< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

37/01/14

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: محرمات النكاح.
عظم الله أجورنا وأجوركم بمصاب الأمام الحسين الشهيد (ع).
قبل أن نكمل لا بأس بالتعريج على إشكال لبعض المعاصرين الفضلاء على ما أوردناه في مسألة اثبات النسب وما ذهبنا اليه في مسألة طفل الانبوب من أن الأب هو صاحب المني، ومن هي الأم هناك أربعة إحتمالات: أن الأم هي الحامل، أو صاحبة البويضة، أو التعدد، أو لا أم له. وذهبنا إلى أن الأم هي خصوص صاحبة البويضة.
بينما الكثير من الآخرين خصوصا المعاصرين يقول ان الأم هي الحامل كالسيد الخوئي (ره) والسيد الروحاني (ره) وغيرهما، وذكرنا أدلتهم على ذلك مفصلا.
لكن قلنا اننا ذهبنا إلى ان الأم هي صاحبة البويضة بالخصوص للروايات، للنصوص التي ساقتنا إلى الدخول في بحث علم الرجال في رواية صفوان وابن ابي عمير، انهم لا يروون إلا عن ثقة حتى نستطيع أن نوثق زيد الزراد في الرواية المعتبرة التي وردت. ووثقنا زيد الزراد من خلال رواية ابن ابي عمير عنه.
هذه الروايات التي تقول بانه " تعتلج النطفتان في الرحم، فإن كانت نطفة المرأة اغلب جاء الولد يشبه اخواله " [1]قلنا أن هذا يطابق كل النظريات والتجارب الحديثة. واسناد هذه الروايات لا بأس باعتبارها بل نستطيع ان نقول انها معتبرة، وذلك على خلاف بعض المعاصرين الذين قالوا بان هذه الرواية ليست معتبرة لا سندا ولا تطابق الاكتشافات الحديثة.
وملخص ما ذهبنا اليه هو أن الأم هي صاحبة البويضة بالخصوص، واجبنا أن كلام السيد الخوئي (ره) الذي استدل بالآية القرآنية: ﴿إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ[2]، ورددناه، حيث قال أن الأم هي الحامل بالحصر. واجبنا على كل الاشكالات التي وردت على السيد الخوئي (ره) في هذه الآية، وقلنا بانها غير تامّة، ويمكن توجيه كلام السيد الخوئي (ره) والاشكال عليه، أو إتمام دليله بان الآية نستطيع أن نستدل بها في تنقيح معنى كلمة " ولادة "، وقلنا أن الولادة ليست خصوص ما كانت عن حمل، نعم لو كانت الولادة هي لخصوص ما كان عن حمل، لكان كلام السيد الخوئي (ره) متين جدا، والآية واردة مكان التعليل ولا تقييد للمفهوم هنا، فيكون الحصر والتعليل واضح من كلام من استدل على ذلك.
لكن قلنا بأن " الولادة " لغة بمعنى ما كان عن نتاج حقيقي تكويني، بدليل أن الأب يسمى والدا من دون أي مجاز وهو لم يحمل ولم ينجب، وقرينة أخرى ان الآية القرآنية: ﴿وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنْ الْقَوْلِ وَزُوراً [3]، يعني أن الولادة التكوينية مقابل اللفظي. المشرع يريد الغاء التبني " والأم " باللفظ الذي لا يصنع أمومة، بقرينة هذا القسم من الآية يكون بان المراد من الولادة المعنى الحقيقي للولادة الذي هو النتاج التكويني.
نعم النتيجة على ذلك ان الآية تدل على تعدد الأمهات، لأنه حينئذ الولد بالنسبة للحامل يكن نتاجا تكوينيا، فالحامل أم، وأيضا النطفة أو البويضة هي الاساس فتكون نتاجا تكوينيا. فكل ما كان نتاجا تكوينيا يكون هناك أمومة. إذن الآية تدل بإطلاقها وبعمومها على أن كليهما الحامل وصاحبة النطفة أم نسبيّة.
لكن قلنا بأن الروايات التي استظهرنا منها أن الأم هي خصوص صاحبة النطفة تقيّد إطلاق الآية.
وملخص الإشكال: كان جوابكم على الاستدلال بالآية الكريمة على أن الأم هي الحامل ﴿ إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم ﴾ وهذا حصر، كان جوابكم أن مفهوم الحصر وإن كان تاما هناك، إلا أن معنى الولادة هو خصوص ما كان عن نتاج حقيقي، مقابل الألفاظ، بقرينتين:
اولا: التبادر. وثانيا: ذيل الآية: ﴿ وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا ﴾.
وقد ذكرنا أن الآية مطلقة فتشمل صاحب النطفة والحامل، فيكون للمولود أمان.
لكن قيدّنا بعد ذلك هذا الإطلاق بالروايات حيث قالت: تعتلج النطفتان في الرحم، فإن كانت نطفة المرأة أغلب جاء الولد يشبه أخواله.
والتقييد كان بظهور " أخواله " الجمع المضاف الذي يفيد العموم، فكأنه قال: جميع أخواله. مما يلزمه عدم وجود أخوال من غير صاحبة النطفة، فننفي كل الأخوال الآخرين.
النتيجة إلى هنا: أن هذه الرواية لما كانت حصرية أمكن أن تُقيّد اطلاق الآية، وإلا تبقى الآية على إطلاقها.
وهنا يأتي الإشكال: يشترط أن يكون المتكلم في مقام البيان حتى نستطيع أن نأخذ بظهور حصر الأخوال، ومقدمات الحكمة بعد ثبوت العنوان ثلاثة: ان يكون المتكلم في مقام البيان، وامكن ان بيّن، ولم يبيّن. وهنا الرواية ليست في مقام بيان من هي الأم، وليست ناظرة إلى حصر الأخوال، أو إلى تعريف الخال.
إذن الإشكال: لما كان المتكلم ليس في مقام بيان من هي الأم؟ إذن ليس للرواية إطلاق أو عموم من هذه الجهة، فكيف نأخذ بها؟
فتبقى الآية على إطلاقها ويكون دليلا على تعدد الأمهات.
والجواب: أن الظهور هو الذي يحتاج إلى مقدمات الحكمة، سواء كان ظهورا في الأطلاق أو في العموم أو في المعنى الحقيقي، الظهور في المراد يحتاج إلى مقدمات الحكمة، لكن الاستنتاج من المراد – أي لازم المراد - لا يحتاج إلى مقدمات الحكمة، وله امثلة كثيرة في الاصول.
إذن إن الرواية وإن لم تكن في مقام بيان، إلا انها استعملت وظهر منها عموم الأخوال، الذي نستفيده منها على نحو الدلالة الالتزامية بحصر الأخوال بصاحبة النطفة. وهذا يكفي في حجية اللازم. ألا ترى أنه في دلالة الاشارة التي ذكروها في مباحث الالفاظ في مسائل الدلالات غير البيّنة بالمعنى الأخص انهم يستفيدون معنى ثالثا من دليلين وهذا الثالث غير مقصود.
إن دلالة الإشارة تختلف عن دلالة الاقتضاء والتنبيه:
هناك امران: أولا: أن يكون المتكلم قاصدا أي في مقام بيان. ثانيا: أن لا يصح الكلام إلا به.
دلالة التنبيه تحتاج للأمرين معا، من قبيل " فاسأل القرية ". فهو قاصد للمعنى لكنه يمكن أن يصح الكلام بدونه. أما في دلالة الاشارة فكلاهما منفيان: المعنى غير مقصود. ويصح الكلام من دونه.
ولقد ذهب الاكثر إلى صحة استفادة اللازم في دلالة الاشارة ومثلوا له باستفادة أقل الحمل من الجمع بين الآيتين: ﴿ وحمله وفصاله ثلاثون شهرا[4] و ﴿ فصاله في عامين[5]، من الجمع بينهما استنتجنا بأن أقل الحمل ستة أشهر.
في دلالة الاشارة ليس المتكلم في مقام بيان أقل الحمل كما في الآيتين السابقتين، لكن من الجمع بينهما استنتجنا أن أقل الحمل ستة أشهر، وهو أمر ليس بظاهر وليس مقصودا.
وقلنا أن الفرق بين الدلالات الثلاث وبين مباحث الالفاظ الاخرى كالإطلاق والعموم. أن التنبيه والاشارة والاقتضاء هي دلالات لازمة لكنها ليست باللزوم البيّن بالمعنى الاخص، فلزومها بيّن بالمعنى الأعم أو غير بيّن.
النتيجة: ان الشرط الاول في مقدمات الحكمة وهي أن يكون في مقام البيان، هي شرط في خصوص الظهور في المراد، أما في اللوازم فليست شرطا في مقام إثبات اللوازم.
هنا في الرواية السائل يسأل عن وجه الشبه، إذن المراد هو بيان للشبه، والظهور في ذلك أيضا، وهذا يحتاج إلى مقدمات الحكمة. أما أن نستخرج أو نستنتج من هذا الظهور فلا يحتاج إلى أن يكون المتكلّم في مقام بيان من هذه الناحية، وهي أن الولد خصوص ابن صاحبة النطفة.
ولذلك يبقى أن ظاهر كلمة " أخواله " التي هي جمع مضاف وهي من صيغ العموم، والاخوال هم الذين يرتبطون بالمرأة صاحبة النطفة، مما يلزمه أن الآخرين ليسوا أخوالا، سواء كانوا عن حمل أو رضاع أو تغذية وغير ذلك. فتكون الرواية ظاهرة في حصر الأخوال، وهنا مع الحصر صارت قرينة صالحة لتقييد إطلاق الآية. وإلا بدون العموم والحصر حتى لو دلت على الأخوال لكن ليس جميعا، فليست صالحة للحصر فلا تصلح لتقييد الآية، فالآية امر إيجابي والرواية
أمر إيجابي، والإيجابيان لا يقيّد احدهما الآخر إلا بقرائن خاصّة.
إذن تبقى الآية على إطلاقها لولا هذه الروايات ولولا اعتبارها.
وبعد سرد الصور التي يمكن تصورها، وبعد بحث الحالة الأكثر إشكالا وهي التلقيح بغير ماء الزوج في رحم امرأة اجنبيّة أخرى تزوجت أجنبة عن الزوج، وذهبنا فيها إلى الجواز، ونلخص ما وصلنا إليه في نقاط:
الاولى: جواز هذه العمليّة مطلقا (التلقيح)، مع الاحتياط الاستحبابي المؤكد بعدم القيام بها خصوصا في التلقيح بين أجنبيين والزرع في رحم متزوجة اجنبيّة.
الثانية: إن الأب هو صاحب المني.
الثالثة: إن الأم هي صاحية البويضة والحامل ليست إلا وعاءً، مع الإشارة إلى الاحتمالات الأخرى، مع الاحتياط استحبابا في الحامل، فيجعلها بحكم الأم النسبية أو الرضاعية.
ورد ايضا إشكال آخر: بان الروايات والآيات وردت في كلمة " الوالدات " فماذا نصنع بها؟
" الوالدات " عنوان وله احكامه، كيف نستطيع أن نلغي هذا الكمّ الهائل من عنوان الوالدات الموجود، وانت قلت ان الوالدة تشمل الحامل وصاحبة النطفة.
والجواب: أننا نحن وفي مقام التعبير والبيان بـ " الوالدات " ومن باب ليس الأعم الأغلب فقط، بل الحصر في ذلك الزمان، فلم يكن هناك حامل غير صاحبة النطفة. لذلك نحمل " الوالدات " على خصوص الامومة، بعبارة اخرى: الاحكام منصبة على عنوان الام، وأن عبّر عنها احيانا " بالوالدات "، وليس فقط بالأكثرية والاغلبية وهو كثير بل هو انحصار كامل، كما لو كنا في زمن آدم (ع) وقلت لك " أكرم رجلا "، فليس معناه ان " رجلا " استعمل في " آدم " أو اردت خصوص آدم (ع).
إلى هنا ننتهي من هذه المسالة وغدا هناك بعض المسائل مترتبة على هذه المسألة مثل: هل يجوز ان يأخذ نطفة من أمه ويلقحها؟ وهل يجوز ان تكون الحامل أخت الزوجة؟

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo