< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

36/05/27

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: مناقشة قاعدة التوثيقات العامة: أن صفوان، وابن أبي عمير، والبزنطي، وأضرابهم لا يروون إلا عن ثقة.
-احتمال تخريج إجماعات الشيخ الطوسي (ره) المتعارضة.
الاحتمال الرابع:
كان الكلام في نقل الاجماعات المتناقضة التي ذكها الشيخ الطوسي (ره) حتى جعلت وكأنها مثلبة في حقه 0ره) كما نقل صاحب الحدائق أن الشهيد (ره)، قد جمع أكثر من سبعين مسالة فيها اجماعات متناقضة، حتى في تعبيره كما ذكرنا أمس عن الشيخ (ره) قال: " من يعلم طريقة الشيخ لا يستغرب منه هذا التناقض وتغيّر آرائه، فتارة تراه من رؤوس الاخباريين وتارة تراه من رؤوس المجتهدين "، وكأنها مثلبة.
قلنا اننا نتكلم مع الشيخ الطوسي (ره) نحترم اجتهاداته لكنها ليست حجّة علينا، ولذلك خالف الفقهاء الكثير من اجتهاداته، الكلام هنا في القاعدة أنه ناقل ونقله حجّة علينا كأي ناقل ثقة فكيف إذا كان بوزن الشيخ الطوسي (ره)، وذكرنا أن تغيّر الآراء أمر طبيعي جدا في من يستمر بالتحقيق، لأنه يمكن أن يتغيّر رأيه حيث يلتفت إلى التفاتات لم يلتفت اليها سابقا، وهذا في الواقع أمر إيجابي، يدل على استمراره في التحقيق والتدقيق.
اما نقل المتعارضات عند الشيخ الطوسي (ره) ذكرنا ان أي فقيه عندما يتكلم عن أجماع في مسألة ما، يجب ان نفهم ما المراد من قوله " إجماعا "، لانه عادة ما يستعمل هذا اللفظ بحب مبناه وما يراه في الاجماع. وقلنا أن في كيفيّة كشف الاجماع عن رأي المعصوم هناك عدّة آراء ذكرها، الاجماع بما هو لا أحد من الامامية يقول بحجيته غير أبناء العامة. الشيخ الانصاري (ره) لخصَّ الاجماع بكلمات: " هو أصلُ له وهو أصل لهم "، اتفاق العلماء على أمر لا يعني انه اصبح حجة على الجميع، الحجيّة تحتاج إلى دليل، ولذلك قالوا ان الاجماع دليل لانه يكشف عن رأي المعصوم.
الشيخ الطوسي (ره) عندما يقول بالاجماع، ونحن نعلم انه يقول بقاعدة اللطف، ما يسمى بالإجماع اللطفي، وفرق بينها وبين غيرها، ان قاعدة اللطف اجماع أهل عصر واحد سواء كان هذا العصر قريبا أم بعيدا ولذلك إذا اجتمع أهل عصر واحد على حكم معيّن وبعد ثلاثين سنة تغير الجو وأصبح هناك اتفاق على حكم آخر، لو كنت انت مكان الشيخ الطوسي (ره) ستنقل بان الطائفة اجمعت على أمر، وبعد ثلاثين سنة ايضا اجمعت على أمر مخالف. كلمة الاجماع يصح استعمالها عند الشيخ الطوسي (ره) ولو في اتفاق الفقهاء سنة واحدة، ولو كنا مكان الشيخ لنقلنا اجماعات مختلفة، وهذا بحسب مبناه الذي لم نوافق عليه، حيث قلنا أن قاعدة اللطف قاعدة صحيحة إجمالا لكن البسها الشيخ (ره) ثوبا فضفاضا اوسع منها.
مثال على تغيرّ الجوّ العام الفقهي: مسألة نزح البئر لو وقعت فيه نجاسة. كان الفقهاء يقولون بوجوبه، ثم تغيّر الجوّ العام الفقهي ما بعد العلاّمة (ره) إلى الاستحباب، ولو أصبح إتفاقا لأمكن للشيخ الطوسي (ره) أن ينقل إجماعين متناقضين في هذه المسألة الواحدة، ولا مانع من ذلك بحسب مبناه من كون الإجماع اللطفي الكاشف عن رأي المعصوم (ع) هو إجماع أهل عصر واحد. ومن باب التذكير قلنا ان الاجماع الذي ذكروه ينبغي ان يكون اجماعا من القريبين من المعصوم إلا الاجماع اللطفي فلا يشطرط فيه ذلك بل حتى لو كان بعد الفي سنة يكون حجّة، وهذا من الفروق بينهما.
ومثال آخر: مسألة نجاسة الكتابي التي كانت إجماعيّة بل عبّر عنها بعضهم بأنها من شعار الشيعة، ثم تغيّر الجوّ العام الفقهي ليشتهر بين متأخري المتأخرين ممن هم قريبين من عصرنا طهارته، ولو أصبح اتفاقا لحق للشيخ (ره) أن ينقل إجماعين مختلفين في هذه المسألة الواحدة بحسب مبناه.
ومثال آخر: ما نحن فيه من مسألة طفل الانبوب حيث ذهب الفقهاء في زمن طرحها إلى الحرمة كما نقلنا عن الشيخ محمد جواد مغنية (ره)حيث قال: انه لا يمكن أن يقول به مسلم، ثم بدأ الجوّ الفقهي يتغيّر ليشتهر جوازه وكذا الإستنساخ. وهكذا الأمثلة كثيرة.
ولو أن أي فقيه كان مكان الشيخ الطوسي (ره) لفعل مثله ولنقل إجماعين متنافيين، وهذا لا مانع منه بحسب مبنى الشيخ (ره) في كيفية الكشف عن رأي المعصوم (ع) كما بيننا. وهكذا صار واضحا عدم التهافت في نقل الإجماع، كما ورد في بعض الكتب الفقهية حيث أوردوه وكأنه أمر سلبي عند الشيخ (ره) بنقل اجماعين متنافيين مختلفين في نفس المسألة، حتى كادوا لا يثقون بنقله، وهذا يعني أن التهذيب والاستبصار، الكتابين من الكتب الاربعة التي قيل بصحتها، لا يؤخذ بها!!.
فائدة: إننا قد نستغرب إدعاء بعض الفقهاء الإجماع مع وجود المخالف، ولكن لو لاحظنا استعمال لفظ الإجماع عنده ومراد الفقيه ومبناه في كيفية الكشف عن رأي المعصوم (ع) لارتفع كثير من الاستغراب [1]، إذ أن كلّ فقيه يستعمل لفظ الإجماع بحسب مبناه. وذكرنا امس ان هناك من يقول في الاجماع انه إذا كان هناك عشرة فقهاء يقولون بحكم انا اقطع بأن المعصوم (ع) بينهم، مثلا إذا كان بينهم الشهيدان والعلامتان والمشايخ الثلاثة، إذا قالوا بشيء انا اقطع بصدوره. اما غيرهم ممن يقول بالإجماع قد يقول بأقوال أخرى.
وتطبيقا لذلك على إجماعات الشيخ الطوسي (ره) فنقله بناء على حجية الإجماع المنقول، يفيدنا في أن أهل عصر واحد قد اتفقوا على المجمع عليه، وليس أكثر من ذلك. وهذا يفيدنا استنباطا.

تنبيه: ذكر الفقهاء أنه لا يجوز العمل بخبر الواحد إلا بأجراء أصالة السند [2]. أصالة السند أصل عقلائي الناس يعملون عليه، ودليلها سيرة العقلاء ووظيفتها طرد احتمال السهو والخطأ والنسيان والكذب من الراوي الثقة أو العدل، ذلك أن الراوي ليس معصوما، بل هو ثقة، والوثاقة أو العدالة هما ملكتان نفسيتان.
والفرق بين العصمة والملكة، أن العصمة لا يمكن أن تتخلف فالمعصوم عن الخطأ لا يمكن أن يخطئ، والمعصوم عن الكذب لا يمكن أن يكذب، والمعصوم عن السهو والنسيان لا يمكن أن يسهو أو أن ينسى.
أما من كان عنده ملكة عدم الكذب أو النسيان فقد يكذب أو ينسى لأمر ما ضاغط عليه، ولذلك احتاج العقلاء لأصالة السند لدفع احتمال الكذب والسهو والنسيان وزلَّة اللسان وغير ذلك مما هو عادي عند غير المعصوم (ع)، نعم هذا الاحتمال يجب أن يكون ضمن الحدود العقلائية كالسهو القليل النادر، فيلغى احتمال الخلاف ببركة أصالة السند العقلائية [3]. أما إذا ثبت زيادة النسيان والسهو عن الحدّ، فإن ذلك يمنع أصالة السند عن الجريان.
وتطبيقا لذلك على الإجماعات المنقولة للشيخ (ره) التي ناقض فيها نفسه وقد بلغت سبعين وقد تكون أكثر، فإن أصالة السند لا تجري بحق الشيخ (ره) لأن الاحتمال أصبح كبيرا نسبيا بحيث لا يتسامح به العقلاء، ومع عدم جريان أصالة السند في نقل الإجماعات فهي حينئذ لا تجري في كلّ أخبار الشيخ (ره) وهذا ما لا يمكن الالتزام به.
نعم مع الاحتمال القوى لما ذكرناه في علاج التناقض تبقى أصالة السند جارية.
الخلاصة: إن الدليل على أن مشايخ الثقات لا يروون إلا عن ثقة دليل نقلي حجة علينا لأنه خبر ثقة وهو الطوسي (ره) ولا بد أن يعارض هذا النقل إما بدليل قطعي، أو بحجّة نقلية.
اما الدليل القطعي لإسقاط القاعدة فهو منفي مع الاحتمالات المذكورة، والاحتمال يبطل الاستدلال.
واما الدليل النقلي الحجة فهو غير تامّ. ولذا تكون القاعدة تامّة.
غدا ان شاء الله نستعرض الضعاف الذين نقل عنهم مشايخ الثقات حتى يتم رفع الاشكالات عن القاعدة.


[1] قلنا سابقا بان هناك فرق بين الاتفاقات: اولا هناك البديهي، ثم الضروري، ثم التسالم، ثم الإجماع، ثم الاتفاق، ثم قولهم بلا خلاف. هذه الالفاظ تستعمل وغالبا ماهي مختلفة بالمعنى المراد منها. الاجماع اصطلاحا هو ما يكشف عن رأي المعصوم (ع) حدسا أو لطفا إلى آخره. الاتفاق هو اتفاق الفقهاء على رأي. إذن هناك فرق في نقل هذه الاتفاقات من حيث الثمرة.
[2] ذكرنا الأصالات الاربعة في الدرس السابق.
[3] لذلك قيل في المقلّد يجب أن لا يقل ضبطه عن المتعارف، والمقصود عرف الناس ان لا ينسى كثيرا حتى يمكن اجراء اصالة السند فيه. وكما قلنا ان الدليل على امر دليل على فروعه ايضا وتفصيلاته ولوازمه وشرائطه. فالدليل على حجية خبر الواحد هو سيرة العقلاء، فايضا اجراء اصالة السند يجب ان تكون ضمن الحدود العقلائية.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo