل الاتحاد في الجينات والكروموزمات، هذه البويضة تشتمل على 23 كروموزوم وكل كروموزوم يشتمل على جينات وراثية الصبييغيات التي اكتشف منها حوال مائة الف جينة وراثية، وبعد اتحادها مع 23 كروموزوم من الرجل ويندمجان يصبح عددها 46 وتبدأ بعدها الانقسامات، حتى يكون الجنين.
فعند دخول رأس الحيوان المنوي ويفصل الذيل عنه ويندمج مع النواة لم يعد هنا ما يسمى بالحيوان المنوي مع الاندماج، فلم يعد يصدق عليه عنوان الحيوان المنوي فهناك استحالة، كما لو اذبت قليل من السكر في خزان ماء كبير، ثم نقلت الخزان فلا يقال إنك نقلت سكرا، فالسكر قد استهلك، ولذا جاز الوضوء به لو كان قليلا، وهنا يقال انني أدخلت نطفة ملقّحة وليس مني، فلا يقال " اقرّ نطفته ".
ولذلك الاستدلال بهذه الرواية غير تام.
ايضا الرواية التي ذكرناه سابقا عن الصدوق (ره): الوسائل:2 - محمد بن علي بن الحسين قال : قال النبي صلى الله عليه وآله: لن يعمل ابن آدم عملا أعظم عند الله عز وجل من رجل قتل نبيا أو إماما أو هدم الكعبة التي جعلها الله قبلة لعباده أو أفرغ ماءه في امرأة حراما. [4]
من جهة السند: كبحث، أن الشيخ الصدوق (ره) تارة يقول: " وروي عن رسول الله (ص) " وتارة يقول: " قال النبي (ص) " هل يستشعر من " قال النبي (ص) " انه يتبناها، وهل هناك اختلاف في التعبير بين " روي عن النبي " أو " قال النبي ". في روايتنا قال: " قال النبي (ص) " وهذا يؤدي إلى قوة في الرواية وان كانت ضعيفة السند بالارسال؟ بل يؤيد ذلك ايراد الصدوق لهذه الرواية بسند آخر وهو محمد بن الحسن عن سعد بن عبد الله عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داوود عن غير واحد من اصحابنا عن أبي عبد الله (ع).
ومن ناحية الدلالة: الاستدلال في قوله: " أو أفرغ ماءه في امرأة حراما " قالوا يعني أن المرأة محرّمة عليه، ودليلها نفس الرواية السابقة بدل " في رحم يحرم عليه " قال: " في امرأة حراما " فنفس الاستدلال.
في الجواب: اولا: ان " أفرغ ماءه " لم يعد هناك ماء اصلا، بل هو نطفة ملقّحة استحالت إلى شيء آخر، " والاحكام تابعة لعناوينها " عنوان " أفرغ ماءه " لا نسلم بتحققه.
ثانيا: هذه الرواية تختلف عن الرواية الاولى بكلمة " حراما " واعراب هذه الكلمة ينفعنا في استنباط الحكم. فإما ان تكون نعتاً لامرأة فتصبح نفس معنى الرواية الاولى كانه قال: " في رحم يحرم عليه "، وإما أن تكون حالا، أو تمييزا تمييز نسبة افراغ الماء إلى الرحم، أو نائب مفعول مطلق، أي افرغ تفريغا حراما، أو مفعولا لأجله لأجل ان يفعل الحرام عصيانا.
اما الوصف: النعت فهذا غير تام لان " امرأةٍ حراماً " حراما منصوبة وامرأة مجرورة والنعت يتبع المنعوت، في الرواية الاولى " افرغ ماءه " نعت أما في هذه الرواية ليست نعتا فلا يصح الاستدلال بها.
اما حالا: ان تكون حرام حال من المرأة، فكقواعد نحوية غير صحيح لان صاحب الحال يشترط أن يكون معرفة أو إذا كان نكرة يشترط في الحال أن يتقدّم على صاحب الحال، كما درسنا في قطر الندى: لمية موحشا طلل * يلوح كأنه خلل. موحشا حال من طلل، وطلل نكرة لكن الذي صحح كون صاحب الحال نكرة هو تقدّم الحال عليها. وهنا الحال متأخر وصاحب الحال متقدّم، فلا مجال لكونه حالا. إذن لا يمكن ان يكون لا نعتا ولاحالا.
اما نائب مفعول مطلق: أي تفريغا حراما، ممكن ان ترد، وايضا ان تكون تمييز، أو أن تكون حالا لمحذوف كما في مسألة " سير عليه طويلا " قيل: انه بمعنى " سير عليه سيرا طويلا " وقال سيبويه انه: " سير عليه حالة كون السير طويلا ". فإما أن يكون حالا أو نائب مفعول مطلق. ان الاستدلال بها بقوله (ع): " أفرغ ماءه في امرأة تفريغا حراما " حيث تدل على حرمة التفريغ، أي أن تحريم الإفراغ هو من نفس هذه الرواية، أما إذا كان الدليل على التحريم سابقا على الرواية فلا تنفعنا لأن الاستدلال بالرواية يكون مصادرة على المطلوب.
والظاهر أن إعراب حراما تمييز أي " افرغ ماءه في امرأة حراما " وهي نسبة التفريغ إلى المرأة تفريغا حراما، ونذكر أن التمييز على قسمين: تمييز نسبة وتمييز مفرد. مثلا: جاءني ثلاثة وثلاثون رجلا، تمييز مفرد. أما في " اشتعل الرأس شيبا " تمييز نسبة لأنه نسبة الاشتعال إلى الرأس. لذلك قالوا ان التمييز عبارة عن بيان من ابهم من النسب أو الذوات. بينما الحال هو بيان من ابهم من الهيئات. إذن هنا التمييز يكون معناه أن نسبة التفريغ إلى المرأة حراما، كما هو الظاهر، فإذا كان تمييز يعني انه يجب أن احرز في مرحلة سابقة انه حرام حتى تنطبق الرواية، لذلك لا استطيع ان استدل بالرواية على التحريم.
ببيان آخر: يجب إذا كان تمييز أو حال من التفريغ أو نائب مفعول مطلق، فهذا لا ينفعنا في الاستدلال على التحريم، لأنه لا معنى للاستدلال بها على التحريم وينبغي أن يكون العلم بالتحريم سلفا فتنطبق الرواية، اما بنفس الرواية فلا يمكن الاستدلال عليه، بعكس الرواية السابقة أي لو كان وصفا أو نعتا أو حالا لمرأة، هناك يمكن الاستدلال بها على التحريم، لكن رددنا الرواية السابقة لعدم صدق " نطفته".
النتيجة أنه في الرواية الثانية لا يتم الاستدلال بها مع الانتباه للإعراب، وعلى الأقل هي مجملة.
غدا ان شاء الله هنا نكته ثقافية وتربوية احب ان اذكر بها.


[1] الظاهر رجلٌ بالضم لكونها خبر إن.
[3] فائدة: الإنسباق على ثلاثة معان: تارة انسباق إلى المعنى الموضوع له فيسمى تبادرا، وتارة انسباق إلى بعض افراد الموضوع له فيسمى انصرافا، واخرى انسباقا إلى غير الموضوع له فيسمى مجازا ويحتاج إلى القرائن.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo