< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

36/04/22

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: ثبوت النسب.
-طفل الانبوب: من هي الأم؟
وقع الخلاف في هذه المسألة حتى عالميا وضعيا وليس فقط شرعيا، فلا يخلو الامر من أربعة احتمالات:
- الأم هي الحامل وعليه أكثر الفقهاء المعاصرين على حدّ استقرائي.
- الأم هي صاحبة البويضة.
- تعدد الأمهات فتكون كلتاهما أما.
- أنه لا أم له.
القول الأول: وهو أن الأم هي الحامل. استدل عليه بوجوه:
منها: آية الظهار: ﴿ الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنْ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ﴾. [1].
وهذا الدليل استدل به السيد الخوئي " ره " ووجه الاستدلال استظهار عموم العلّة فكأنه قال: ليست المظاهرة أمَّا لأن الأم هي المولّدة دون غيرها، والمظاهرة ليست مولِّدة [2]، نفى الحكم وبرره بان الامهات هنّ اللائي ولدنهم فقط. والعلّة كلما ثبتت ثبت المعلول وكلما انتفت انتفى المعلول. وبعموم التعليل نستفيد أن الأم هي المولّدة – أي الحامل برأيه – دون غيرها حتى صاحبة البويضة، فكل أم متصورة أو محتملة أخرى منفية بهذه الآية، فلا تعدد للأمهات، بل هذا الظهور ينفي حتى الأم الرضاعية، فالمرضعة لا تكون أما، لأن ظهور الآية يعاض وينافي أموة الأم بالرضاعة. [3]
وأجاب بعضهم أن هذه الآية لا يصلح الاستدلال بها في مقامنا – وهو نفي الولد عن صاحبة البويضة – لأنها واردة مورد الظهار دون غيره. وعليه لا يكون دليلا عاما، وهذا معناه أن اكثر العلل لا يؤخذ بعمومها ففي مثل: " كل الرمان لأنه حامض " قد يقال انه بالإضافة إلى الرمان أي الرمان الحامض كله وغير الرمان من الحوامض لا
تأكله. هذا مردود لأن الرمان علّة وكلما ثبتت العلّة ثبت المعلول فيثبت لكل حامض.
هنا يجب أن نلتفت إلى ان الدلالات تنقح صغريات حجيّة الظهور، إذا كان هناك ظهور في العموم وفي الحصر آخذ به. لكن هذا الجواب مردود حيث أن عموم العلّة ظاهر ولا يقتصر فيها على مورد الرواية إلا أن ينكر أصل استظهار عموم العلّة، وهذا عهدته على مدّعيه. إذن العبرة بالظهور.
قد يقال: أن هذه الآية حصر بالإضافة إلى الظهار فيمنع العلّة عمومها ومفهومها، وفي نفس الوقت لا ظهور لكن لها في الاختصاص بالظهار فينفي الظهوران: الظهور بمفهوم العلّة، والظهور باختصاص نفي الأم بالظهار. وهذا وارد بقرينه " وانهم يقولون منكرا من القول وزوا " قرينة على أن الحصر بالإضافة إلى كل قول حتى أنه يشمل نفي البنوة حتى بالتبنّي. بعبارة أخرى: كل ما كان اعتباريا لفظا محضا ليس له قيمة والمهم هو النسب الحقيقي.
والصحيح في الجواب لحل الظهورات هنا أن يقال: إن معنى " الولادة " ليس الحمل أو خصوص ما كان ناشئا عن حمل بل معناه " النتاج الحقيقي التكويني" بدليل أننا نحمل الولادة على الأم فتكون والدة، وعلى الأب فيكون والدا، والأب ليس حاملا رغم أن حمل إطلاق الولد عليه إطلاق حقيقي وليس مجازيا، لأننا لا نجد أية مؤونة في هذا الحمل فإننا نعلم أن المجاز يحتاج إلى مؤونة ملاحظة العلاقة المجازية المصححة. ولو كانت الولادة لغة خاصة بما كانت عن حمل لكان إطلاق الولد على الأب مجازيا. كما أنه ليس هو على نحو الاشتراك اللفظي [4] أيضا، بل هو مشترك معنوي.
وعليه يكون معنى ) إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ ( إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ " ظاهرة مورد العلّة وواردة مورد ضرب القاعدة ان المولدة هي الأم، لكن ما معنى المولدة؟، فالمولدة ليست من أعطت عن حمل. بل معناها كل ما نتج عنها نتاج حقيقي تكويني وليس نتاجا اعتباريا. ومما يؤيد هذا المعنى ذيل الآية: ) وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنْ الْقَوْلِ وَزُوراً ( الذي يعني أن الزوجة المظاهَرَة أصبحت أمّا باللفظ عندما قال لها الزوج: أنت عليّ كظهر أمي. والله يستنكر أن يصبح اللفظ سببا للأمومة بل لا بد من علقه حقيقية. تماما كما هي الحال في التبني. الشارع الغى كل ما كان لقلقة لسان [5]
وعليه ملخص مطلب اليوم القول الاول أن الآية القرآنية استدل بها على أن الأم هي الحامل والآية ظاهرة مورد العلّة وكانه أعطى ضرب قاعدة " الأم هي الحامل المولدة دون غيرها ". أشكل عليه أن هذه واردة مورد الظهار، خاصة بالظهار. يجاب: انها واردة مورد القاعدة وعموم العلّة، إلا أن يقال: إنها من باب الحصر الاضافي بقرينة ) وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنْ الْقَوْلِ وَزُوراً (، إذا كانت هذه القرينة فلا يكون نفي الأمومة فقط في الظهار بل في كل لفظ أي نفي الاعتبار عن اللفظ، وجعل الاعتبار للولادة الحقيقية. بعبارة اخرى: انتفى الظهوران: الحصر بخصوص الظهار، والظهور في العموم. لكن يمكن ان يقال انها خاصة بنفي كل أم نشأت عن لقلقة لسان.
وحل الموضوع لعلّه في معنى " الولادة " فيمكن حينئذ توجيه كلام السيد الخوئي (ره) وكلام الآخرين. فالآية تثبت حينئذ " كل ما كان عن اعتبار ولقلقة لسان لا تسمى والدة وليست أما، بدليل ان معنى الولادة ليس معناه ما كان عن حمل وهو أحد أفراد الولادة، بل هو ما كان عن نتاج حقيقي، بدليل أن كلمة والد تطلق على الأب من دون تكلف مجازي ولا اشتراك لفظي، معناه أنه موضوع للمشترك بين الوالد والوالدة بين الأم والأب، وليس مجرد نتاج اعتباري. وهذا ينفي الظهار والتبني ويثبت كل ما كان ولادة حقيقية فيشمل ما كان عن حمل وما كان عن بويضة، ويكون لكل منهما احكام الام النسبية من إرث ونفقة وبرّ [6] وغير ذلك.
غدا ان شاء الله نكمل الآيات القرآنية.


[2] لأنه في الجاهلية كانوا يعتبرون الظهار طلاقا، فالشارع لم يعتبره طلاقا وحرّمه شرعا، وكما ذكرنا سابقا في القاعدة التي أصلناها من أن استعمال الشارع للفظ له معنى عرفي يدل على قبول الشارع له بمعناه العرفي، والاسقاط يحتاج إلى دليل. وهنا قد اسقط الطلاق عن الظهار، ولولا هذا الاسقاط لاعتبر الظهار طلاقا شرعا.
[3] سؤال: ان الآية عامة وتفسر هذه الآية. الجواب: هذه الآية بناء على الحصر وبعموم العلّة تنفي كل الامهات الاخريات فما لم يكن بالولادة فليس أما. لذلك في الشبهة المفهومية إذا قلنا ما معنى أم، اولا: اطرق باب الشارع، فلما أجابني ظهر وكأن الآية تدل على مفهوم شرعي خاص للأم.
[4] المشترك اللفظي يعني انه موضوع لكل منهما على حدة أي اللفظ موضوع للأب وموضوع للأم. لكن هذ غير خلاف الظهور والتبادر. لان الولادة منعى لغوي واحد ينطبق على الأم كما ينطبق على الأب.
[5] استطراد:. وهذا يؤيد ما ذكرناه سابقا من القاعدة بإطلاقها " ما كان عرفا كان شرعا "، الطلاق امر عرفي كان في الجاهلية قبل الاسلام وعند كل البشر. أتى الشارع واستعمل لفظ الطلاق العرفي، وكان الطلاق الباطل هو الذي يحتاج إلى اسقاط، فاسقط نكاح الشغار, والظهار الذي كان يعتبر طلاقا في الجاهلية، وعندما لم يسقط الامور الاخرى يعني أنه قد امضاها على عمومها واطلاقها. ومعنى القاعدة ان كل ما كان موضوعها مشكوكا فلا تشمل المعلوم.
[6] استيضاح من بعض الطلبة: وردت آية " وبالوالدين إحسان " ليس هناك أكثر من أم ولا أكثر من أب، بل العدد محصور بالتثنية.
الجواب: أن الآيات الاخرى التي وردت في ان الام هي الحامل ) حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ (، لقمان/سوره31، آیه14.) وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ( سورة المائدة، آية6. يقال انه إذا مسحت بباطن الكف فالمسح صحيح، لكن هل يجوز المسح بظاهر الكف؟. قد يقال انصراف المسح إلى الباطن والمسح بظاهر الكف فرد مستهجن.
متى يكون هذا الانصراف حجة ومتى لا يكون حجة؟ حجيته تكون إذا التفت أنه عام، ولكن بقي هذا الانصراف مستحكما يكون الانصراف حجة. ولذلك قالوا أن الانصراف حجة إن كان عن كثرة استعمال لا عن كثرة وجود. لكن نحن نذهب إلى اشتراط وجود الانس الذهني المانع من الانسباق للغير لتحقق الانصراف ولا يكون غالبا إلا عن كثرة الاستعمال. وان لم يكن ذلك يكون الانصراف بدويا ينحل عند مجرد الالتفات.
سنستعرض الآيات الأخرى وسنرى انها انصرافات غير مستحكمة، لانه لم يكن هناك أي فرد للحمل بغير هذه الطريقة الطبيعية. وكما في قوله تعالى: ) وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ( سورة النساء، آية 23. قالوا ان الربيبة محرّمة كانت في حجره ام لم تكن، إذن القيد " اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ " لا معنى له، فيقال حينئذ ان استعماله في الاعم الاغلب مبرر لهذا القيد، يضاف أن الحكمة منه كأنها اصبحت ابنتك ولذلك عبّر عناه بالربيبة، وإلا فكل بنت تزوج امها ودخل بها صارت حراما سواء كانت في حجره أم لا. " اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ " قيدا وارد مورد الغالب مبين للحكمة من التحريم. وهذه الحكمة يمكن ان تتخلف.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo