< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

36/06/24

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: مناقشة قاعدة التوثيقات العامة: أن صفوان، وابن أبي عمير، والبزنطي، وأضرابهم لا يروون إلا عن ثقة.
-عبد الله بن محمد الشامي:
ذكر الشيخ السبحاني في كليات علم الرجال: 3 عبد الله بن محمد الشامي: روى الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن عبد الله بن محمد الشامي، عن حسين بن حنظلة، عن أحدهما عليهما السلام قال: أكل الكباب يذهب بالحمى. [1]
وروى أيضا عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن عبد الله بن محمد الشامي، عن الحسين بن حنظلة قال: الدباء يزيد في الدماغ. [2]
وروى البرقي في المحاسن بسنده عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن عبد الله بن محمد الشامي، عن الحسين بن حنظلة، عن أحدهما عليهما السلام قال: السمك يذيب الجسد. [3]
أما وجه النقض فإن عبد الله بن محمد من رجال كتاب " نوادر الحكمة "، وقد ضُعّف عدّة من رجالها، وذكرها النجاشي في ترجمة مؤلفها منهم عبد الله بن محمد الشامي. وإليك نص النجاشي في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري القمي: " كان ثقة في الحديث إلا أن أصحابنا قالوا: كان يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل، ولا يبالي عمن أخذ، وما عليه في نفسه مطعن في شيء، وكان محمد بن الحسن بن الوليد يستثني من رواية محمد بن أحمد بن يحيى ما رواه عن موسى بن محمد الهمداني إلى أن قال: أو عبد الله بن محمد الشامي، أو عبد الله بن أحمد الرازي . . ".
أقول: إن عبد الله بن محمد الشامي الذي يروي عنه محمد بن أحمد ابن يحيى صاحب " نوادر الحكمة " غير عبد الله بن محمد الشامي الذي يروي عنه البزنطي، فإن الأول شيخ صاحب النوادر وتلميذ أحمد بن محمد بن عيسى.
قال الشيخ: " عبد الله بن محمد يكنى أبا محمد الشامي الدمشقي، يروي عن أحمد بن محمد بن عيسى، وغيره من أصحاب العسكري عليه السلام "، وقال في فصل من لم يرو عنهم عليهم السلام " عبد الله بن محمد الشامي روى عنه محمد بن أحمد بن يحيى " وهذا هو الذي استثناه ابن الوليد من روايات كتاب " نوادر الحكمة ".
وأما عبد الله بن محمد الشامي الذي يروي عنه أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، فهو متقدم على سميه بواسطتين: 1 أحمد بن محمد بن عيسى. 2 أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي. وذلك لان ابن عيسى يروي كثيرا عن البزنطي، وهو يروي عن عبد الله بن محمد الشامي، فلا يمكن أن يكونا شخصا واحدا. ( المقصود من عدم الامكان هو الامكان العرفي وليس العقلي).
وبعبارة أخرى; توفي مؤلف النوادر حوالي 290، وتوفي أحمد بن محمد بن عيسى بعد 274، أو بعد 280، وتوفي البزنطي 221، فكيف يمكن أن يروي صاحب " نوادر الحكمة " عن شيخ البزنظي وهو عبد الله بن محمد الشامي. ومنشأ الاشتباه اتحاد الراويين في الاسم والنسبة.
ولأجل أن يقف القارئ على تعددهما ذاتا وطبقة، فليلاحظ ما رواه الصدوق في عيون أخبار الرضا باب النص علي الرضا عليه السلام قال: حدثنا أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، وأحمد بن محمد بن يحيى العطار، ومحمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنهم قالوا حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري ( مؤلف نوادر الحكمة ) عن عبد الله بن محمد الشامي، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن علي بن أسباط، عن الحسين مولى أبي عبد الله عليه السلام . . الخ. ترى فيه أن عبد الله بن محمد الشامي يروي عن علي بن أسباط بواسطة، وكان علي بن أسباط معاصرا لعلي بن مهزيار، وقد دارت بينهما رسائل، وعلي بن مهزيار متأخر عن البزنطي وليسا في طبقة واحدة، فكيف يمكن أن يكون الشامي الذي هو شيخ صاحب النوادر، شيخا للبزنطي؟ ولأجل ذلك يحكم بتعدد الراويين. [4]
السيد الخوئي (ره) في معجمه: 7105 - عبد الله بن محمد: يكنى أبا محمد الشامي الدمشقي: يروي عن أحمد بن محمد بن عيسى، وغيره من أصحاب العسكري ( عليه السلام )، رجال الشيخ.
وعده في من لم يرو عنهم ( عليهم السلام )، قائلا: " عبد الله بن محمد الشامي، روى عنه محمد بن أحمد بن يحيى " (صاحب نوادر الحكم). وحكم جمع باتحادهما، لكن ظاهر كلام النجاشي والشيخ، حيث نقلا في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى عن ابن الوليد استثناءه من روايات محمد بن أحمد ابن يحيى ما يرويه عن عبد الله بن محمد الشامي وما يرويه عن عبد الله بن محمد الدمشقي، تعددهما .
وكيف كان فالمسمى بهذا الاسم ضعيف، اتحد أم تعدد.[5]
نقول للسيد (ره) لكن النجاشي وثقه، وإن قال عنه أنه يروي عن الضعفاء والمراسيل. وهنا يكفي احتمال الوثاقة، وثانيا: إذا كان عبد الله بن محمد الشامي يروي عن الضعاف نحن لم نقل أن كل من روى عنه البزنطي ثقة ولو لم يكن مباشرا، ولم يُدّع ان كل من ورد في السند كان ثقة، يكون كل السند صحيح، لا احد ادعى ذلك، بل المدعى انه يروي عن الثقة المباشر.
والنتيجة: بناء على التعدد هو التوثيق وأنا أميل إليه بعد ما وثقه النجاشي بالنص، أو التوقف. ومعه لا يكون خدشا بالقاعدة.
تلخيص ما مرّ فنقول: ذكر الشيخ الطوسي (ره) في العدّة: " أن هؤلاء عُرفوا بانهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة " هذا الكلام منه (ره) جعل العلماء يأخذون بأن كل من روى عن هؤلاء الثلاثة وامثالهم فهو ثقة. هذه القاعدة مهمة جدا لان هناك عشرات الرواة إما ان نوثقهم أو نضعفهم.
السيد الخوئي (ره) اشكل على القاعدة، بان كلام الشيخ (ره) حدسي وليس حسيا، نقل عن حدس أي اجتهاد من الشيخ الطوسي (ره) منشؤه كلام الكشي في مسألة اصحاب الاجماع الثمانية عشر الذي اجمعت العصابة على تصحيح ما صح عنهم، بناء على تفسير ذلك بأنهم لا يروون إلا عن ثقة.
وعليه لما كان السيد الخوئي (ره) لا يقول بقاعدة اصحاب الاجماع ولا بهذا التفسير، فإذن كلام الشيخ (ره) في العدّة ليس تاما بنظره الشريف، ويؤيد كلامه عندما قال الشيخ (ره) " ان هؤلاء الثلاثة وامثالهم ممن لا يروي إلا عن ثقة ". السيد الخوئي (ره) من كلمة " وامثالهم " اعتبر انهم اصحاب الاجماع. ثم طعن في القاعدة بإشكالين: الاول: الروايات التي وردت في التهذيب أنه قال أول ما فيه انه مرسل رغم أن مرسله ابن ابي عمير أو عبد الله بن المغيرة. الاشكال الثاني: انه روى عن الضعاف. الثالث: عدم وجود عين ولا أثر في كتب القدماء والاصحاب لهذه القاعدة.
وقبل الجواب نبدأ بالتعليق على الاشكال الثالث، فان عدم وجود عين ولا أثر في كتب الاصحاب ليس نقضا لأمرين: الاول: عدم وصول معظم الكتب إلينا، وثانيا: إن تطور العلوم إنما يتم بالتفات العلماء لهذه الامور فيجعلونها في قواعد. وهذا شأن جميع العلوم، فإن القواعد تنشأ على مراحل ومع السنين.
نقول في مقام الجواب ملخصا: اولا: هناك فرق بين قاعدة مشايخ الثقات وقاعدة أصحاب الاجماع، والربط بينهما كما ذكر السيد الخوئي (ره) لا دليل عليه وهو اجتهاد منه (ره) واجتهاده حجّة عليه لا علينا مع كل التعظم والاحترام لتحقيقه ومقامه فهو من اساطين هذا الفن، نحن لا نرى من العدّة بانه اجتهاد من الشيخ الطوسي (ره)، بل كان ظاهر تعبيره " عُرفوا بانهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة " انه نقل عن حس، وذكرنا اهمية دراسة علم البلاغة والنحو والادبيات في الاستنباط، " عُرفوا " المبني للمجهول مع حذف الفاعل، وحذفه يكون لدواع منها التعميم. فإذن هذا النص من الشيخ (ره) نص نقلي.
وأما التأييد بكلمة امثالهم، قد لا يكون مراد الشيخ (ره) اصحاب الاجماع لأن هناك من قيل بانه لا يروي إلا عن ثقة كالطاطري والزعفراني وابن بشير البجلي واحمد بن محمد بن عيسى. حتى ان بعضهم قال: كل ثقة لا يروي إلا عن ثقة.
فإذن أن استناد صاحب العدّة إلى أصحاب الاجماع غير تام، مع العلم أن تصحيح ما صح عنه لا تعني انه لا يروي إلا عن ثقة. إن تعبير " تصحيح ما صح عنه " له عدّة احتمالات: تصحيح كل رواية عنهم، او بيان عظمتهم وجلالتهم، " لا يروون إلا عن ثقة ".
أما الطعون الأخرى، لا باس من مقدّمة مهمة وهي: كيف يتم نقض القاعدة؟ نقول: لا يتم إلا بأمرين: إما بنقل معارض لهذا النقل. وإما باجتماع احتمالين: القطع بعدم الوثاقة، والقطع بعدم المبرر.
اما ما ذكره بعض الاساطين انه لا مانع من الاستثناء من العموم بواحد او اثنين. الجواب: أنه لو كان العموم الفا وواحد فقط لم يستثن ونعلم عدم ارادته فانه يخدش بالعموم، " لا يروون إلا عن ثقة " إذا رووا عن ضعيف واحد بلا احتمال الوثاقة ولا احتمال المبرر، يسقط العموم وتسقط القاعدة، لانه لا استطيع ان آخذ بالعموم إلا بعد مقدمات الحكمة، ومقدمات الحكمة تكون بعد انطباق العنوان ان يكون في مقام البيان وامكن ان يبيّن ولم يبيّن. وان يكون في مقام البيان بعني انه قد التفت إلى كل الافراد فردا فردا، وهذا هو الفرق بين القضية المحصورة والقضية المهملة المجملة، في المهملة لا استطيع ان أخذ بعموم الافراد، بينما في العموم آخذ بكل الافراد لان المتكلم حكيم ومن حكمته انه يرى الافراد جميعا، فإذا لم استثن واحدا من دون مبرر يسقط العموم، وهكذا تسقط القاعدة
اما الطعنين الكبيرين: الطعن الاول:" اول ما فيه انه مرسل " قلنا اولا: ان ارسال عبد الله بن المغيرة، انه من اصحاب الاجماع، ولا دخل لنا فيه في القاعدة، اما ارسال عبد الله بن ابي عمير، روايتان فيهما هذا التعبير: الاولى فيها ارسالان وقد يكون اعتمد على الارسال الآخر. والثانية: ان الرواية عن غير ثقة لا تكون بدون مبرر، وان القدر المتيقن في الرواية عن الثقة تكون في خصوص الالزاميات، اما في المستحبات وان كانت مهمّة فلا اشكال، لأنه كان همهم نقل الاحكام. وثانيا ذكرنا بعض الأوجه في تخريج أن اول ما فيه انه مرسل، بانه كتب التهذيب في العشرينات من عمره بينما كتب العدّة بعدما تقدم في السن واطلع على اقوال العلماء. وبهذا خرجنا الاجماعات المتناقضة المنقولة عن الشيخ الطوسي (ره). هذا هو الجانب الاول من الطعون.
اما الجانب الثاني من الطعون وهو الرواية عن الضعاف، فقد ذكرنا الضعاف واستقرأناهم فردا فردا، عشرة من مئات، وخصوصا ان السيد الخوئي (ره) نفسه قال عن النجاشي في رجاله انه لا يروي إلا عن أمامي، ومع ذلك ذكر بعض الكتب من غير الامامية. وهذا لا مانع منه بان اقول اكرم العلماء إلا زيد، الاستثناء لا مانع منه بشرط ان يبيّن أو يتكل على مبرر واضح نستثني منه. وذكرنا ان اكثر الأفراد إشكالا من العشرة هو وهب بن وهب المعروف بان كذاب وهو قاضي قضاة بغداد، لكنه روى رواية الاستسقاء تحت السماء وفيها روايات متعددة. ومن المبررات كون متن الرواية وجداني كما في رواية عبد الله الحضرمي في رواية " كن لما لا ترجو ارجى منك لما ترجو " هذه المسألة الوجدانية. الراوية لا يروي إلا عن ثقة لكن لا يعني ذلك عدم رواية الوجدانيات فمثلا: لا مانع من نقل الثقة حكمة عن أهل الصين البوذيين: " إذا توقفت العقول تحركت الايدي " الراوي ايضا يرويها لقربها من الوجدان.
إذن " لا يروي إلا عن ثقة " هو في خصوص الاحكام الشرعية التي لا يعلمها إلا الشارع، تكون في الالزاميات مع التوقف في المستحبات مع أهميتها ايضا، اما في الامور الاخرى فلا اشكال في النقل عن غير الثقة والمبرر واضح.
ولذلك نقول: ان هذه القاعدة تامة فعليه فـ " زيد الزراد " الذي جرّنا للبحث في هذه القاعدة ثقة ونعمل برواياته.


[3] المحاسن، احمد البرقي، ج2، ص476، ح483. استطراد: الاعسم في قصيدته التي نظم فيها المستحبات من المأكولات على طبق الروايات. مثلا: ابدأ بأكل الملح قبل المائدة واختم به فكم به من فائدة .... إلى آخره ثم ذكر السمك فقال: والسمك اتركه لما قد وردا من أن أكله يذيب الجسدا. لكن نلاحظ أن الرواية ليس فيها أمر بالترك.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo