< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

37/01/19

بسم الله الرحمن الرحيم

العنوان: طفل الانبوب، الأم هي خصوص صاحية النطفة.

تلخيص ما مرّ من بحث من هي الأم في بحث طفل الأنبوب، لأن الاستدلال على ذلك غير موجود عند احد.

الدليل الاول قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنْ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ [1] ذيل الآية مهم في الاستدلال.

السيد الخوئي (ره) استدل بالآية على أن الأم هي الوالدة، والوالدة هي خصوص المنجبة أي صاحبة الرحم. اشكل عليه بإشكالات لا محصّل لها:

الاشكال الاول: ان هذه الآية خاصة بالظهار، أي ان الحصر والعموم نسيبي اضافي بالإضافة إلى خصوص الظهار.

وقلنا أن ظاهر العلّة ليس في ذلك، لان كل علّة ظاهرها عدم الإضافة، بل الاضافة تحتاج إلى دليل، ولو قلنا بان الأصل هو الإضافة لانتفى مفهوم عموم العلّة. إذن في عالم القواعد الأصولية الإشكال الرئيسي على السيد (ره) غير سليم.

الاشكال الثاني: لو كانت الوالدة بمعنى الانجاب بخصوص الرحم يعني من موضع الولادة الطبيعي، فما بالك بمن ولدت قيصريا، الا يسمى ولدا وهي تسمى والدة. أشكل على السيد الخوئي (ره) ايضا بهذا الاشكال. ويردّه أن مراد السيد الخوئي (ره) أن المنجبة سواء كان الانجاب بالوضع الطبيعي أو القيصري القهري، لوم يذكر ان الانجاب من المهبل جزء من المفهوم اصلا.

توضيح للآية وهو ما معنى كلمة والدة؟ وقلنا أن توضيح الكلمة " والدة " له أثر كبير في فهم المطلب، " الوالدة " ليست من انجبت، هذا احد الافراد. وقلنا أن الولادة هي كل ما كان عن نتاج وسبب تكويني حقيقي بثلاثة ادلّة: الدليل الاول: التبادر. الثاني: ان كلمة " الولادة " تصدق على الأب والأم بلا تجوّز ولا تكلّف. الثالث: ان الآية القرآنية في ذيلها تشير إلى أن قولهم بالظهار منكرا وزورا، يعنى أن هذا اللفظ سواء في الظهار أو التبني عبارة عن اعتبار محض لا قيمة له وانا كشارع الغيته.

إذن الركيزة الأساسية هي ما معنى الولادة، ولعلّه لم يلتفت اليها احد، ولو التفت السيد الخوئي إلى ذلك لذهب إلى ان الولادة هي ليست بخصوص صاحبة الرحم، هذا يعنى ان الولادة مطلقة، يعني ان لها فردين. فتكون هذه الآية ليست دليلا على ان الأم هي الحامل، بل دليل على تعدد الأمهات، الحامل أم وصاحبة النطفة أيضا أم.

أما كيف استدللنا على أن الأم هي خصوص صاحبة النطفة؟ اولا: بالروايات الواردة التي قلنا أنها معتبرة مثلا: " سؤل الامام (ع) كيف يكون الولد يشبه اخواله قال: تعتلج النطفتان في الرحم فإن كانت نطفة المرأة اغلب جاء الولد يشبه اخواله "[2] . الاستدلال الاساسي هو بكلم " اخواله " والخال لغة هو أخ الأم. إذن الأم هي صاحبة النطفة، وهذا لا يعني نفي غيرها كـ " الحامل "، خصوصا أن الإيجابيين لا يقيّد أحدهما الآخر كما إذا ورد عموم أو مطلق ايجابي وكان المقيّد أو المخصص ايضا ايجابي، فالمقيّد لا يقيّد المطلق إنما يتقيّدان إذا اختلفا سلبا وايجابا، كما لو قلت: " اشرب لبنا، ثم قلت إشرب اللبن الحامض، فهل هذا يعني الحموضة باللبن، نقدم اللبن الحامض المقيّد، فهل يقدّم المقيّد على المطلق، فنحمل المطلق على المقيّد، أي نفسر المطلق بالمقيّد، فيكون المراد خصوص اللبن.

نقول جوابا حينئذ بالنفي، لأنه إذا كانا ايجابيين فلا تقيّد إلا بقرائن، بل يحمل على الفرد الأكمل أو الأفضل او غير ذلك.

إذن ما الدليل على أن الرواية تقيّد الآية أو تخصصها رغم انهما ايجابيان؟

الجواب: أن الدليل هو عموم " أخواله " التعبير بالجمع المضاف وهو يفيد العموم، بدليل تبادر أهل اللغة من ذلك.

وهنا قد يقال اشكالا على ذلك: بأن من مقدمات الاطلاق والعموم وأصالة الحقيقة أن يكون المتكلم في مقام بيان، وهنا الشارع ليس في مقام بيان من هي الأم، بل هو في مقام بيان كيف يأتي الشبه، فكيف نستدل بالرواية على امر ليس في مقام بيان. مثلا: بعضهم استدل على ان الكلب عندما يلتقط طريدة، يجوز اكلها مباشرة دون تطهيرها بدليل إطلاق قوله تعالى: ﴿ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ [3] ولم يذكر بعد تطهيره.

وقلنا ان الجواب واضح نعم انه ليس في مقام بيان من ناحية الطهارة والنجاسة، بل هو في مقام بيان اصل الحليّة وبعدها تكون الطريدة خاضعة لشروط الأكل، كأن لا تكون مغصوبة وان تكون طاهرة، أي بان قيدها ودليلها معها.

لكن في الرد قلنا: انه عند الشك في المراد يشترط ان يكون ناظرا إليه وهذا اول مقدمات الحكمة، أما عند لازم المراد فلا يشترط أن يكون ناظرا، إذ بعد ثبوت المراد يأخذ لوازمه.[4] نعم عند الشك في المراد احتاج أن يكون المتكلم ناظرا، وينبغي أن تكون مقدمات الحكمة جميعها تامّة، ومن جملتها أن يكن قاصدا وفي مقام بيان، وبعد تماميّة المراد والتي هي امارة وليست أصلا، والامارة تثبت موضوعها فتثبت حينئذ اللوازم وهذا موجود عند أهل اللغة والمحاورة، ونحن استفدنا الحصر بلازم المراد وليس بالمراد الذي هو الشبه بالأخوال. اما لازم المراد من قبيل دلالة الاشارة كما في الآية: ﴿ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً [5] و ﴿ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ [6] . كلتا الآيتين ليستا ناظرتين لأقل الحمل، انما استفدناه من الجمع بين الآيتين. وبعضهم اشكل على ان دلالة الاشارة ليست قاصدا لهذا الجمع وليست في مقام بيان؟

نجيب: ان الآية أو الرواية أو الامارة عندما تثبت أمرا يثبت كل لوازمه، ولهذا القاعدة التي اسسناها: " أن العنوان إذا ثبت في إيّ رواية أو آية أو امارة ثبت اعتباره ومع ثبوت الاعتبار تثبت كل اللوازم. وبعد ثبوت العنوان ايضا لازم المراد يصبح ثابتا وإن كان لازم المراد ليس في مقام البيان. كما في ثبوت الملكية للدولة والولدية أو الهلال أو مني المرأة وغيرها من العناوين. وهنا في مطلبنا الروايات ليست ناظرة لمن هي الأم، نعم هي ناظرة لوجه الشبه ولما ثبت عنوان " الأخوال " الجمع المضاف استطيع بلازم المراد وان كان ليس مقصودا ومنظورا وليس في مقام بيان أن اثبت المراد. أي ان الاخوال هم من كانوا من ناحية الأم خصوصا، وهذا يعني ان الرواية انتجت قضية سالبة، وبمفهوم الحصر اصبح كل من لم يكن من جهة صاحبة النطفة فليس خالا.

إذن الروايات فيها قضية سالبة والآية موجبة مطلقة، فالسالب يقيّد الموجب المطلق. وعليه الروايات وبناء على اعتبارها هي تدل على تقيّد الآية فتدل على أن الأم صاحبة النطفة بالخصوص. وان قلنا أنه لا بأس بالاحتياط الاستحبابي المؤكد بالحامل.

إلى هنا نكون قد انتهينا من مسألة طفل الانبوب، والاستنساخ فرعه، سنبيّن معنى الاستنساخ.

قلنا ان طفل الانبوب هو عبارة عن وجود رحم امرأة ضعيف لا يتحمل الحمل أو إلى ما هنالك من اسباب كثيرة ذكرها الاطباء. وطفل الانبوب هو عبارة عن اخذ نطفة المرأة " البويضة " قطرها 2، 0 ملمتر، وحيوان منوي من رجل ونلقحهما في انبوب ثم نزرعهما في رحم امرأة ثالثة، وهذا يعني أن الحمل لغير صاحبة النطفة. وقلنا ان هناك 23 كروموزوم من المرأة و23 كروموزوم من الرجل، وكلها تحمل جينات وراثية، إلى الآن اكتشفوا حوالي مئة الف جين ولكل جين صفة معيّنة خاصة. وفي عملية الحمل حين تجمع الكروموزومات الجين المتنبه الخاص بلون العين أو الطول أو غيرهما، هذا الجين المستيقظ الفعال هو الذي يخرج والباقي نائم.

في جسم الانسان كل الخلايا الموجودة عدا الوراثية - البويضة والمني – يوجد مليارات الجينات الخابتة النائمة التي تعتبر اخوة فيما بينها متعاونة ومتفاهمة، ولكل أخ فعالية لجهة معنيّة وهي الفعاليات المتجمعة هي التي تحقق وجود الانسان، المتكون من مجموع الصفات المستيقظة عند كل أخ.

بعبارة اخرى: كل انسان فيه ملايين الاخوة، وفي الاستنساخ كفكره لنوقظ واحد من هذه الاخوة، فتأخذ أي خليّة من أي مكان عدا الوراثية، كالجلد مثلا خلية تحتوي على 46 كروموزوم، الجينات موجودة في الخلية التي هي عبارة عن " سيتوبلاسم " حاضن " للنواة " الجينات موجودة داخل النواة وتحمل كل الجينات الوراثية. في عملية الاستنساخ تأخذ " النواة " من " سيتوبلاسم " ويتلف، ثم في خلية وراثية ثانية توضع " النواة " في " سيتوبلاسم " آخر، ومن ثم يزرع في امرأة. فالنتيجة: أن الحمل في امرأة، و " السيتوبلاسم " من امرأة، و " النواة " من رجل زرع " السيتوبلاسم " منه. بعد هذا تبدأ عملية ايقاظ الجينات النائمة بصدمات كهربائية لتبدأ عملية النمو للأخ الجديد كما عبرنا، وليس كما قال بعض الاساطين أن لا والد له.

وهذه العملية فرع غن مسألة طفل الانبوب في من هو الأب ومن هي الأم؟

غدا ان شاء الله نكمل مسألة الاستنساخ.


[4] تذكير: قلنا ان هذه الأصالات الحقيقة والعموم وغيرها، السيد المرتضى (ره) كان يقول انها عند الشك في الاستعمال. وقلنا ان هذا غير سليمـ وانما نقول بهذه الاصالات عند الشك في المراد لا في عند الشك في الاستعمال.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo