< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

37/04/24

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: شرط البينة.
- هل يعتبر إحلاف الكافر مع فرض عدم الارتياب؟
- لو كان شاهد مسلم واحد، فهل يكفي ضمّه إلى شاهد كافر آخر.
النقطة السادسة: هل يعتبر إحلاف الكافر في الوصية مع فرض عدم الارتياب؟
قول الله تعالى: " تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم "، مع الارتياب يجب الاحلاف، أما مع فرض عدم الارتياب هل في الآية مفهوم أو لا؟
عن المسالك: أنه أولى. وعن العلامة في التحرير: اعتباره في اليمين.
ولكن النصوص مطلقة، والآية القرآنية واضحة في احلافهم في فرض الارتياب، الآية ليست مسوقة لبيان الموضوع فلذلك يمكن الذهاب عند الارتياب إلى وجوب الاحلاف.
إلفات: لماذا قيّد الحلف بالريبة في شهادة الكافر دون الحكم ؟
سنطرح امرا لعلّه يكون له الاثر الكبير في الاستنباط وفي فهم امورنا وفهم تشخيص امراضنا وآين نذهب. في بداية الدعوة الاسلامية كان رسول الله (ص) يحاول ان يقنع شخصا في الدخول في الاسلام كان ذلك بصعوبة شديدة، بقي حوالي ثلاثة عشر سنة في مكّة حتى اصبحوا حوالي المائة. اما في السنين الاخيرة بعد فتح مكّة او قبلها بقليل صار الناس يدخلون في دين الله أفواجا. ما السبب في ذلك مع ان النبي محمد (ص) هو هو وشخصيته ودينه وافكاره هي هي، بل بالعكس صار على المسلم اعباء، في اول الدعوة كان يقول " قولوا لا اله ألا الله تفلحوا "، لم يكن المطلوب لا الزكاة ولا الخمس ولا الصلاة ولا الصوم. مع ذلك كانوا يدخلون لا في الاسلام، وفي أخر البعثة صار هناك اعباء، الجهاد والزكاة وغيرها وكلها خلاف النفس البشرية التي لا تحب دفع المال وبذل الدماء والأرواح. فما الذي دفع الناس ان تدخل في دين الله افواجا؟!.
الذي اراه والله العالم ان المسلمين من الناحية الدفاعية في الآونة الاخيرة كانوا عزيزي الجانب ومهابين، لكن هذه القوة وحدها لا تكفي لنشر الفكر. نشر الفكر انما يتم بإعطاء صورة نمطيّة تكون حلما لكل إنسان، الناس بطبيعتها تنزع نحو الكمال. اذا اردنا ان نجعل انفسنا في ذلك الزمن وهذه المعطيات وهناك روايات على ذلك وبعض احاديث المؤرخين: كان الرجل من اصقاع الجزيرة العربيّة ومن العراق ومن سوريا ومن مصر يأتون إلى رسول الله (ص) والناس تأتي إلى المدينة المنورة - يثرب - التي كانت بلدة صغيرة. الناس عندما كانت تأتي إلى يثرب كانت تجد مجتمعا مختلفا عن كل المجتمعات التي حولها. رسول الله صنع قوّة ومهابة الجانب لكن في نفس الوقت حاول اصلاح النفوس. كان مجتمعه يوجد فيه الامان والامانة والصدق، لم يكن هناك نفاق وعادات سيئة كوأد البنات والاخذ بالثأر. القرآن يقول: ) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ( [1]، كان يصف حال المجتمع والقلوب ومحبة الناس بعضهم لبعض وذلك في زمن رسول الله (ص). كان الجو الغالب العام للمسلمين يختلف عن غيرهم، ارقى بكثير ويمثل الكمال الانساني، ولذلك كان يقال ان المسلم كان له كرامة عالية بقيمه، هذه القيم التي اعتقد ان لها الاثر الكبير، إذا فهمنا الروايات التي تشير إلى ان شخصية المسلم في صدقه وامانته. فإذا حذفنا الفئة الحاكمة الظالمة الغاشمة التي بقيت بأعماقها بذهنية كفرها، لم تنته الحرب بين الكفر والايمان بفتح مكّة، نعم فتحت مكّة ودخل بنو اميّة في الاسلام الذين كانوا كفارا وحاربوا الاسلام واحد وعشرين عاما، دخلوا الاسلام خربوا وشوهوا من الداخل. لكن الخراب في الناس بعد رسول الله بدأ من زمن الخليفة الاول ثم الثاني ثم عثمان ووصلت إلى امير المؤمنين (ع) اكثر خرابا، حاول أمير المؤمنين (ع) إصلاح الأمور ولكنه ارتطم بالخراب الكبير، ولم يعطه الزمن فرصة الاصلاح واستشهد. ثم وصلت إلى يزيد بن معاوية وقد ازداد الخراب اكثر، والناس كانت مضلله، والحكام كان لهم القدرة على التضليل . ومثال على ذلك ذو الكلاع الحميري، يروي نصر بن مزاحم يرويها ابن ابي الحديد في شرحه في مقتل ذي الكلاع الحميري الذي كان من كبار قادة جيش معاوية، ومعاوية كان يستطيع ان يضلل ويلبس على الناس، فعندما عيّن ابنه يزيد خليفة على المسلمين، والخلافة اخطر موقع في الاسلام، قالت له عائشة في كتاب الامامة والسياسة لابن قتيبة: " كيف حملت يزيد على رقاب الناس وفي الصحابة من هم افضل منه " قال: " إن أمر يزيد قضاء من القضاء " وانتشرت هذه النتيجة بين الناس. وذي الكلاع كان من كبار قادة الجيش الذي كانوا يحاربون بقساوة ولا يرون انهم على باطل. يقول نصر بن مزاحم: قال نصر: وحدثنا عمر بن سعد، قال : وفي هذا اليوم قتل عمار بن ياسر رضي الله عنه، أصيب في المعركة، وقد كان قال حين نظر إلى راية عمرو بن العاص: والله إنها لراية قد قاتلتها ثلاث عركات وما هذه بأرشدهن، ثم قال:
نحن ضربناكم على تأويله * كما ضربناكم على تنزيله *
ضربا يزيل الهام عن مقيله * ويذهل الخليل عن خليله *
أو يرجع الحق إلى سبيله *
ثم استسقى وقد اشتد عطشه، فأتته امرأة طويلة اليدين، ما أدرى أعس معها أم إداوة فيها ضياح من لبن! فقال حين شرب: " الجنة تحت الأسنة، اليوم ألقى الا حبه، محمدا وحزبه، " والله لو ضربونا حتى يبلغونا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق، وأنهم على الباطل. ثم حمل وحمل عليه ابن حوى السكسكي وأبو العادية، فأما أبو العادية فطعنه، وأما ابن حوى فاحتز رأسه، وقد كان ذو الكلاع يسمع عمرو بن العاص، يقول: إن النبي صلى الله عليه يقول لعمار: " تقتلك الفئة الباغية، وآخر شربك ضياح من لبن "، فقال ذو الكلاع لعمرو: ويحك ما هذا! قال عمرو: إنه سيرجع إلينا، ويفارق أبا تراب، وذلك قبل أن يصاب عمار، فلما أصيب عمار في هذا اليوم أصيب ذو الكلاع، فقال عمرو لمعاوية: والله ما أدري بقتل أيهما أنا أشد فرحا! والله لو بقي ذو الكلاع حتى يقتل عمار لمال بعامة قومه إلى علي، ولأفسد علينا أمرنا. [2]
الناس كانت تقاتل مع معاوية ولم يكونوا اناسا يعرفون الحق، يقاتلون مع معاوية، ولا يدرون انهم مضللين،كما في ايامنا هذه كثير من الناس مضللة في مختلف بقاع العالم. ذو الكلاع قائد جيش ومعاوية يقول: " ما أدري بقتل أيهما أنا أشد فرحا!" وبعضهم يقول في روايات اخرى: ان ذي الكلاح جاء إلى معاوية وقال له: قتل عمار، يعني اننا نحن الفئة الباغية، قال: " قتله الذي اخرجه "، ونحن الآن نعيش " قتله الذي اخرجه ". مجرد أن خرج ذي الكلاع قليلا جاءه السهم وارداه قتيلا، قد يكون المخابرات قد قتلته، هناك جهاز جاهز قتله. أيضا قضية الحر بن يزيد الرياحي كان من جيش الكوفة.
كان هناك قدرة اعلامية عالية على التضليل والتلبيس، وهذا ينفعنا فقهيا عندما يقال: " من رجالكم " ليس الشرط ان يكونوا اماميين، لكن يكفي " من ترضونه من الشهداء " قد يكون خيّر لكن مضلل، وفي مقام الشهادة والاثبات واثبات الحقوق يكون مضللا لا معاندا، ولذلك خشي معاوية من انقلاب ذي الكلاع الحميري إذا عرف الحق فاغتاله.
المسلمون كمسلمين رباهم النبي (ص) تربية صالحة، يدخل الانسان إلى المدينة المنورة، تختلف اجوائها عن بقية البلدان، فدخل الناس حينئذ في دين الله افواجا، وذلك لانهم رأوا الحلم، الصورة النمطية المطلوبة لهم. وهذا عبرة لنا فنحن إذا اردنا ان ننشر اسلاما يجب ان ننشر الاسلام في الصورة النمطية للعالم الديني الانساني الذي يكون مع الناس، ويحمل القيم والكمال الانساني. مع الاسف اليوم بالعكس نقول ان المجتمع الاوروبي أو غيره لا يكذب، ونحن اصبحنا الكاذبين، الامور اصبح مقلوبة. وهنا في الشهادة من الكافر " ان ارتبتم " لانه كان في مجتمعهم في الغالب لا قيم له، بينما المسلمون يحملون قيما كبيرة وغالبا لا موجب للريب منهم.
احببت ان اطرح هذه التفاته لما له من الاثر الاستنباطي الكبير، فعندما نضع الروايات في زمنها نفهمها فهما آخر.
النقطة السابعة: لو كان شاهد مسلم واحد، فهل يكفي ضمّه إلى شاهد كافر آخر في حال عدم وجود مسلم غيره؟
إذا قرأنا النصوص بحرفيتها، فلا بد من كافرين، إلا أن قبول شهادة المسلم منضما إلى الكافر يمكن اثباته بالأولوية. فالمسلم ليس أقل شأنا ولا ثقة من الكافر، بل هو أعزّ شأنا.
إلى هنا نكون قد انتهينا من شرائط الشهادة على الوصية في حال عدم وجود مسلمين.
نلخص ما وصلنا اليه: اولا في مقام الشك في الشرط، المنهجية هي التالية:
اولا: نبحث عن نص خاص في المسالة، مثلا في الوصية هل هناك نص خاص في الذمي او لا؟
ثانيا: اذا لم يكن موجودا انتقل إلى الاصل اللفظي، العموم والاطلاق. إذا وجد العموم، العموم يطرد الشرط، كشرط الذميّة والكتابية وان يكون في ارض غربة.
ثالثا: إذا لم نجد اصلا لفظيا ننتقل إلى الاصل العملي، الذي هو: " لا حجية لشهادة احد إلا بدليل "، ولم نجد دليلا لا الخاص ولا العموم، فالأصل عدم حجية هذه الشهادة. فالأصل العملي اصلا يقتضي الاتيان بالشرط لانه لا بد من الاحتياط لو اردنا ان يكون شاهدا. اما الاصل اللفظي يكفي ان لا يكون ذميا.
هذا هو البرنامج العام الذي نتبعه في الاستنباط.
في تلخيص ما مضى: البيّنة يشترط فيها الاسلام، والبلوغ إلا في القتل، واجماعا لا تكفي شهادة الكافر إلا في الوصية، وذكرنا القيود التي فيها، وقلنا ان شهادة الكافر في الوصية تشمل المال وغيره، وتشمل الذمي وغيره، والكتابي وغيره، ويكفي مطلق الكافر، ولا يشترط ان يكون في ارض غربة، ويكفي المسلم وكافر واحد.
وبحثنا ايضا هل تكفي شهادة المخالف او لا؟ وذهبنا إلى جواز الشهادة ان كان مرضيا خيّرا من قبيل ذو الكلاع الحميري، والحر بن يزيد الرياحي لان واقع الحال ان الناس كانت مضللة.
غدا الفقهي ان شاء الله نشرع في هل يشترط في البيّنة العدالة او لا؟ ومتى تقبل شهادة النساء، ومتى لا تقبل؟

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo