< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

37/03/24

بسم الله الرحمن الرحيم

العنوان: البحث في روايات الكافي.

الاشكال على القرائن التي ذكروها لصحة روايات الكافي.

المؤيدات لعدم قطعية صدور روايات كتاب الكافي.

وهناك عدّة روايات يمكن أن يستدل بها على عدم قناعة الشيخ والصدوق والمفيد (ره) وغيرهم بقطعية صدور روايات الكافي.

ومن المؤيدات لعدم قطعية صدور روايات كتاب الكافي هو أن الشيخ الصدوق إنما كتب كتابه " من لا يحضره الفقيه " إجابة لطلب السيد الشريف ابي عبد الله المعروف بـ " نعمةِ الله " فإنه قد طلب من الشيخ الصدوق أن يصنف له كتابا في الفقه ليكون إليه مرجعه، وعليه معتمده، ويكون شافيا في معناه مثل ما صنفه محمد بن زكريا الرازي وترجمه بكتاب " من لا يحضره الطبيب ".

ولو كان كتاب الكافي كافيا لأرشده الصدوق (ره) إليه ولم يكن داعٍ لتحمل اتعاب كتابة كتاب آخر مع العلم أن الكافي أوسع وأشمل من كتاب " من لا يحضره الفقيه ".

واما مقولة " الكافي كاف لشيعتنا " فليست رواية بل مقولة انتشرت.

الاشكال على القرينة الثانية التي ذكرها الشيخ البهائي (ره) على اعتماد الكافي على قرائن ادت إلى القطع بصدورها: وهي الرواية عن صفوان واضرابه من مشايخ الثقات، أو أصحاب الإجماع الذين أجمعت الطائفة على تصحيح ما صح عنهم.

نقول: هذه القرينة نسلم بها، لكن هذا يؤدي إلى صحة خصوص هذه الروايات لا إلى صحة كل روايات الكافي.

الاشكال على القرينة الثانية التي ذكرها الشيخ البهائي (ره) في مشرق الشمسين: وهي عرض بعض الكتب على الائمة (ع).

نقول: هذا صحيح، ولكنه يؤدي إلى صحة روايات هذه الكتب بعينها، ولا يمكن تعميم الصحة لكل روايات الكافي.

نذكر من هذه الكتب: روى الكليني ح: 6 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن إسماعيل ابن الفضل الهاشمي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المتعة فقال: الق عبد الملك بن جريج فسله عنها فإن عنده منها علما فلقيته فأملى علي منها شيئا كثيرا في استحلالها فكان فيما روى لي ابن جريج قال: ليس فيها وقت ولا عدد إنما هي بمنزلة الإماء يتزوج منهن كم شاء وصاحب الأربع نسوة يتزوج منهن ما شاء بغير ولي ولا شهود فإذا انقضى الاجل بانت منه بغير طلاق ويعطيها الشيء اليسير وعدتها حيضتان وإن كانت لا تحيض فخمسة وأربعون يوما فأتيت بالكتاب أبا عبد الله (عليه السلام) فعرضت عليه فقال: صدق وأقر به قال: ابن أذينة وكان زرارة بن أعين يقول هذا ويحلف أنه الحق إلا أنه كان يقول: إن كانت تحيض فحيضة وإن كانت لا تحيض فشهر ونصف. [1]

وفي رواية اخرى عن: أحمد بن علي بن أحمد بن العباس النجاشي في كتاب (الرجال) عن المفيد، عن جعفر بن محمد بن قولويه، عن علي بن الحسين بن بابويه، عن عبد الله ابن جعفر الحميري، عن أبي هاشم الجعفري، قال: عرضت على أبي محمد العسكري عليه السلام كتاب يوم وليلة ليونس فقال لي: تصنيف من هذا؟ قلت: تصنيف يونس مولى آل يقطين، فقال: أعطاه الله بكل حرف نورا يوم القيامة. [2]

ومنها: كتاب الديات لعبد الله بن سعيد بن حنان، عرضه على الامام الرضا (ع).

ومنها : كتاب الديات ليونس عرض على الرضا (ع) قال هو صحيح.

ومنها: كتاب الفرائض عن امير المؤمنين (ع) عرضه ابن فضال ومحمد بن عيسى ويونس على الرضا (ع) فقال هو صحيح.

العرض على الائمة (ع) كان موجودا وكان تصديق الائمة (ع) للكتاب وارد وموجود، لكن ماذا يؤدي؟ يؤدي إلى ان نفس الكتاب صحيح ولا يؤدي إلى ان كل الكافي صحيح.

فنقول: ان كل الروايات الموجود في كتاب عرض عليهم (ع) واقروا بصدقه نأخذ به.

نعم استظهر بعض الفضلاء من هذه الروايات أن الائمة (ع) كانوا يتابعون الكتب التي كتبت عنهم، وذلك لاهتمامهم بها.

أقول: ليس هناك ما يدّل على أن الائمة (ع) كانوا يطلبون كل كتب الأصحاب ليطّلعوا عليها ويصححوها، فلا نستظهر ذلك من فعلهم (ع).

الاشكال على القرينة الرابعة: وهي كون الحديث مأخوذا من الكتب التي شاع بين سلفهم الوثوق بها والاعتماد عليها سواء كان مؤلفها إمامي ككتاب الصلاة لحريز بن عبد الله وكتب ابني سعيد وكتاب علي بن مهزيار، أم من غير الامامية ككتاب حفص بن غياث القاضي وكتاب القبلة لعليّ بن الحسن الطاطري.

وفيه: إن الموثوق بالصدور لو تمّ فإنما يكون حجة على العمل في خصوص روايات الكتاب من دون تعميم لكل روايات الكافي وغيره من الكتب الاربعة.

الفات مهم: الظاهر أن الكتاب الواحد كان له أكثر من نسخة وتختلف النسخة عن الأخرى، وكل نسخة يدّعى أن مؤلفها علي بن مهزيار مثلا، ولذا قال الشيخ الصدوق (ره) انه ذكر طريقة إلى الكتاب كي يخرج من الإرسال إلى الإسناد. ونحن نعلم أن الإسناد لا يعني قطعا بالصدور والاعتبار بل يعني الحجية فيما بينه وبين ربه.

والخلاصة أن القرائن التي ذكروها لا تقوم دليلا على صحة جميع روايات الكافي وغيره من الكتب الأربعة.

والنتيجة: ان هناك دعويين: الدعوى الاولى: ان الكليني بنفسه ادعى صحّة رواياته، وناقشناها.

الدعوى الثانية: ما ذكر في مشرق الشمسين من قرائن بان الكافي اتكل على قرائن بمجموعها تدل على ان جميع روايات الكافي صحيحة صادرة عن الامام (ع). استعرضنا هذه القرائن وقلنا انها لا تنهض دليلا وقرينة على القطع بالصدور، واما القول بان القرائن خفيت علينا وعرفها الشيخ الكليني فمن قال أن هذه القرائن لو اطلعنا عليها لقطعنا بالصدور.

ولكن الانصاف اننا لا نهملها كليا، فهي وإن لم تكن دليلا بذاتها إلا انها تكون مرجحا عند التعارض فلو تعارضت روايتان معتبرتا السند، إحداهما رويت في الكافي والاخرى في علل الشرائع للصدوق (ره) فإننا نرجح رواية الكافي وقد تصلح مفسرة لرواية صحيحة، وهكذا.

نعود للسيد الخوئي (ره) يقول: وثانيا: لو سلم أن محمد بن يعقوب شهد بصحة جميع روايات الكافي فهذه الشهادة غير مسموعة، فإنه إن أراد بذلك أن روايات كتابه في نفسها واجدة لشرائط الحجية [3] فهو مقطوع البطلان، لأن فيها مرسلات وفيها روايات في إسنادها مجاهيل، ومن اشتهر بالوضع والكذب، كأبي البختري وأمثاله. وإن أراد بذلك أن تلك الروايات وإن لم تكن في نفسها حجة، إلا أنه دلت القرائن الخارجية على صحتها ولزوم الاعتماد عليها، فهو أمر ممكن في نفسه، لكنه لا يسعنا تصديقه، وترتيب آثار الصحة على تلك الروايات غير الواجدة لشرائط الحجية، فإنها كثيرة جدا.

الكليني (ره) لم يبيّن ميزان الحجية عنده، لكن لا بد من ميزان للحجية غير القطع بالصدور الذي هو مسألة وجدانية نفسية، اما في الحجية فلا بد من وجود ميزان واحد لكل الروايات لكي تصبح معتبرة ولا نجد ذلك في روايات الكافي.

ويكمل السيد الخوئي (ره): ومن البعيد جدا وجود أمارة الصدق في جميع هذه الموارد، مضافا إلى أن إخبار محمد بن يعقوب بصحة جميع ما في كتابه حينئذ لا يكون شهادة [4] ، وإنما هو اجتهاد استنبطه مما إعتقد أنه قرينة على الصدق. ومن الممكن أن ما إعتقده قرينة على الصدق لو كان وصل إلينا لم يحصل لنا ظن بالصدق أيضا، فضلا عن اليقين. [5]

غدا ان شاء الله نبيّن تعليقا للسيد الخوئي .

والحمد لله رب العالمين.

 


[3] في الدعوى الاولى وهي ادعاء الكافي صحة رواياته، والصحة إما بمعنى الحجية أو بمعنى القطع بالصدور. فإذا ادعى ان جميعها حجة بمعنى ان ميزان الحجية ثابت فيها جميعا. فإذا كان هذا المعنى فلا نوافق عليه. ردا على استيضاح: الحجية ليست قرائن على الصدور، القرائن تدل على الصدور ولكن للحجية ميزان يرجع اليه للاعتبار كاعتبار كل خبر ثقة عن ثقة او عدل عن عدل، او حسن عن حسن أو ممدوح عن ممدوح.
[4] قلنا ان اجتهادات القدماء لهم، وحجية عليهم لا علينا، نعم نقلهم يكون حجة علينا. شهادة العدل نقل، والنقل الحسي حجة علينا، اما الاجتهاد فحجة عليه لا علينا. فرق بين الاجتهاد وبين الحس.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo