< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

36/04/29

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: ثبوت النسب.
طفل الانبوب: من هي الأم؟
الكلام في القول الثاني: صاحبة البويضة هي الأم.
الدليل الثالث الروايات: الرواية الاولى: ....عن أمير المؤمنين (ع) قال:.... " تعتلج النطفتان في الرحم فأيتهما كانت أكثر جاءت تشبهها، فإن كانت نطفة المرأة أكثر جاءت تشبه أخواله وإن كانت نطفة الرجل أكثر جاءت تشبه أعمامه. وقال .[1]
تحدثنا عن ما يتعلّق بالسند في الدرس السابق.
وأما من حيث الدلالة فهناك عدّة كلمات تحتاج للبيان أو يمكن أن تكون شاهدا: " تعتلج " ثم " النطفتان " ثم " أكثر " ثم " أخواله ".
أولا: " النطفتان " فالرواية واضحة في أن منشأ الإنسان من نطفتين إحداهما من المرأة (البويضة) والأخرى من الرجل (المني). ولعمري إنه إعجاز لأمير المؤمنين (ع) حيث إن اكتشاف البويضة أمر حديث جدا ولم يكن معروفا أبدا لا من قريب ولا من بعيد في تلك العصور، نعم لم يبين الإمام (ع) حدود النطفة طولا وعرضا لكن في روايات أخرى سيبيّن أوصافها ولم يبيّن أوصاف السائل الخارج من المرأة، وذلك حين سؤال عن نطفة المرأة قال في علل الشرائع: ح 1 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد رضي الله عنه قال حدثنا محمد بن يعقوب عن علي بن محمد بإسناده رفعه قال: أتى علي بن أبي طالب (ع) يهودي فقال يا أمير المؤمنين إني أسألك عن أشياء إن أنت أخبرتني بها أسلمت، قال علي (ع) سلني يا يهودي عما بدا لك فإنك لا تصيب أحدا أعلم منّا أهل البيت، فقال له اليهودي أخبرني عن قرار هذه الأرض على ما هو، وعن شبه الولد أعمامه وأخواله، وعن أي النطفتين يكون الشعر والدم واللحم والعظم والعصب ولم سميت السماء سماء، ولم سميت الدنيا دنيا، ولم سميت الآخرة آخرة، ولم سمي آدم آدم، ولم سميت حواء حواء، ولم سمى الدرهم درهما، ولم سمى الدينار دينارا، ولم قيل للفرس أجد، ولم قيل للبغل عد، ولم قيل للحمار حر؟ فقال عليه السلام أما قرار هذه الأرض لا يكون إلا على عاتق ملك، وقدما ذلك الملك على صخرة، والصخرة على قرن ثور، والثور قوائمه على ظهر الحوت في اليم الأسفل، واليم على الظلمة، والظلمة على العقيم، والعقيم على الثرى، وما يعلم تحت الثرى إلا الله عز وجل، وأما شبه الولد أعمامه وأخواله فإذا سبق نطفة الرجل نطفة المرأة إلى الرحم خرج شبه الولد إلى أعمامه، ومن نطفة الرجل يكون العظم والعصب وإذا سبق المرأة نطفة الرجل إلى الرحم خرج شبه الولد إلى أخواله، ومن نطفتها يكون الشعر والجلد واللحم إلى الرحم خرج شبه الولد إلى أخواله، ومن نطفتها يكون الشعر والجلد واللحم لأنها صفراء رقيقة. [2]
ثانيا: كلمة " تعتلج" . والاعتلاج نوع من المغالبة، أريد هنا أن اذكر ما يسمى حاليا بقوانين مندل في علم الوراثة التي تعتمد على أن الصفات الوراثية منها مهيمنة DOMINANT “ " فتكون الصفات الفعلية له، ومنها كامن “ RECESSIVE “ الذي لا يظهر فعليا في المولود. بل قد تظهر في الأجيال الأخرى بقلّة، وقد أصبح علم الوراثة هندسة تستطيع أن تعرف نسبة صفات الاولاد ان كان للرجل أو للمرأة. وهذا أتى من ان الصفات تتغالب حتى عبّر عنها بالصفات المهيمنة والصفات الكامنة التي تنغلب ويمكن أن تعود للظهور. [3] توارث الصفات وعلم الوراثة وبعض تحديداتها موجود في الروايات، بعض الروايات الأخرى في نفس المجال عبّرت بـ " اسبق " و " اغلب " و " اكثر " فالأمير (ع) يعبر عن هذا التغالب " بتعتلج " أي ان هناك حالة امتزاج مع مغالبة فتأتي هذه الصفات وتسيطر صفة على اخرى وتظهر عليها وتكون هي المؤثرة، والكامنة تبقى كامنة إلى أن يأتي فرصة لظهورها ولو بعد مائتي عام.
نفسر كلمة " تعتلج " لننظر كم هي قريبة لقوانين الوراثة الحالية! لان السؤال كان: كيف يأتي الولد يشبه أخواله وكيف يأتي يشبه اعمامه. وكيف أعطى الامام (ع) هذه المعلومة من جو صحراوي، هذا الاعجاز يأتي من: " علمني رسول الله (ص) الف باب من العلم ينفتح لي من كل باب الف باب ".
ثم كلمة " اكثر " وقد ورد في روايات أخرى " اغلب " أو " أسبق " أو غير ذلك، أن تعبيرات مختلفة عن مضمون واحد، وسببه، هناك مشكلة في تعبير الأئمة (ع) من جهة صعوبة بيان بعض المطالب اولا: من ناحية المتلقي لعدم قدرته على استيعاب بعض المفاهيم، ولذلك بعضهم أُلّه أمير المؤمنين (ع) وقال له " أنت أنت " لعدم تحمل اذهانهم بما يخبر، ثانيا: المشكلة في اللغة وقد تكون غير قادرة على بيان ما هو غير المحدود. وليست المشكلة في المخاطِب أي الائمة (ع) لذلك كانت بعض الاحيان كلماتهم رمزية، يستحسن الاطلاع عليها لمعرفة الحقائق، لأنها تنفع الإنسانية في الابتكارات، والاستدلالات، وتنفعنا أيضا في العقائديات.
واما كلمة " أخواله ": نعلم أن الخال هو أخ الأم مع ملحوظة أن " أخواله " جمع وليس مفردا لم يقل: " خاله "، أتى بلفظ الجمع، ومع ملاحظة أخرى أيضا أن " اخواله " جمع مضاف، والجمع المضاف من الفاظ العموم، يفيد العموم، كما إذا قلت لك: إئتني بكتبك، يعني كل كتبك [4] . قد يكون هذا العموم مؤيد للمراد بأخواله بكل الأخوال، أي أشبه لصاحبة النطفة الأم لأنها أخت الخال [5]، وكما أن الشبه في الأعمام وهو أخ الأب وهو صاحب النطفة والمني. والمؤثر هو الاخوال أي الصفات الوراثية الموجودة في الأم والاعمام الصفات الوراثية الموجود في الأب.
إذن الشاهد أن صاحبت النطفة هي الأم من شبه الاخوال للولد. هذا من ناحية الدلالة.
قد يقال أن الرواية لا تحصر الأم بصاحبة النطفة، ولا مانع من أن تكون الحامل أمّا أيضا. هل نستطيع أن نلحظ بالرواية حصرا للأمومة في خصوص صاحبة النطفة؟ هل توجد دلالة على الحصر؟
نعم يمكن القول أن هناك دلالة على الحصر، ولكن عموم " أخواله " وهو يتكلم عن المرأة صاحبة النطفة عن كانت النطفة اغلب أو اكثر او اسبق، والرواية في مقام تعليل الشبه، فيعلل الشبه بصاحبة النطفة والخال هو صاحب النطفة بقرينة عموم " أخوال " وبقرينة علّة الشبه، والمعلول يتبع العلّة وجودا وعدما، يمكن استظهار انحصار الأمومة في خصوص صاحبة النطفة.
وفي قوله (ع) في " تعتلج النطفتان في الرحم" حيث يظهر أن الرحم هو مجرد وعاء وحاضن واعتبر أن المكون الأساس هما النطفتان.
هكذا نستظهر من الرواية والرواية أن دلت على الحصر تكون مقيّدا ومخصصا للآية القرآنية: ) إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ ( وقلنا انه لا مانع من ان تدل الآية على ان يكون له أمان: الحامل أم وصاحبة النطفة أم.
قد يقال كما ذكرنا: إن العام والخاص إن كانا إيجابيين فلا دلالة على القيّد [6]، ولا يقدّم إلا بقرينة ويحمل هذا الفرد على أن له ميزة، إما ان يكون أفضل وأكمل الأفراد أو هناك داع لتخصيصه وتمييزه، أما كظهور فانه لا يقدّم.
نقول هنا ان هناك قرينة على التقديم وهي التالية أن هذه الرواية وردت في بيان شبه الاخوال وحصرت الشبهة في الأخوال أي أخوة صاحب النطفة، وجعلت غلبة نطفة الشبه هي العلّة في الشبهة، وهذا ظاهر في انحصار العلّة. ثم من هذه التعبيرات استفدنا تعريفا للأم، فيكون التعريف أيضا منحصرا، ومعه نطرد المفاهيم الأخرى المحتملة للأم، ونعاض ما دلّ على معنى الأمومة وشمولها للأم الحامل ولصاحبة النطفة كما يمكن أن يقال في آية الظهار.
وللتذكير فإن قرينة التحديد والتعريف من أقوى المفاهيم لأن التعريف يشترط فيه أن يكون جامعا مانعا، أي هو جامع للأفراد طارد للأغيار، كما لو سألتك: ما هو الحديد؟ فتجيب: الحديد هو معدن أبيض يتمدد بالحرارة ولا بد أن يلزمه مفهوم الحصر لأنه طارد الأغيار. وبهذا يكون مفهوم الرواية معارضا لعموم الآية، فيقدم عليه من باب تقديم الخبر المعتبر على عموم الآية.
ملخص دلالة الرواية: اولا: " النطفتان " ابتكار حديث لم يكن في الزمن السابق، وعقائديا تبيّن عظمة وعلم الائمة (ع) قبل الف سنة. ثانيا: " تعتلج " بمعنى المغالبة، ونحن لا نقول ان المكتشفات الحديثة هي المهمّة لكن تؤدي إلى الاطمئنان إلى صحة الرواية. ثالثا: " أخواله " والخال هو أخ الأم، بقرائن ان الجمع المضاف يفيد العموم يعنى كل الاخوال. الامام (ع) في مقام بيان علّة الشبه، وللعلّة مفهوم إذا انتفت انتفى المعلول. بهذه القرائن نستظهر الحصر، ومع الحصر بان الأم هي صاحبة البويضة تقدم حينئذ على اطلاق الآية الذي دل على أن له أميّن، فحينئذ الرواية مقدّمة ومبيّنة بان الآية القرآنية في آية الظهار تدل على أن الأم هي صاحبة البويضة دون الحامل.
غدا أن شاء الله نكمل.
والحمد لله رب العالمين.



[2] علل الشرائع، الشيخ الصدوق،ج1، ص 17، ب1، باب العلة التي من أجلها سميت السماء سماء والدنيا دنيا ....،ح1.
استطراد: بعد سؤال احد الاطباء كان الجواب قريب جدا لما وصفه الامام (ع)، فبغضّ النظر عن اسناد الروايات تشعر أن الروايات صحيحة. هناك اشياء دليلها معها مضمونها يدل عليها، متانة المتن والمضمون واعجازه يجعلنا نصدّق بالرواية حتى ولو كانت ضعيفة السند.
وهنا ايضا هناك مسألة مهمّة في مقام بيان علم الائمة (ع): ان البويضة التي لا ترى بالعين المجرّدة وهي اكتشاف بعد اكثر من الف عام الامير (ع)يخبرنا عنها، وفي روايات يخبرنا عن أوصافها، وهي اكتشاف حديث تحمل الجينات الوراثية. واذكر انني ذكرت ذلك في محاضرة للأطباء من اهل الاختصاص في بلدية صور، فعندما سمع هذا الحديث بعض الاطباء تعجّب لهذا الإخبار والإعجاز بهذه المواصفات عن الامام (ع).، لانه في ذلك الزمن كان المنظور للمرأة انها الوعاء الحاضن والرجل يزرع. .
[3] كما ورد في رواية، انه جاء رجل وامرأة للنبي (ص) ومعهم طفل له صفات مختلفة عن صفات الأم والأب، صفات افريقية، قال الرجل يا رسول الله هذا الولد ليس لي، لا انا ولا هي ولا ابوانا ولا اجدادنا بهذه الصفات. صرفه النبي (ص) وقال: الا تعلم ان الصفات تتوارث إلى تسعين ظهرا. .
[4] فائدة عقائدية: القرآن الكريم ذكر أن أفضل نساء المسلمين هي الزهراء (ع)، وأن أفضل رجال المسلمين علي بن أبي طالب (ع)، وافضل ابناء المسلمين هم الحسن والحسين (عليهم) وذلك في آية المباهلة ) فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ .( سورة آل عمران، آية 61. في مقام المباهلة النبي (ص) يجب أن يأتي بأفضل ما عنده من الابناء والنساء والانفس. " نساءنا " اسم جمع او جمع لا واحد له من لفظه مضاف، فأتى بالزهراء (ع) وحدها، فهي تشمل كل النساء، وكذلك في الانفس علي (ع) والابناء الحسن والحسين (ع). الجمع يفيد عموم الانفس والابناء لو كان هناك عدل لأمير المؤمنين لأتى به وكذلك للزهراء وللحسنين (ع).
[5] كما ورد في الروايات " تخيروا لنطفكم أن الخال احد الضجيعين ".
[6] تذكير: في مباحث الاصول: العام والخاص، كإشرب لبنا ولا تشرب اللبن الحامض. الخاص اللبن الحامض المقيّد إن كان سلبيا والعام ايجابيا، قدم الخاص على العام. أما إن كانا سلبيين أو ايجابيين لا يقدم الخاص على العام. إن كان احدهما سلبي والاخر ايجابي يقدم الخاص على العام. بعبارة اخرى: ليس دائما يقدم الخاص على العام، أو يقدم المقيّد على المطلق، بل يقدم في حالة الاختلاف بين السلب الإيجاب. وأما في غير تلك الحالة فلا يحمل المطلق على المقيّد أو الخاص على العام إلا بقرينة. وإلا حمل على كون الفرد الاكمل أو غير ذلك. .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo