< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

36/08/13

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان:المؤيدات لكون أن صاحبة النطفة هي الأم.
إذن خلاصة الكلام في الجعفريات ان السند معتبر وإن شكك الكثيرون بوثاقة موسى بن اسماعيل ورفضوا الكتاب لأجله. ولكن الظاهر أن موسى بن اسماعيل ثقة جليل مع ملاحظة ذلك الزمان وملاحقة أهل البيت (ع)، ولم يعرف عنه قدح أو ذمّ.
لكن الكلام في ثبوت هذا الكتاب لموسى بن اسماعيل، والاصل عند الشك في نسبة كتاب إلى شخص عدم ثبوت الكتاب لأحد، والثبوت هو الذي يحتاج إلى دليل. وما اشتهر بينهم من عدم تواتر - ما ذكره صاحب الجواهر (ره) – من انه ليس من الاصول المشهورة ولا تواتر كونه لموسى بن اسماعيل، مع زيادة قرائن اخرى ذكرناها وهي ان عبد الله بن عدي ذكر انه دخل على محمد بن محمد بن الاشعث وطلب منه الكتاب فأخرجه إلينا بخط طريّ على كاغد جديد فيها مقاطيع. أي انه ليس قديما، فيمكن أن يكون كتابا آخر قد استبدل.
ومع وجود الشك وعدم التواتر هذا يؤدي إلى نوع من الشك في ثبوت هذا الكتاب لموسى بن اسماعيل، لأنه في زمان تدوين الحديث وقعت الكثير من حالات تبديل الكتب، وذلك لغايات عديدة منها احتوائها على الكثير من الطعن كي يبغض الناس أهل البيت (ع) كما ورد في دسّ المغيرة بن سعيد الروايات في كتب أصحاب الباقر (ع). أو تناسب اعتقاد من بدلها. هذا كله يؤدي إلى عدم الاطمئنان بنسبة الكتاب إلى صاحبه، أي اصبح في النفس شيء وليس إلى درجة الاطمئنان بالعدم، وخصوصا أن الكتاب بمجرياته ومضمونه يناسب ابناء العامة.
من هنا هذا الكتاب لا نقول أنه ساقط عن الاعتبار، لكنه لا يطمأن باعتباره لعدم ثبوت نسبته إلى مؤلفه.
نعود للمؤيدات كون الأم صاحبة البويضة.
مستدرك الوسائل للمحدث النوري، ح رقم (16422): 1 الجعفريات: أخبرنا عبد الله، أخبرنا محمد، حدثني موسى قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي (عليهم السلام) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) اختاروا لنطفكم، فإن الخال أحد الضجيعين ". ورواه في الدعائم: عنه (صلى الله عليه وآله) مثله. [1] [2]
دعائم الاسلام للقاضي أبي حنيفة النعمان بن محمد بن منصور بن أحمد بن حيون التميمي المغربي المتوفي سنة 363 ه‌. ق، وهو ابو حنيفة الشيعي تمييزا له عن صاحب المذهب الحنفي، خدم المهدى باللَّه مؤسس الدولة الفاطمية، ووصل إلى أعلى المراتب في عهد المعز لدين اللَّه الفاطمي - ثقة، لا احد يقدح به كان فقيه مصر. لكن الكتاب بمعظمه احاديث مرسلة لم يسندها صاحب الدعائم، لذلك لم يعتبر الكتاب رغم أن مضامينه جيّدة ومتقنة، ولو فرضنا ان صاحب الدعائم قد اسند رواية ننظر في السند حينها. إذن المشكلة في الدعائم ليست في الكتاب ولا في نسبته ولا في صاحبه بل في الاسانيد التي حذفت، ونعتبره من باب المؤيد في مسألتنا.
المؤيد الثاني رواية الكافي، ح 2: عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيه عَنِ النَّوْفَلِيِّ عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ (ص) اخْتَارُوا لِنُطَفِكُمْ فَإِنَّ الْخَالَ أَحَدُ الضَّجِيعَيْنِ. [3]
من حيث السند فقد سبق البحث في اعتبار هذا السند، ذلك أن الطائفة قد عملت بروايات السكوني عامي ثقة، وروايات السكوني قد رويت بمعظمها عن طريق النوفلي، بل قلّ أن ورد عن السكوني من غير طريق النوفلي. فكيف يمكن أن لا نعتبر روايات السكوني لوجود النوفلي؟ فتكون الرواية معتبرة.
المؤيد الثالث رواية كنز العمال للمتقي الهندي، ح ( 4455): تخيروا لنطفكم، فإن النساء يلدن أشباه إخوانهن وأخواتهن ( عد، وابن عساكر - عائشة ).
( 4455) تخيروا لنطفكم واجتنبوا هذا السواد، فإنه لون مشوه ( حل - عن أنس ). ( المراد من السواد العوام).
( 4455) تزوجوا في الحِجز الصالح، فان العرق دساس ( عد - عن أنس ) . [4](أو الحُجز أي الأصل).
المؤيد الرابع رواية السرائر لابن إدريس الحلي: عن رسول الله (ص): تخيروا لنطفكم، فإن العرق دساس، وقوله (ص) استجيدوا الأخوال. [5]
أيضا من ناحية السند رواية السرائر مرسلة، فتكون ضعيفة. النتيجة: أنه فقط هناك رواية معتبرة وهي رواية النوفلي عن السكوني، والباقي فيه خلل لا يمكن اعتباره فيكون مؤيدا.
أما من حيث الدلالة: هذه الروايات تفيد أن نطفة المرأة لها أثر كبير في تكوين الولد عندما يقول " فإن العرق دساس "، ذلك أن الخال وهو أخ الأم يشترك مع الأم في كل المقومات الوراثية، أي أن الخال يعطي الطفل بواسطة أمه صفات وراثية، والمقصود من الخال الجهة من قبل الأم وليس بذاته كما ورد في نصٍ آخر في الاخوات أي الخالات. بالإضافة إلى ما اكتشف حديثا أن الجينات الوراثية الموجودة في الأم لها أثر كبير في الولد.
فيكون المراد من الروايات ان الجينات الوراثية منشؤها واحد تنتقل من صلب إلى صلب من الرجال إلى النساء، في ارحام النساء واصلاب الرجال.
فإذن صاحبة النطفة لها اثر كبير في التكوين، يعني هي أم، لكن قلنا ان هذه مؤيدات لسب اساس لأنه يقول ان الخال احد الضجيعين، الملاحظ الاخوال والخالات جهة الأم، والمضاجعة في ذلك الزمان هي الحامل وغالبا في زماننا كذلك، بل نادرا ما لا تكون كذلك، فلماذا لا تكون الحامل هي الأم؟ ليس هناك وضوح بأن الأم هي صاحبة النطفة إلا أن نستنجد بما استكشفناه حديثا مسألة الجينات الوراثية، فنعود حينها لتلك الادلة العلمية ولا نعود للروايات، لذلك قلنا ان هذه الروايات مؤيدات وليست ادلّة. إلى هنا ننتهي من كون الأم هي صاحبة البويضة حصرا.
الوجه الثاني في تحديد من هي الأم: تعدد الامهات.
وهذا الوجه يعني أن صاحبة النطفة أم والحامل أم، وتعدد الامهات نسبا وليس مجرد اطلاقا كتسمية ولو مجازا، بل لها عنوان الأم النسبية واحكام الأم النسبية. وليست كأحكام الأم الرضاعيّة.
إطلاق الأم عليها أمر ممكن، وتعدد الأمهات في الشرع ايضا أمر ممكن، قوله تعالى: ) بسم اله الرحمن الرحيم، وَأُمَّهَاتُكُمْ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ ( [6] جعل الأم الرضاعية أما حقيقية بلحاظ الرضاعة، وقلنا ان الأم هي العماد والاساس والمصدر، فتكون أحد أصناف الأم، والكلام في إطلاق الأم لهذا الصنف بالخصوص أي النسبية بحيث تنطبق عليها احكام الأم النسبية من عدم جواز نكاحها وجواز النظر لبدنها والنفقة والبر للوالدين والارث. وكذلك القرآن الكريم سمى نساء النبي (ص) بانهّن امهات المؤمنين بلحاظ عدم جواز الزواج منهنّ، وبالرغم ان هذا استعمال مجازي فان لهنّ احكاما خاصة بهنّ. هذا المسألة موجودة في الشرع، بل نقول حتى تعدد الآباء والاجداد ممكن ولو تنزيلا كما في قول النبي (ص) يا علي : " انا وانت ابوا هذه الامّة " [7] و " انا جد كل تقي " [8].
المعنى اللغوي للفظ الأب والأم وتطبيقه: هذه التعابير وإن كانت مجرد بيان موقع معنوي، أو قد يكون بيان معنى حقيقي للأب بلحاظ المعنى اللغوي للأب فكما أن الأم هي المصدر والاساس والعمدة، قد يكون معنى الأب الاساسي هو الراعي الاساس [9]، وطبقناه على الذريّة والسلالة، من قبيل كلمة " نور " لغة هو البين في نفسه المبيّن لغيره وطبقت كثيرا أو دائما على هذا الضوء، وهذا التطبيق لا يعنى انه له نفس المعنى. وقلنا ان العرف يشتبه فيكون من باب اشتباه المفهوم بالمصداق، وهذا كثير في اللغة. وكلمة أب كذلك فعندما يقول " انا وانت ابوا هذه الامة " قد يكون بمعنى الأب في اللغة الاساسي وهو الراعي والمربي وطبق كثرا او دائما على الذريّة والسلالة فوقعنا باشتباه المفهوم بالمصداق واخذنا بهذا المعنى. لكن الذي ينطبق عليه احكام الأب والمراد هو هذا الصنف السلالة والذرية، فيصبح هو الصنف الذي جعله العرف نسبيا فيكون هو مصب الاحكام، فيصدق حينئذ اسم الأب حقيقة على آزر عم ابراهيم (ع) إذا كان معنى الأب هو الراعي، كما في لفظ الأم الذي معناه الاساس والعماد، ولا داعي للقول بالمجازية.
أما ما يمكن أن يكون دليلا على التعدد:
لقد ثبت بالدليل كون صاحبة البويضة أماً، يبقى أن نثبت أن الحامل هل هي أم أو لا؟
أما الحامل فلم يثبت كونها أماً بالأدلّة التي ذكروها، فتأتي الاحتمالات التي ذكرت:
إما أن تكون أماً نسبيّة لها كامل أحكام الأم النسبية من إرث ونفقة وغير ذلك. أو أن تكون لها أحكام الأم الرضاعيّة. وكلا الاحتمالين وارد ولكن ما الدليل عليه، أو الدليل على خلافه؟



[4]كنز العمال، المتقي الهندي، ج16، ص 297، ح (44557) و (44558) و(44559). .
[5]السرائر، ابن ادريس الحلي، ج2، ص 559. .فائدة لغوية: زيادة الالف في " استزيدوا " تفيد الطلب.
[8]كشف الخفاء، العجلوني، ج1، ص 203.
[9]كما أن هناك محاولة لتخريج النصارى من الشرك بان معنى أب، ليس المراد الأب بمعنى الولادة العضوية، بل المراد هي الرعاية والاساس. كما ان هناك عبارة في انجيل يوحنا " ابي وابيكم " اي جعل نسبة الاب للمسيح، و" لكم" نسبة واحدة، وعندما يكون السياق واحد وفي جملة واحدا يكون المعنى واحدا ظاهرا. فالإشكال انه إذا كان الاب بمعنى العضوي فيكون أب لعيسى وأب لنا . وهذا يناقض ما يقولونه بان هناك نوع من السلالة والذرية. فيكون هذا النص من الانجيل اشكالا عليهم بهذا المعنى .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo