< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

37/01/20

بسم الله الرحمن الرحيم

العنوان: ثبوت النسب، الاستنساخ

اشارة: في طفل الانبوب حيث قلنا بان الاحتمالات بالنسبة للأم أربعة، بل هي خمسة: ان تكون الأم الحامل. أو صاحبة البويضة، أو أن كلاهما أم، أو هما معا، أو أنه لا أم له.

والاحتمال الزائد هو كون الحمل وصاحبة البويضة جزء المفهوم، فالأم هي ما تحقق فيه العنوان، فهذا احتمال معقول لكنه مردود بظهور الروايات باستقلال البويضة في الشبه.

اما الاستنساخ قلنا انه فرع طفل الانبوب وذكرنا أمس كيف تتم عملية الاستنساخ، والكلام فيه نفس الكلام في طفل الانبوب من حيث الحرمة والحلّية. اولا: هل عملية الاستنساخ أمر حرام أو حلال. ثانيا: من هو الأب، ثالثا: من هي الأم.

اولا: الادلة التي وردت في تحريم طفل الانبوب بنفسها يمكن أن ترد في الاستنساخ مع اضافة بعض الادلّة. وقلنا اننا نذهب إلى حليّة عملية الاستنساخ.

وما يمكن أن يقال في تحريم طفل الانبوب من: بالآيات، والروايات، وأدلّة وجوب الاحتياط في الفروج، واختلاط الأنساب، ولزوم قتل بعض البويضة، واستلزام من العملية اللمس والنظر. كل هذه تأتي عدا قتل البويضات لأنه في الاستنساخ نأخذ خليّة.

الدليل الاول: الآيات:

يمكن أن يستدل على التحريم بقوله تعالى:

﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [1] .

والجواب أن هذه الآية في مقام وجوب حفظ الفرج من النظر والزنى، وإلا لما جاز وضع دواء أو ماء أو أي شيء غير مضر فيه. وان ورد في بعض الروايات أن كل الآيات القرآنية التي وردت في حفظ الفرج هي من الزنى عدا هذه الآية خاصّة بالنظر بقرينة ﴿ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ التي لا تدل على وجوب الغض، بل هي أمر ارشادي، وانما استفدنا الحرمة من أدلّة اخرى. وهذا ينفعنا في جواز نظر الطبيبة إلى عورة المرأة عند الحاجة العقلائية فضلا عن الضرورة.

الروايات :

منها : محمد بن يعقوب (ثقة) عن علي بن إبراهيم (ثقة) عن أبيه (ثقة) عن عثمان بن عيسى (ثقة) عن علي بن سالم (ثقة) عن أبي عبد الله (ع) : " إن أشد الناس عذابا يوم القيامة رجلا أقرّ نطفته في رحم يحرم عليه " . [2]

وهذه الرواية معتبرة سندا وصريحة دلالة لقوله: " أشد الناس عذابا " والعذاب لا يكون إلا على ارتكاب المحرم.

والجواب: إن الأحكام تابعة لعناوينها والمحرّم هو إقرار النطفة في رحم يحرم عليه. فعنوان نطفة الرجل – أي المني – هو المحرّم، " ويحرم عليه " تكون الجملة في محل جر، وصف " لرحم " لان الجمل بعد النكرات صفات.

هذه الروايات لا تأتي في الاستنساخ لانه لا يأخذ نطفة رجل وراثية، المأخوذ خليّة تامة، قطعة من الرجل، 46 كروموزوم، واختلاف العنوان هنا مهم جدا.

منها رواية: محمد بن علي بن الحسين الصدوق قال : قال النبي (ص) : " لن يعمل ابن آدم عملا أعظم عند الله عز وجل من رجل قتل نبيا أو إماما أو هدم الكعبة التي جعلها الله قبلة لعباده أو أفرغ ماءه في امرأة حراما. [3]

هذه الرواية مرسلة، والكلام فيها نفس الكلام في الرواية السابقة وهي أقلّ دلالة منها وذلك لأن كلمة " حراما ":

إما أن تكون نعتا لامرأة فتكون هذه الرواية في الدلالة كالسابقة. أي كأنه قال: أفرغ ماءه في امرأة تحرم عليه، وحينئذ تكون دليلا على التحريم وانه من مصاديق: " لن يعمل ابن آدم "

وإما ان تكون حالا، ولا يصح لان صاحب الحال يجب أن يكون معرفة أو بحكم المعرفة ويختلف عن المنعوت. وحينئذ لا بد من إحراز الحرمة في مرحلة سابقة على الرواية.

وإما أن تكون تمييزا لنسبة الإفراغ للماء أي أن يكون الإفراغ محرما. وهو المرجح. وحينئذ يجب تحصيل الحرمة في مرحلة سابقة أيضا.

ولهذه المسألة في النحو تطبيقات كثيرة، كما في المثال: " سير عليه طويلا [4] " التي تعرب أما نائب مفعول مطلق، او كما اعربها صاحب قطر الندى حالا، أي حال كون السير طويلا.

ولكن هنا " حراما " ليست حالا ولا نائب عن المفعول المطلق، ولا تمييزا. إلا إذا كان صاحب الحال مقدرا ويمكن ان تدل على التحريم. هناك حالتان: افرغ ماءه حال كون التفريغ حراما، وحال كون الرحم حراما.

في الحالة الاولى لا تدل الرواية على التحريم، لانه يجب تحقيق التحريم قبل الافراغ وهو العمل الشنيع. أما إذا قلنا أن صاحب الحال هو الرحم دلت الرواية على التحريم، أي التفريغ حرام.

بعبارة اخرى: في الرواية حكم وموضوع: الحكم هو: " لن يعمل ابن آدم عملا أعظم عند الله " والموضوع هو: " او افرغ ماءه في امرأة حراما " ولتحقيق الحكم لا بد من تحقيق موضوعه وهو حرمة الإفراغ في مرحلة سابقة. فلا تكون الرواية دليلا على حرمة إفراغ الماء إلا على بعض الوجوه من إعراب " حراما " ومعه لا يمكن الاستدلال بالرواية.

ويمكن النقاش في الرواية في عدم تحقق عنوان افراغ النطفة لأن المزروع في الرحم هو نطفة انثى ملقّحة، لا نطفة رجل.

النتيجة انه في احدى حالتي الحال تدل على التحريم. أما إذا قلنا انه نائب عن المفعول المطلق أي " تفريغا حراما "، يفرض ان نثبت اولا ان التفريغ محرما في مرحلة سابقة، فالرواية حينئذ لا تدل على التحريم. أما إذا قلنا ان " حراما " تمييز نسبة، من قبيل: ﴿ اشتعل الرأس شيبا[5] ، فهذا يحتاج إلى اثبات التحريم في مرحلة سابقة حتى يكون حراما.

فإذن في اكثر الإعرابات ان التحريم يجب أن يثبت في مرحلة سابقة حتى يتحقق موضوع هذه الرواية، إلا في حالة واحدة وهي ان يكون اعراب " حراما " حال من مقدّر وهو صاحبة الرحم. ومعه اصبح الاستدلال مجملا فلا يمكن الاستدلال بالرواية، وإن كنا نستظهر انه يعرب تمييزا.

الدليل الثالث: الاحتياط في الفروج :

هو أهم الأدلة لو تمّ وجوب الاحتياط في الفروج ذلك أن المعروف من وجوب الاحتياط في الفروج هو من جهة ما يتعلق بالنسب لا بأي شيء آخر وذلك لفظ: " ومنه يكون الولد "[6] .

وقلنا انه ليس هناك وجوب احتياط، بل هناك استحباب احتياطي مؤكّد على العدم.

الدليل الرابع: لزوم قتل البويضات الملقّحة.

وهذا الدليل غير وارد هنا.

الدليل الخامس: اختلاط الانساب.

وقلنا أن اختلاط الأنساب في عالم الاثبات محرم.

الدليل السادس: من قال بالتحريم بالوجدان ومراده الذوق الفقهي. وقلنا ان هذا عهدته على صاحبه الذي اوصله إلى الحرمة من دون دليل ظاهر.

الدليل السادس: تبقى أدلة تحريم الاستنساخ الخاصة.

ولا بأس بالتعريج على بعض ما استدل به على تحريم الاستنساخ:

1ـ قالوا إن الاستنساخ تغيير لخلق الله وتغيير خلق الله حرام بنص القرآن الكريم: ﴿ إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا * لعنه الله وقال لأَتَّخِذّنَّ من عبادك نصيبا مفروضا * وللأضِلَّنَّهم ولأمنينَّهم ولآمرنَّهم فليبتّكُن آذان الأنعام ولآمرنَّهم فليغيِّرنَّ خلق الله * ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا * يعدهم ويمنِّنهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا * إولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا ﴾ . [7]

محل الاستدلال قوله تعالى: ﴿ ولآمرنَّهم فليغيِّرنَّ خلق الله ﴾، وكيفية الاستدلال أن الاستنساخ تغيير لخلق الله، لان خلق الله هو بالولادة المتعارفة، وهذا يخالفه، وهذا حتى يمكن ان يستدل به في طفل الانبوب.

والجواب: ان الآية أجنبيّة عن هذا المعنى كليا، فالشيطان ليس شأنه تغيير البدن من زينة أو لبس أو كل ما يتعلّق بالأمور الماديّة، بل شأن الشيطان تغيير النفوس، واضلال الأذهان والناس. فليس تغيير لون العين أو الشعر أو عمليات التجميل من همّ الشيطان، بل الهمّ الأكبر له أن يحرف الناس عن طريق الحق والصواب.

لذلك في مقام تفسير معنى " تغيير خلق الله " قيل: انه يراد " تغيير دين الله وامره ". وعن ابن عباس وابراهيم ومجاهد والحسن وقتادة، وجماعة. قالوا ان معناه " فطرة الله ". وهو مروي عن الصادقين (عليهم السلام).

هذا الكلام هو الصحيح لان الاسلام دين الفطرة، دين الخلقة. ومعنى تغيير خلق الله كما فعل معاوية الذي ابتدع وجوب طاعة الحاكم شرعا لو كان ظالما، وهذا خلاف الفطرة البشرية، التي هي مقارعة الظالم أو عدم الرضى عنه كالسكوت تقيّة مع عدم الاستطاعة.

معاوية حرف هذه الفطرة فهذا مصداق لتغيير خلق الله، أما تغيير خلق الله بالمطلق كما في استصلاح الاراضي وشق الطرقات فيكون تغييرا محرما لخلق الله، بالطبع ليس هذا هو المراد. وايضا كمثال معاصر من فطرة البشر أن نعطف على الضعيف، بدأت حالة جديدة انه لماذا انا ادفع المال للفقير فليذهب وليحصل رزقه ويتعب كما انا تعبت.

بعضهم فسر " تغيير خلق الله ": بالخصاء، عن عكرمة وشهر بن حوشب، وابي صالح، وعن ابن عباس. وكرهوا الاخصاء بالبهائم. اذكر هؤلاء لأنه أمر واقع فرض علينا وإلا نحن نعترف بعلمهم، ارادوا ان يكون هناك اناس ينسب لهم العلم، كما في عصرنا، بنوا اميّة والعباس صنعوا اناسا بهذا الوضع كالحسن البصري الذي كان من اركان ملك بني اميّة حتى قيل: " ان الاسلام قام بأمرين: بسيف الحجاج ولسان الحسن ". الحسن البصري استفاد منه إعلام بنو اميّة، كان للبصري خطابات وحِكَم اخذها من امير المؤمنين (ع) حتى وصف بانه الزاهد العابد، قال: " ايها الناس اعدوا العدّة فإنكم مسؤولون، واعدوا الجواب فإنكم محاسبون " إلى آخره، كان يتكلم على بني امية ويصفهم بالظلم وغيره من الصفات، ثم في آخر الكلام يقول: لكن أيها الناس يجب اطاعتهم لان الله تعالى قال: ﴿ واطيعوا أولي الامر منكم [8] و ﴿ يؤتي الملك من يشاء ﴾، شاءهم الله ملوكا فلا تعترضوا عليهم. من الخبث العظيم ان تقدّم مقدمة جيدة ثم تأتي إلى تقوية كيان الباطل وتمنع الاعتراض عليه.

هذه التفاسير فرضت علينا واصبح لها كيان كان يفسر " تغيير خلق الله " بالإخصاء، ألا تجد في نفسك نفورا من هذا التفسير؟!

والدليل على ان المراد هو فطرة الله عز وجل نفس الآية ﴿ وللأضِلَّنَّهم ولأمنينَّهم ولآمرنَّهم فليبتّكُن آذان الأنعام ولآمرنَّهم فليغيِّرنَّ خلق الله [9] هذه كلها من العادات الجاهلية.

وكل هذه الادلة على التحريم لا محصّل لها، فالاستنساخ لم نخرج به عن القوانين الطبيعية فهو امر حلال، لا لبس فيه وان ذهب الكثير إلى حرمته.

الاستدلال بالشهرة: قيل: إن المشهور حرمة الاستنساخ. نقول: هذه الشهرة ما الدليل على حجيتها، وبحسب الدليل هل هي خاصة بالمتقدمين أو لا؟

الشهرة ثلاثة اقسام: الفتوائية، والروائية، والعمليّة. وعندما يقال المشهور يراد الفتوائية، واشتهر بين الاصوليين حجيّة هذه الشهرة ويمكن الاستدلال لها بعدّة ادلّة، وبحسب الاستدلال نرى انها خاصة بالأقدمين أو انها ايضا تشمل غيرهم.

إذا تم الاستدلال بالتالي وما ذكروه بان الاقدمين القريبين من عصر الائمة (ع) عصر النص، وعندما يفتون لا يفتون من فراغ وهم الاتقياء العلماء الفضلاء، وهناك قرائن اعتمدوها وخفيت علينا. هذا يؤدي إلى أن الشهرة الفتوائية خاصة بالمتقدمين.

وقد يستدل على هذه الشهرة بالروايات " خذ ما اشتهر بين اصحابك ودع الشاذ النادر[10] " الرواية تتحدث عن الخبرين المتعارضين، فهي عن الرواية. لكن الرواية وردت في مقام التعليل: " خذ ما اشتهر " أي نفس المشهور روايتين او فتوتين. أي وردت في خصوص الروايات.

قد يقال: ان هذه الروايات " خذ المشهور " تؤدي إلى حجية كل شهرة حتى الشهرة الفتوائية. فبناء على هذا التفسير، أي على عموم العلّة تشمل الجميع، الشهرة القديمة والحديثة.

الدليل الثالث: الأولويّة، فإذا كان خبر الواحد حجة وهو يفيد ظناً ما، من باب الأولى أن تكون الشهر حجة، لأنها تفيد ظناً أقوى.

كل هذه الادلة مردودة وقلنا انها ليست حجة لان هذه اصطلاحات، كما في الاجماع، كان يقال: " ان مخالفة المشهور مشكل والعمل بالمشهور أشكل "، ونحن على قياسها قلنا: " ان مخالفة الاجماع مشكل والعمل بالإجماع اشكل "، لأنه عمل بلا دليل. ومن اجمل ما قال الشيخ الانصاري (ره) في الاصول في الاجماع: " هم أصل له وهو أصل لهم "[11] ، اخترعوا الاجماع حتى يصححوا الخلافة، طبعا لو سلمنا بحصول الاجماع حينها!!!.

غدا إن شاء الله نكمل توضيح الاستدلال بالشهرة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo