< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

36/05/13

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: مناقشة قاعدة التوثيقات العامة: أن صفوان، وابن أبي عمير، والبزنطي، وأضرابهم لا يروون إلا عن ثقة.
-إشارة في نشؤ العلوم وتطورها والاستقراء لتوجيه عدم ذكر القدماء لهذه القاعدة.
إلفات: أشكل بعض الأحبة الطلبة: إن استغراب السيد الخوئي (ره) في محلّه إذ لو كانت هذه القاعدة عامة لأوردها كل علماء الرجال ما قبل الشيخ (ره)، أو الجلّ لولا الكلّ. مع العلم أننا لم نجد لها عينا ولا أثرا حتى فيما وصلنا وإن كان قليلا.
والجواب: بالإضافة إلى ما ذكرناه سابقا من احتمال كونها موجودة فيما لم يصلنا، نقول:
إن شأن العلوم أن تتطور، فتبدأ من المرحلة الأولى وهي مرحلة الأفراد والأشخاص وأحكامهم لننتقل إلى مرحلة استنتاج القواعد الكليّة، ومع استنتاج القواعد الكليّة يصبح العلم علما بحسب الاصطلاح المتداول حاليا للعلم [1]. وهذا الاصطلاح هو المنشأ للإشكال على اعتبار علم الرجال علما [2].
واستنباط الكليات من الأفراد هو ما يميّز الإنسان عن الحيوان كما قال الفلاسفة، وبه تتطور العلوم وتتميز فإنها تبدأ من ملاحظة الأفراد آثارا وأوصافا وأحكاما ليستنتج منها كليات من آثار أو أوصاف أو أحكام، وذلك هو الاستقراء الذي عرّفوه بأنه انتقال من الفرد إلى الكلي من خلال تتبع الأفراد. ولذلك قسّموا الاستقراء إلى تام وناقص. وقالوا أن التام منه نتائجه قطعية، أما الناقص فنتائجه ظنّية. ولذلك أشكل الفلاسفة على معظم العلوم بأنها ظنيّة نتيجة كونها استقراء ناقصا.
وضرب لذلك مثل: وهو أن من تتبع أفراد الحيوانات وجد أن كل حيوان يحرّك فكّه الأسفل، فأخرجوها قاعدة، ثم إنهم اكتشفوا ان التمساح يحرك فكّه الأعلى، فانخرمت القاعدة بهذا الفرد. لذلك تأسست مسألة وهي: مدى اعتبار الاستقراء الناقص في العلوم، وقد كتبت في ذلك كتب كثيرة من قبيل ما كتبه الشهيد السيد محمد باقر الصدر (ره) في كتابه: الأسس المنطقية للإستقراء.
ولأنَّ تأسيس العلوم يحتاج إلى زمن والالتفات، فهذا لا يعني أن القاعدة غير موجودة واقعا، أو أن آثارها في الأفراد غير موجودة، وهذا ميزة العالم والمجتهد والمبدع عن غيره. ونعطي مثالا على ذلك: ألا ترى أن قانون الجاذبية كان موجودا قبل زكريا الرازي وقبل نيوتن بعده، فالأفراد موجودة في الخارج، ولكن الالتفات إليه وتقنينها في قواعد جاء على يد علماء الميكانيك (علم الحيل) وعدم ذكر القواعد في الكتب العلمية القديمة ليس طعنا بصحة القاعدة.
وأعطي مثالا من تجربة لي في علم النحو: فلقد لاحظت الاسماء واستقرأت التنوين فيها، فاستنتجت قاعدة وهي أن كل اسم يجب أن ينوّن تنوين الأمكنيّة إلا لأربعة أمور وهي: المنع من الصرف، والبناء، ودخول اللام، والإضافة [3]، ولكلّ فيها اسبابها. ولم أكن قد قرأت هذه القاعدة في أي كتاب نحوي رغم وجود آلاف الكتب في علم النحو وآلاف النحاة. فهل هذا يعني أن القاعدة غير صحيحة؟! قطعا لا، كل ما في الأمر أن أحد الخبراء قد التفت إليها وجعلها قاعدة وذكرها ولو كان متأخرا.
ونعود إلى مسألتنا الرجالية [4]، ونطبق ما ذكرناه هنا فنقول: ان الشيخ الطوسي (ره) وهو من خبراء علم الرجال، قد استقرأ كلمات القوم، ووجد أنهم يقولون أن فلانا يروي عن الضعاف، أو ... أو ...، ثم بعد ذلك استنتج هذه القاعدة، وأدى إلى تطور في علم الرجال وعلم الفقه [5]، وهذا شأن كل العلوم، إنها تتطور وتتسع أبوابها وتتبلور قواعدها عبر السنين. وعليه فلا يكون عدم ذكر القدماء للقاعدة – لو سلّمنا به – خدشا بها أو طعنا بصحتها.
هذه النقطة احببنا ان نبينها لأنها تحل الكثير من التساؤلات والاستغراب الذي استغربه بعض الاخوة الطلبة جزاهم الله خيرا.
غدا نكمل ان شاء الله نأتي للنقطة الثالثة: الطعن بهذه القاعدة من حيث الروايات المرسلة ومن حيث الرواية عن الضعاف.


[1] بحسب الاصطلاح المتداول للعلم الذي هو مجموعة مسائل، وليس المراد العلم لغة الذي هو انطباع الصورة في الذهن.
[2] قيل ان علم الرجال ليس علما، لان العلم ينبغي أن يبحث عن قواعد كليّة، وعلم الرجال علم يبحث عن افراد واحوالهم
استطراد: الفرق بين الفلسفة والعلم. كل علم يبدأ فلسفة ثم يصبح علما. بعبارة أخرى: كل انسان يتساءل، وهذا التساؤل هو الفلسفة، وبعد فترة من الزمن إذا ثبتت هذه التساؤلات واصبحت قواعد عامة ولو بعضها اصبحت علما. مثلا: علم الكيمياء أو الخيمياء أو السيمياء بدأ بتساؤلات وهو يبحث عن امرين: كيف نصنع اكسير الحياة وكيف نحول المعادن الخسيسة إلى معادن شريفة. إلى ان اسسه الامام الصادق (ع) عندما علّم جابر بن حيان قواعد الكيمياء، وبدأ يصبح علما بعد ذلك وقبله كان مجرد فلسفة. .
كل العلوم تبدأ بفلسفة تساؤلات، الوجود، الفيزياء، علم الفلك، إذا تحول من تساؤلات إلى قواعد ثابتة اصبح علما
[3] الاضافة تدل على النقصان، وتنوين الامكنيّة يدل على التمام. والنقصان والتمام لا يجتمعان.
[4] كل العلوم كذلك، مثلا: في الاصول: الاستصحاب في كتاب المعالم أربعة اسطر، وفي رسائل الشيخ الانصاري (ره) اصبحت مجلدات وكلها قواعد، كذلك في قاعدة التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، وجود ابواب جديدة واستقراءات ينتج عنها تعليلا عاما أو امرا كليا، هذا الجديد يكون مطعونا به لان القدماء لم يذكروه؟!.
[5] في تطور علم الفقه الفرق بين النهاية والمبسوط، قبل الشيخ الطوسي (ره) كانت كتب الفقه هي عبارة عن نفس الحديث رواية ويسمى المأثور، اول كتاب بدأ بالتفريع والاستنتاج هو المبسوط، والتهذيب كان بالمأثور
كما أيضا في الاكتشافات الغربية بأكثرها مأخوذة من المسلمين ينسبها الغربيون، مثلا: ابتكار الآلة البخارية ليست لجمس وات، بل هي لعالم في علم الحيل تركي. وكذلك الدورة الدموية الصغرى لابن النفيس نسبت إلى فلان العالم الاسباني، ولعلّ آنشتان حين قال بالبعد الزمني البعد الرابع، وهو موجود في الحركة الجوهرية عند صدر المتاللهين الشيرازي (ره) وهو قبله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo