< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

36/04/26

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: ثبوت النسب.
-طفل الانبوب: من هي الأم؟
القول الأول: وهو أن الأم هي الحامل. استدل عليه بوجوه: أولا الآيات.
ومنها: آية: ﴿ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى ﴾ [1].
من ناحية الدلالة: الشاهد هو " ﴿فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ﴾ "الأم هي صاحبة البطن هي الحامل، وقد مرّ في الدرس السابق مناقشة دلالة الآية ومكمن الحل.
ومنها آية: ﴿ وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ﴾ [2]
ومن ناحية الدلالة ايضا الحامل هي الأم.
ومنها آية: ﴿ وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ ﴾[3]
ومنها آية: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً ﴾ [4]
ومنها آية: ﴿ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ ﴾.[5]
وجه الاستدلال في كل هذه الآيات واضح لا يحتاج للبيان ولا لكثير من الاستدلال، بأن الأم هي الحامل.
وجوابه: أن هذه الآيات لو خلّيت ونفسها لكانت واضحة في أن الأم هي الحامل، لكن بملاحظة الادلة الأخرى والروايات الموجودة من أن الأم هي الأساس فهي صاحبة البويضة وليست الحامل، أو على الأقل له أمان الأم التكوينية والحامل، بلحاظ هذه الأدلة وبلحاظ القاعدة التي ذكرناها من أن أم الأم العرفية هي نفسها الأم الشرعية، مجرد ان يستعملها الشارع يعني قبل معناها العرفي وصار معناه ويرد ذلك، فيثبت المعنى مع اللوازم العرفية كلها، وقلنا لو كانت هناك شبهة مفهومية اولا نطرق باب الشارع فإن لم نجد فنطرق باب العرف فان لم نجد نطرق باب اللغة إلى ان نصل إلى الأخذ بالقدر المتيقن. فإذا طرقنا باب الشارع ولم يكن له مفهوم خاص للأمومة، ونحن نقطع بانه ليس هناك حقيقة شرعية، ننتقل حينئذ لطرق باب العرف، فإذا كان المعنى العرفي هو الاساس التكويني وليس معلوما بأن هو الحامل لذلك نحتاج إلى دليل واثبات لكي يكون حقيقة شرعية وكذلك نقل المعنى من شرع إلى عرف يحتاج للدليل والاثبات.
فالآيات التي ذكرت كدليل ليست إلا على نحو الاستعمال بلحاظ الأغلب وهذا موجود في القرآن والعرف، بل نقول أن في ذلك الزمن لم يكن إلا استعمال في المنحصر، لم تكن هناك غير هذه الطريقة فلم يكن هناك أم غير الحامل، وصاحية البويضة هي نفس الحامل، وكان استعمالا بلحاظ الموجود، وقد يقال أن هناك انصراف له [6] إما لكثرة الوجود وإما لكثرة الاستعمال، وسابقا كان ينحصر استعمال لفظ الأم بالحامل لعدم وجود فرد آخر، لكن مع التأمل نلاحظ أن العرف قد يبدل رأيه، والمنصرف اليه عرفا إنما يكون حجة إذا كان ثابتا [7] . فعند التفات العرف قد يتغير الظهور، نضرب لذلك مثالا من الاصول في مسألة الأصل المثبت والواسطة الخفيّة فقد اجاب الشيخ المشكيني (ره) صاحب الحاشية على الكفاية وتلميذ الشيخ الآخوند (ره): أنه عندما يلتفت العرف ان هناك واسطة خفية لم يلتفت إليها، حينئذ وبعد الالتفات لا يعتبر اللازم الشرعي لازما مباشرة، بل لازما بالواسطة.
إذن نستخلص من هذا الكلام ان العرف عندما يستعمل لفظا فلا يعني أنه استعمال في معناه الحقيقي، لأن الاستعمال ليس علامة الحقيقة، نعم التبادر هو علامة الحقيقة وعندما تأتي هذه الآيات " في بطون أمهاتكم " " حملته أمه " لا، ذلك أن الأم هي الحامل، هذا استعمال في الاكثر باعتبار انه الاكثر وجودا بل هو منحصر ولا يمكن أن يكون في ذلك الزمن أمومة إلا بواسطة الحمل. ومع ملاحظة هذه القرينة حينئذ يتضعضع احتمال التبادر فلا تصبح الأم هي صاحبة البطن، بل هي فرد للمفهوم، واستعمل المفهوم فيها فقط، وقد يكون باعتبار الاعم الاغلب الاكثر بل المنحصر في ذلك الزمن.
نعم لو كان الاستعمال علامة الحقيقة كما عند السيد المرتضى (ره)، لكانت هذه الآيات دليلا على معنى الأمومة الموضوع له، وهي صاحبة البطن.
لكن نحن عندما قلنا في الاصول ان الاستعمال ليس علامة للحقيقة لأنه أعم من الحقيقة والمجاز، فهذه الآيات ليست دليلا على أن الحامل هي الأم، نعم لو تركنا القرائن الأخرى التي ستأتي يمكن أن يكون هناك تبادر وصحة حمل فتدل على الحقيقة لكن مع القرائن يتضعضع المعنى.
ملخص الاستدلال بالآيات هو التالي: ان هذا الآيات استدل بها " حملته أمه " وغيرها على أن الأم هي الحامل.
الجواب: أن الأم الشرعية هي نفس الأم العرفية وليس هناك دليل على ثبوت الحقيقة الشرعية للأم، والأم العرفية هي الاساس المكوّن مما يؤدي إلى السؤال أن استعمال هذه الآيات استعمال في الأعم الأغلب باعتبار أن أغلب الأمهات هي الحوامل وهو المنحصر بذلك الزمن، أو أن استعماله في المعنى الموضوع له؟ وبعبارة اخرى: هل هو استعمال في المفهوم الموضوع له أو في الأفراد أو مجاز؟ ومعه فالأصل الحقيقة فنقول: أن هذا بناء على مبنى الشريف المرتضى (ره) الذي كان يقول أن الاستعمال علامة الحقيقة. ولكن قلنا في بحث الاصول أن الاستعمال أعم من الحقيقة والمجاز فلا يستدل بذلك.
الدليل الثالث على أن الحامل هي الأم: أن الوالدة شرعا هي الوالدة عرفا، والعرف يرى أن الحامل هي الأم، هذا الكلام للسيد الروحاني (ره) بعد أن نفى دليل السيد الخوئي (ره) الذي استدل بالآية القرآنية، وقال: بأن العرف يرى أن الحامل هي الأم. وعن سؤال انه لو صنعنا رحما صناعيا فمن تكون الأم؟ أجاب (ره): أنه يصبح بلا أم، اعتدنا على أن يكون للإنسان أم.
لكن نقول للسيد (ره) أنه ليس معلوما أن الحامل هي الأم عرفا، قناعتي أن الأم هي الأساس لغة، وأساس التكوين ليس الحمل فقط، بل يمكن أن يعتبر الحمل حالة مساعدة حاضن للولد وضرورة للنمو وحسب أما الأساس فهو للبويضة. النتيجة: أن ادعاء أن الأم هي الحامل غير معلوم وأول الكلام، بل نقول أنه إذا تأمل العرف والناس يجدون أن الأم العرفية هي الأساس، والأساس بعد التأمل سيكون البويضة وليس غيرها، والحمل عبارة عن وعاء حاضن.
القاعدة التي ذكرناها لها اهميّة كبرى: " كل ما كان عرفا كان شرعا، كل لفظ استعمله الشارع وله معنى عرفي هو نفسه معناه الشرعي " وعليه كل الادلة التي استدلوا بها على أن الأم هي الحامل نحملها محمل الأعم الأغلب الأكثر بل المنحصر ذلك الزمن.


[6] ذكرنا في الدرس السابق حالات الانسباق الذهني والانصراف والفرق بينها.
[7] استطراد: في مسألة ثبوت اللوازم العقلية والعرفية والعادية في الاستصحاب وفي أي أصل: قالوا أن الأصل يثبت لوازمه الشرعية، ولا يثبت لوازمه العرفية والعقلية والعادية، وإذا اثبتها سُمّى بالأصل المثبت. بعض من أنكر ثبوت اللوازم غير الشرعية ذكر استثناء لذلك فقال: أنه إذا كان هناك واسطة خفية ولأنها كغير الموجودة فالأصل يثبت لوازمه. فيكون عندي أصل ولازم عرفي ولازم اللازم الشرعي فيثبت الأصل. ويرد عليهم: أن الثابت بالواسطة الخفية كغيره الثابت بالواسطة الجليّة، لا يثبت لازم اللازم. بتعبير آخر: إذا كانت الواسطة خفية يرى العرف وكأن اللازم الشرعي للواسطة وكأنه ثبت لخفائها مباشرة. اجيب على ذلك: بانه مع الواسطة الخفية العرف لا يلتفت فيعتقد ان اللازم الشرعي هو مباشرة للأصل، وكانه قد اسقط الواسطة. لكن هذا من باب اشتباه المفهوم بالمصداق. يعني أن العرف إذا التفت ان هذا اللازم الشرعي ليس ثابتا مباشرة للأصل، فمع التأمل يرى أن هناك واسطة لم يلتفت لها. السؤال هنا عندما يلتفت العرف ان هناك واسطة خفية قد اسقطت، هل يقل أن هذا لازم مباشر للأصل؟ فإذا التفت العرف إلى ذلك حينئذ يتغيّر الحكم، ويكون قبل التفات العرف من باب اشتباه المفهوم بالمصداق. ومثال للتوضيح: قدمت لاحد الاخوة ضيافة وقلت له حتى لا تكون زيارتكم كزيارة أهل القبور كما في الحديث الشريف، وظهورها العرفي ان القبر لا يقدم ماءً ولا طعاما فلا تكن مثله، فأجابني الضيف انه يمكن تفسير زيارة القبور بتفسير آخر وهو ان يكون استقبالك لي استقبالا حسنا بوجه بشوش وكلام طيب، أي لا تلاقني بشكل جاف حزين كالقبر. فتغير ظهور معنى الحديث عندي أيضا، فذكرته لأستاذي الكبير الشيخ أبي الحسن انوار الزنجاني (ره) فكان الجواب انه لا مانع من ان يكون المعنيان معا، قدم الطعام وقدم اللقاء الطيّب، فمان ظهور آخر، ولا مانع منه. والنتيجة أنه مع الالتفات يختلف الظهور.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo