< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

36/05/12

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: مناقشة قاعدة التوثيقات العامة: أن صفوان، وابن أبي عمير، والبزنطي، وأضرابهم لا يروون إلا عن ثقة.
- التعليق على كلام السيد الخوئي (ره).
-الكلام في منشأ هذه القاعد.
بعد استعراض ما مرّ نكمل نقاش كلام السيد الخوئي(ره):
النقطة الثانية في منشأ هذه القاعدة:
التعليق الخامس: عند الكلام في منشأ هذه القاعدة يقول السيد (ره): فمن المطمأن به أن منشأ هذا الدعوى هو دعوى الكشي الاجماع على تصحيح ما يصح عن هؤلاء. وقد زعم الشيخ أن منشأ الاجماع هو أن هؤلاء لا يروون إلا عن ثقة، وقد مرّ قريبا بطلان ذلك. ويؤكد ما ذكرناه أن الشيخ لم يخصّ ما ذكره بالثلاثة المذكورين بل عممه لغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون إلا عمن يوثق به. [1]
أقول: هذا حدس من السيد الخوئي (ره) نفسه، وهو حجة عليه. فهناك اطمئنان منه باستناد الشيخ في دعواه إلى الكشي، وتأييدا لكون مدرك القاعدة هو نفس الكشي انه ذكر الثلاثة وغيرهم من الثقات.
بعبارة أخرى: نقول: ان الأمور الحدسية وعن اجتهاد، المجتهد ملزم بها، أما الأمور النقلية الحسية نحن ملزمون بها.
وكون الدعوى حدسية أمر ممكن لكن كما يقول ابن سينا: " كل ما قرع سمعك فدعه في دائرة الامكان حتى يأتيك منه واضح البرهان "، لكن ما ذكره السيد (ره) ليس دليلا، خصوصا ان لسان الشيخ الطوسي (ره) لسان نقل وليس لسان حدس: " ممن عُلم انهم لا يروون إلا عن ثقة " " كانوا يُعرفون "، قد نسبها لعلماء الطائفة.
وأما نحن فلم نطمئن بكون المنشأ هو كلام الكشي، خصوصا أنه نفسه أي السيد الخوئي (ره) ذكر قبل ذلك مباشرة في نفس الصفحة: " أن النجاشي ذكرها في ترجمة محمد بن أبي عمير، وذكر أن سببها ضياع كتبه وهلاكها "، ولم يذكر أن الدعوى هو الكشي.
ثم إنه قد يدعى التنافي بين كلام الشيخ والنجاشي في تعليل كون ابن أبي عمير لا يرسل إلا عن ثقة، ففي حين أعادها الشيخ الطوسي (ره) إلى دعوى الكشي، عللها النجاشي بهلاك كثبه وضياعها ويمكن الجمع بينهما بان هؤلاء لا يرسلون إلا عن ثقة، ولكل مبرّره.
ثانيا: أما التأييد الذي ذكره السيد الخوئي (ره) فليس في محلّه، إذ أن الشيخ (ره) نصّ على هؤلاء الثلاثة من باب تطبيق دعوى عامة وهي: " من عُلم أنه لا يروي ولا يرسل إلا عن ثقة موثوق به ". فهو علل التسوية بذلك، وهو ينطبق على أصحاب الاجماع الذين اجمعت الطائفة على تصحيح ما صح عنهم وعلى غيرهم ممن قد يثبت فيه ذلك. وإلا فما المانع من أن يقول الشيح الطوسي (ره): اصحاب الاجماع سوّت الطائفة بين مراسيلهم ومسانيدهم من دون بيان التعليل؟! لماذا الشيخ (ره) جعل قاعدة عامة " كل من لا يروي إلا عن ثقة ولا يرسل إلا عن ثقة، عند التعارض يعامل المرسل كالمسند، فيتعارضان عند التعارض.
ولذلك ذكرنا كلام المحقق الكركي في رسائله قال: ولا يعمل اصحابنا من المراسيل إلا بما عرف أنه مرسله لا يرسل إلا عن ثقة كابن عمير، وزرارة، وابن بزيع، واحمد البزنطي، ونظائرهم ممن نصّ عليه علماء الاصحاب.[2]
ملاحظة: إن السيد الخوئي (ره) يقول: " إذ لو كانت هذه التسوية صحيحة، وأمرا متسالما عليه بين الاصحاب لذكرت في كلام احد من القدماء لا محالة، وليس منها في كلامهم عين ولا أثر " . [3]
والملاحظة هي أن السيد الخوئي (ره) نفسه اعتبر النجاشي والشيخ من القدماء حيث يقول في كتابه معجم رجال الحديث في باب مما ثبت الوثاقة: 2 - نص أحد الاعلام المتقدمين: ومما تثبت به الوثاقة أو الحسن أن ينص على ذلك أحد الاعلام، كالبرقي، وابن قولويه، والكشي، والصدوق، والمفيد، والنجاشي، والشيخ وأضرابهم. وهذا أيضا لا إشكال فيه، وذلك من جهة الشهادة وحجية خبر الثقة. [4]
فهو قد اعتبر الشيخ والنجاشي من القدماء، ويعتبر أن توثيقاتهم أخذوها عن حس، كابرا عن كابر، وناقلا عن ناقل، ولا بأس بنقل عبارة العدّة التي استشهد بها السيد الخوئي (ره) ص42: " قال الشيخ في كتاب العدّة في آخر فصل في ذكر خبر الواحد: " أنا وجدنا الطائفة ميزت الرّجال الناقلة لهذه الأخبار، ووثقت الثقات منهم، وضعفت الضعفاء، وفرقوا بين من يعتمد على حديثه وروايته، ومن لا يعتمد على خبره، ومدحوا الممدوح منهم وذموا المذموم، وقالوا فلان متهم في حديثه، وفلان كذاب، وفلان مخلط، وفلان مخالف في المذهب والاعتقاد، وفلان واقفي، وفلان فطحي، وغير ذلك من الطعون التي ذكروها، وصنفوا في ذلك الكتب، واستثنوا الرّجال من جملة ما رووه من التصانيف في فهارسهم، حتى إن واحدا منهم إذا أنكر حديثا نظر في إسناده وضعفه برواته.
هذه عادتهم على قديم الوقت وحديثه لا تنخرم، ..... [5] يكمل السيد الخوئي (ره): والنجاشي قد يسند ما يذكره إلى أصحاب الرجال ويقول: ( ذكره أصحاب الرجال ). وهذه العبارات - كما ترى - صريحة الدلالة على أن التوثيقات أو التضعيفات، والمدح أو القدح كانت من الأمور الشائعة المتعارفة بين العلماء وكانوا ينصون عليها في كتبهم. وبهذا يظهر أن مناقشة الشيخ فخر الدين الطريحي في مشتركاته - بأن توثيقات النجاشي أو الشيخ يحتمل أنها مبنية على الحدس، فلا يعتمد عليها - في غير محلها. [6]
واما ما ذكره من عدم وجود عين ولا أثر لهذه التسوية في كتب القدماء، فإن في ذكر النجاشي [7] والشيخ لها كفاية، ومع العلم أن كتب القدماء لم تصلنا بمعظمها، وقد بلغ عدد الكتب الرجالية من زمان الحسن بن محبوب إلى زمان الشيخ نيفا ومائة كتاب على ما يظهر من الشيخ والنجاشي وغيرهما. وعدم الوجود لا يدل على عدم الوجدان، فقد تكون هذه القاعدة مذكورة في الكتب التي لم تصلنا، أو في الكتب التي وصل جزء منها، وقيل لي أن كتاب الكشي بأكمله كان عند ابن حجر القسقلاني. [8]
يقول السيد الخوئي (ره) جمع ذلك النجاشي الشهير المعاصر الشيخ آقا بزرك الطهراني في كتابه: مصفى المقال.
فلعلّ هذه الدعوى ذكرت فيما لم يصلنا، ويكفينا ما ذكره هذا العالم الذي نقلا عن حسّ وليس عن حدس توثيقاته، ولا ادري لماذا فصّل بين التوثيقات الخاصة أو الضمنية أو العامة. واقصد من الخاصة أسماء رواة بأعيانهم مثل يونس بن عبد الرحمن. ومن الضمنية كبني فضال، ومن العامة كأصحاب الصادق (ع) كما قيل إنهم جميعا ثقات.
غدا نكمل ان شاء الله، نذكر توجيها علميا في نشؤ العلوم وتطوها والاستقراء لتوجيه عدم ذكر القدماء لهذه القاعدة. ونبحث النقطة الثالثة: اولا: الطعن بالإرسال الروايات، وثانيا: ان الشيخ الطوسي (ره) بنفسه روى عن الضعفاء.



[7] هذه التسوية ذكرها السيد الخوئي (ره) لكنها ليست موجودة عن النجاشي بل الموجود خصوص ابن أبي عمير. .
[8] استطراد: الذي استظهره من كلام العلماء والمصنفين، أن اصطلاح القدماء يشمل العلماء إلى الشيخ الطوسي (ره)، ومن بعده فهو من المتأخرين. ومن العلامة إلى يومنا يقال من متأخري المتأخرين. كما ان كلمة اصحاب هم القريبين من عصر الائمة (ع) وليس القريبين من الشيخ الطوسي (ره) الذي توفي سنة 460ه والغيبة الصغرى بدأت سنة 260ه والغيبة الكبرى بدأت سنة 428ه. .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo