< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

36/06/12

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: مناقشة قاعدة التوثيقات العامة: أن صفوان، وابن أبي عمير، والبزنطي، وأضرابهم لا يروون إلا عن ثقة.
- وهب بن وهب ابو البختري.
قلنا إذا روى ابن ابي عمير عن شخص واحد ولا يمكن تصور أي مبرر للرواية عنه وثبت ضعفه يكون خدشا للقاعدة. وذلك لأنه عندما قلنا بجواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية كما عليه مشهور القدماء وخلاف مشهور المتأخرين بغض النظر عن التفصيلات [1]. عندما يطرح المتكلم قاعدة عامّة يكون ملتزما بها وملتفتا إلى كل الافراد، ولو أراد التخصيص يجب عليه أن يخصص، فلو قال: أكرم العلماء ولم يرد الفاسق وجب عليه بيان التخصيص بقوله: " أكرم الفاسق " فإنه عندما يطلق العام يطلقه على نحو القضية المحصورة لا المجملة ولا المهملة، ولهذا وجب الالتفات إلى كل الافراد، وإلا لما كان حكيما. وعليه عندما يقول: " لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة " يكون يعطي قاعدة عامة وملتزم بها نفسيا، فلا يمكن ان تخدش ولو بفرد واحد، والخدش يكون بسبب ما. لذلك قلنا ان القاعدة لا تخدش إلا بعدم وجود المبرر ابدا، واحتمال المبرر كاف اولا، وثانيا: عدم امكان توثيقه، وثالثا: عدم وجود معارض.
ابو البختري وهب بن وهب:
يقول المير دماد الاسترآبادي في تعليقه على اختيار معرفة الرجال ج2 ص 597: كان قاضي القضاة ببغداد لهارون الرشيد، كان عامي المذهب، وكان كذابا، له أحاديث واقاصيص مع الرشيد في الكذب. قاله النجاشي (رجال النجاشي 336). [2]
وفي نفس المصدر روايات متعارضة في زواج الامام الصادق (ع) بأمه ( أم وهب )، حيث يروي الكشي عدمه، ويقول النجاشي وابن داوود بذلك ( أي أم وهب).
وفي نفس المصدر في حديث تحت رقم 588، عن الفضل بن شاذان: كان ابو البختري من أكذب البريّة والظاهر أنه ضعفه في الحديث.
ولكن فلننظر إلى رواية ابن أبي عمير عنه: هي رواية واحدة في الكتب الاربعة وردت في صلاة الاستسقاء، رواها الشيخ بسنده ح8: عن محمد بن علي محبوب، عن محمد بن خالد البرقي، عن ابن أبي عمير، عن أبي البختري، عن أبي عبد الله (ع) عن ابيه، عن علي (ع) أنه قال: مضت السنّة انه لا يستسقى إلا بالبراري، حيث ينظر الناس إلى السماء، ولا يستسقى في المسجد إلا بمكة. [3]
وأهم إشكال على القاعدة بالنسبة للرواية عن الضعفاء هو الرواية عن وهب بن وهب.
ويمكن التخلص من هذا النقض بأمور:
أ‌-أن ابن أبي عمير روى عنه عندما كان ثقة في نظره وقت تحمُّل الحديث، ثم إنه صار يكذب لمصلحة الرشيد عندما عيّن قاضيا للقضاة، كما في زياد بن ابيه، وعمر بن سعد الذي وصل إلى قتل الامام الحسين سيد الشهداء(ع)، فإن حاله قبل الولاية على الكوفة يختلف عن حاله بعدها.
ب‌-ذكرنا أن هؤلاء الثلاثة لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة من باب إيصال الواقع إلى الناس وليس تعبدّا، بل هو داعٍ.
ولذا، قلنا إنه يُحتمل أن ذلك هو في خصوص العقائد والاحكام الالزامية والمعاملات. أما في غير الالزامية فلا مانع من ذلك، وذلك للتسامح في أدلة السنن. وإن كان هذا الوجه – أي في غير الالزامي - غير بعيد لأهمية الاستحباب ايضا.
ج- اتكال ابن أبي عمير على روايات أخرى في استحباب الإصحار. ففي الوسائل، ح2: محمد بن علي بن الحسين في عيون الاخبار عن محمد بن القاسم المفسّر، عن يوسف بن محمد بن زياد وعلي بن محمد السيّار عن ابويهما، عن الحسن بن علي العسكري، عن آبائه، عن الرضا (ع) في (حديث) إن المطر احتبس فقال له المأمون: لو دعوت الله عز وجل؟ فقال له الرضا (ع): نعم. قال: فمتى تفعل ذلك؟ وكان يوم الجمعة، فقال: يوم الاثنين، فان رسول الله (ص) أتاني البارحة في منامي ومعه أمير المؤمنين (ع) فقال: يا بني انتظر يوم الاثنين، وابرز إلى الصحراء واستق، فإن الله عز وجل سيسقيهم إلى أن قال: فلما كان يوم الاثنين خرج إلى الصحراء ومعه الخلائق... الحديث. [4] [5] [6]
فلعلّ ابن أبي عمير اتكل فيه على كونه أمرا مستحبا وقد ورد عن الائمة (ع)، فروى ذلك عن ابي البختري.
وقد قلنا: إن الخدش بالقاعدة لا يتم مع احتمال وجود مبرر للرواية عن الضعيف.
د- ذكرنا سابقا أن من مبررات النقل عن ضعيف كونه شخصية دنيوية لها شأن في المجتمع مع ظهور وشيوع كذبه. فيتكل الراوي على ذلك لدفع الناس للتدقيق بالرواية. وهذا كمن جعل أبا جعفر المنصور الدوانيقي الكذاب من أصحاب الامام الصادق (ع) والرواية عنه.
إذن في وهب بن وهب الكذاب ولا مجال لتوثيقه يمكن أن يكون هناك مبرر للنقل عنه.
عمرو بن جميع الزيدي البتري:
يقول الشيخ جعفر السبحاني في الملل والنحل ج7 ص 454. البترية: هم أصحاب الحسن بن صالح بن حي واصحاب كثير النواء، وإنما سمّوا بتريّة لأن كَثيًر كان يلقب بالأبتر، يزعمون أن عليا (ع) أفضل الناس بعد رسول الله (ص) وأولاهم بالإمامة، وأن بيعة أبي بكر وعمر ليست بخطأ، لأن عليا (ع) ترك ذلك لهما، وينكرون رجعة الأموات إلى الدنيا، ولا يرون لعليّ (ع) إمامة إلا حين بويع، وحُكي أن الحسن بن صالح بن حي كان يتبرأ من عثمان بعد الأحداث التي نقمت عليه.
وفي كشف الرموز للآبي: والبترية ينسبون إلى كثير النواء، وكان أبتر اليد، فسموا البترية، وهم القائلون بإمامة الثلاثة، ابي بكر وعمر وعثمان، وعلي (ع) والحسن (ع) والحسين (ع)، وعلي بن الحسين (ع)، وزيد بن علي. [7]
من أصحاب الباقر والصادق (عليهما ) قاضي الريّ، قال عنه النجاشي: عمرو بن جميع الازدي البصري، ابو عثمان، قاضي الري ضعيف.
وضعفه الشيخ الطوسي وقال عنه إنه بتريٌ ضعيف.
ولننظر في روايته: ابن أبي عمير لم يرو عنه في الكتب الاربعة [8]، بل في معاني الاخبار، روى روايتين: إحداهما في حكم غير ملزم، والاخر في الإخبار بالمستقبل.
فقد روى الصدوق وفي ( معاني الأخبار ) ح2 - عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني عن علي ابن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن عمرو بن جميع قال: قال أبو عبد الله عليه السلام. لا باس بالإقعاء في الصلاة بين السجدتين.
وبهذا الاسناد: قال أبو عبد الله عليه السلام حدثني أبي، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمتهم فارس والروم كان بأسهم بينهم. المطيطاء التبختر ومد اليدين في المشي. [9]
والتخلص من ذلك يأتي كالتخلص فيما ذكرناه في الرواية عن العامي وهب بن وهب ابي البختري. فلا نعيد.
غدا ان شاء الله نذكر ابو جميلة المفضل بن صالح.


[1] استطراد في الشبهة المصداقية: .مثلا: " اكرم العلماء " اقصد كل العلماء والتزم بهذا العموم، فالقاعدة العامة توطئة لما اريد ان اذهب اليه ثم اخصص، هذه التوطئة لا يجوز اغماض النظر عنها. فـقول " أكرم العلماء إلا الفساق " كأنما قال: " أكرم العلماء العدول، لا تكرم العلماء الفساق " هذا القول غير سليم. التعبير " بأكرم العلماء إلا الفساق " يختلف عن قولهم " اكرم العلماء العدول لا تكرم العلماء الفساق "، لأجل ذلك قالوا بعدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، لأنه يدور امر المصداق بين حجتين في عالم الثبوت، وهي عالم الاثبات يكون بنفس القوّة. في الواقع ليس بنفس القوّة وهناك فرق بين التعبيرين لأنه ناتج عن الفرق في القصد
[2] يجب ان نلتفت إلى مسألة مهمّة وهي ان وهب بن وهب كان قاضي القضاة في بغداد، شخصية مهمّة لها موقع كبير عند أهل الدنيا، مع انه قد يكون ظالما،كذابا، فاسقا. وبغداد كانت اعظم مدينة في الدنيا وعاصمة القرار في العالم عاصمة العباسيين، لكثرة الكلام عنها صارت الحروب الصليبية ولأجل المال والعلم الذي كان فيها، بلغ عدد سكانها في زمن الرشيد خمسة عشر مليون نسمة على تقديرات بعض المؤرخين. .الناس بشكل عام قد تتأثر بالمواقع ليس تصديقا لهم بل لغايات عديدة منها أن اذكرهم لأجل دعم ما اقول إذا كان الطرف المقابل ضد ما انا فيه
[5] عيون الاخبار، الشيخ الصدوق، ج2، ص179، ح2.
[8] ما الفرق بين الرواية في الكتب الاربعة وبقيّة الكتب مع ان الراوي واحد وهو الصدوق؟
في بقية الكتب لم يقل الشيخ الصدوق (ره) ان ما يرويه حجة بينه وبين الله وانه أخذها من الكتب التي عليها المعوّل واليها المرجع، هذا الكلام في الكتب الاربعة مهم ّفي توثيق الكتب والاخذ منه يختلف عن الاخذ عن غيره.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo