< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

37/04/16

بسم الله الرحمن الرحيم

العنوان: شرط البيّنة.

قبول شهادة المخالف على الامامي.

بعد أن ذكرنا أن المراد من الفطرة في الاحاديث التي ذكرناها، انها الفطرة الصافية، وقرن هذه الفطرة بفطرة ابراهيم (ع) ومن فطرته نقيّة كفطرة ابراهيم (ع).

قالوا أن المراد من الفطرة هو من كان اماميا بالمعنى الاخص وهذا المراد حاكم او مفسر للروايات: انه من ولد على الفطرة جازت شهادته "، ومن كان على الفطرة هو الامامي، يعني أن غير الامامي لا تجوز شهادته. لكن قلنا ان المراد من الفطرة الخلقة، وفطر يعني شق، تقال على كل مخلوقات الدنيا، الانشقاق والخلقة، تعني هذه الخلقة التي خلقنا الله عليها وهي الخامة التي تفيض بالإخلاص والتوحيد وما روي من السنن كالاستنشاق والمضمضة.

نفهم بهذا التوجيه فطرة الاسلام الواردة في الحديث الذي رواه الصدوق (ره) في الأمالي: ح 163 / 3 - حدثنا أبي ( رحمه الله )، قال: حدثنا علي بن محمد بن قتيبة، عن حمدان ابن سليمان، عن نوح بن شعيب، عن محمد بن إسماعيل، عن صالح، عن علقمة، قال: قال الصادق جعفر بن محمد ( عليهما السلام )، وقد قلت له: يا بن رسول الله، أخبرني من تقبل شهادته ومن لا تقبل شهادته. فقال: يا علقمة، كل من كان على فطرة الاسلام جازت شهادته. قال: فقلت له: تقبل شهادة المقترف للذنوب؟ فقال: يا علقمة، لو لم تقبل شهادة المقترفين للذنوب لما قبلت إلا شهادات الأنبياء والأوصياء ( صلوات الله عليهم ) لأنهم هم المعصومون دون سائر الخلق، فمن لم تره بعينك يرتكب ذنبا أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان، فهو من أهل العدالة والستر، وشهادته مقبولة، وإن كان في نفسه مذنبا، ومن اغتابه بما فيه فهو خارج عن ولاية الله عز وجل داخل في ولاية الشيطان.[1]

الرواية من حيث السند: علي بن محمد بن قتيبة الأقرب توثيقه، والمراد من صالح: صالح بن عقبة بن قيس، روى يونس بن عبد الرحمان كتبه، يونس لم ينص عليه، فلو روى الكتاب صفوان أو ابن ابي عمير أو البزنطي حسب القاعدة نوثقه. والشيخ الطوسي يقول ان هؤلاء الثلاثة واضرابهم، قد يكون من اضرابهم الحسن بن محبوب ويونس بن عبد الرحمن. ولكن كونه لم ينص عليه يبقى في النفس شيء. وأيضا وقع في اسانيد كامل الزيارات، ونحن لا نقول بها. وورد في تفسير علي بن ابراهيم.

لكن نقول ان تراكم ذكره يجعلنا نوثقه. فالتوثيق على قسمين: اما توثيق خاص، أو توثيق عام له قواعد.

والتوثيقات الخاصة، إما نص من الامام (ع) أو من هو معاشر له، أو تجميع بعض القرائن التي تؤدي إلى الوثاقة.

ذكر في الوسائل ج20: 828 - علي بن محمد بن قتيبة ويعرف بالقتيبي النيسابوري أبو الحسن تلميذ الفضل بن شاذان، فاضل، عليه اعتمد أبو عمرو الكشي في كتاب الرجال، قاله العلامة والنجاشي إلا لفظ فاضل، فهو من كلام الشيخ، ثم إن كثرة اعتماد الكشي عليه ظاهره توثيقه إياه. [2]

هذه يمكن ان تكون قرائن خاصه على توثيق شخص.

اما علقمة فهو علقمة بن محمد الحضرمي، صاحب دعاء علقمة الذي ورد بعد زيارة عاشوراء، وقع في اسانيد كامل الزيارات، وهو اخ ابو بكر الحضرمي. فبمجرد كونه اخا لثقة لا يكفي في التوثيق، ولكنه يوحي بانه من بيئة ثقات، هو ليس نصا على الوثاقة لكنه يقربها، توثيقات خاصة بمعنى تراكم القرائن على التوثيق بحساب الاحتمالات إذا قلنا بصحته الذي يؤدي إلى الاطمئنان.

لذلك يمكن ان يقال ان الرواية مقبولة السند.

إذن إلى الآن ما دل على الفطرة لا تدل على اشتراط كونه اماميا، والغريب ان السيد الخوئي (ره) لم يذكر هذا الاستدلال الأساسي عند صاحب الجواهر، وهو يتبنى ان المخالف على قسمين: المعاند لا تقبل شهادته، وغير المعاند تقبل شهادته. ذكر ذلك في كتاب المعتمد في القضاء.

اما الدليل الاخير على عدم جواز شهادة المخالف على الامامي، بعضهم استدل بكونه فاسقا وظالما وعاصيا، فسيأتي في شرط العدالة، وأن الفسق والمعصية لا تنطبقان إلا على القاصد، اما المستضعف فلا يقال عنه عاصٍ وفاسق، بمعنى صدق الكلمة العرفي. سيأتي ان صدق العاصي والفاسق والظالم لا تنطبق إلا على المعاند المتعصّب الملتفت. ولذا فالأدلة على عدم قيام شهادة المخالف المستضعف إذا كانت ممن ينطبق عليه أنه خيرّ مرضي فنرجع لإطلاقات جواز الشهادة من قبيل قوله تعالى: ﴿ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ ﴾ [3] ، كذلك الاطلاقات الواردة في بعض الروايات:

منها: الوسائل: ح ( 34020 ) 12 - وفي (الأمالي) عن جعفر بن محمد بن مسرور، عن الحسين بن محمد ابن عامر، عن عمه عبد الله بن عامر، عن محمد بن زياد الأزدي يعني ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن زياد الكرخي [4] ، عن الصادق جعفر بن محمد عليهم السلام قال: من صلى خمس صلوات في اليوم والليلة في جماعة فظنوا به خيرا، وأجيزوا شهادته. [5]

من ناحية الدلالة: فإن قوله (ع) " من صلى خمس صلوات في جماعة " مطلقا غير مقيّد بكونه إماميا بالمعنى الاخص.

من ناحية السند: ورد في الامالي، والامالي ليس في مرتبة توثيق من لا يحضره الفقيه، لأنه في هذا الكتاب نص على ان الكتاب اخذه من كتب عليها المعول وفيه الآراء التي يعمل بها. اما في الكتب الاخرى لم ينص على شيء.

اما جعفر بن محمد بن مسرور وهو شيخ الصدوق وترضى عليه عدّة مرات، هذه قرينة تقرّب ولو لم نعتبرها توثيقا من التوثيق.

والترضي غير الترحم واعلى من الترحم. هذا ما نفهمه تبادرا، وبأصالة عدم النقل التي نحتاج في فهم اللغة نعرف المراد.[6]

اما الحسين بن عامر لم يوثق صريحا لكن نقل عنه ابن حجر العسقلاني [7] من ابناء العامة صاحب كتاب لسان الميزان. ابن حجر العسقلاني ينقل مدح الحسين بن عامر عن علي بن الحكم الذي كان ابن حجر يوثقه مع العلم انه يعتبره من الرافضة.

اما عبد الله بن عامر، ثقة. ومحمد بن زياد الازدي هو ابن ابي عمير، ثقة عين، وعن ابراهيم بن زياد الكرخي الذي لم يرد نص في توثيقه، ولكن روى عنه ابن ابي عمير، ونحن قلنا ان هناك قاعدة اشتهرت عند العلماء واسقطها اكثر المتأخرين، ان هؤلاء الثلاثة: صفوان، وابن ابي عمير، والبزنطي، لا يروون إلا عن ثقة. نحن ذهبنا إلى صحة هذه القاعدة. لذلك يكفي في توثيق ابراهيم بن زياد ان ابن عمير روى عنه. وروى عنه ايضا الحسن بن محبوب عالي جدا، ووقع في اسانيد الصدوق. إذن بالاضافة إلى دليل من التوثيقات العامة، وهو رواية ابن ابي عمير عنه، زائد المؤيدات نأخذ برواية ابراهيم بن زياد الكرخي.

الرواية التالية: نفس المصدر: ح 13 – الصدوق عن أبيه، عن علي بن محمد بن قتيبة، عن حمدان بن سليمان، عن نوح بن شعيب، عن محمد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن علقمة قال: قال الصادق عليه السلام وقد قلت له: يا ابن رسول الله أخبرني عمن تقبل شهادته ومن لا تقبل فقال: يا علقمة كل من كان على فطرة الإسلام جازت شهادته، قال: فقلت له: تقبل شهادة مقترف بالذنوب؟ [8] فقال: يا علقمة لو لم تقبل شهادة المقترفين للذنوب لما قبلت إلا شهادة الأنبياء والأوصياء عليهم السلام، لأنهم المعصومون دون سائر الخلق فمن لم تره بعينك يرتكب ذنبا، أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان، فهو من أهل العدالة والستر، وشهادته مقبولة وإن كان في نفسه مذنبا، ومن اغتابه بما فيه فهو خارج من ولاية الله، داخل في ولاية الشيطان. [9]

الى هنا النتيجة: ان هناك اطلاقات، وفي مقام منهجية استنباط هذه الشروط، نقول: ان الشهادة ثابتة قطعا واشك انه يشترط ان يكون اماميا أو لا، ان يكون عادلا أو لا، او ان لا يكون ابن أخ، أو اخا أو أبا، او ان لا يكون اعمى، إلى آخره. هذه الشروط كيف احققها وامنهجها؟

المنهجية هي التالية:

اولا: أبحث عن أمارة خاصة في خصوص المسألة.

ثانيا: فإن لم أجد أبحث عن أصل لفظي من إطلاق أو عموم يشمل المسألة

ثالثا: فإن لم اجد أصل إلى الأصل العملي وهو أصالة عدم حجية شهادة أحد على أحد.

من هنا في مسألة اشتراط الامامي، لا توجد نصوص، نرجع للإطلاقات وهي تامّة موجودة فنأخذ بها ولا تصل النوبة للأصل العملي، والثمرة في ذلك ان الاطلاقات اللفظية تطرد الشروط، والاصل العملي يقتضي الاتيان بالشروط. فمع وجود الاطلاقات انفي الشرط، وإذا طبقت الاصل العملي وجعلته شاهدا يجب ان احتاط بتحقيق الشرط.

غدا ان شاء الله نكمل.

 


[4] الكرخ كانت ناحية في بغداد قبل بناء بغداد وكان يسكنها شيعة.
[6] التفاتة من بعض الطلبة: ان كلامنا هنا في مقام الاستعمال فأصالة عدم النقل لا تتم. الجواب اننا هنا في مقام تحديد دلالة اصل اللفظ. فكلامنا في الوضع في اصل اللفظ.
[7] فائدة: ابن حجر القسقلاني كان لديه كتاب الكشي الاصيل " معرفة الرجال ".
[8] فائدة: " اقترف " لا تتعدى بالباء، فإما تصحيفا أو نقلا من الموالي، واتصور أن اقترق متعد بنفسه، وقد يتعدّى بالام لبعض المعاني الزائدة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo