< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

38/05/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:نفقة الزوجة.

الدليل الثالث على اشتراط عدم خروجها من البيت بغير مبرر شرعي حتى تجب لها النفقة:

قوله تعالى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [1] والمعاشرة هي مفاعلة بين طرفين من قبيل المضاربة والمشاكسة، وكما ان الرجل يجب ان يعاشر بالمعروف ايضا المرأة يجب ان تعاشر بالعروف. والخطاب كان للرجل لان الرجل اقوى وعبر عن المرأة بالطاعة، والمراد من الطاعة ليس الخضوع والانسحاق، كما يحلو لبعض من يريد توهين الاسلام، بل ان تصبح زوجة صالحة، وتعتبره زوجا له كيان وله احترام في البيت وتقيم لكلامه ووجوده وزنا. فالمعاشرة مفاعلة كما هو مطلوب من الرجل ايضا مطلوب من المرأة، الخطاب للرجل فعندما نقول: " عاشره " من قبيل ضاربه، باللازم ان يضربك وألا ليس هناك مضاربة وكذلك في قولك شاركه فالمسألة من الطرفين، إذن باللازم المطلوب ايضا أن تعاشره بالمعروف وليس بالمدلول المطابقي.

والحقوق متبادلة فإذا نقضت العشرة بالمعروف بخروجها من البيت من دون مبرر شرعي، فان من حقه أن لا ينفق عليها لأن تقصير أحد المتعاقدين في أداء الحق يقتضي جواز عدم أداء الحق من الطرف المقابل.

اضاءة: هل يا ترى إذا لم تكن تسكن معه في البيت هذا من المعروف او لا؟

الزواج في عالم الواقع اقسام: قسم الزواج المتعارف والمتداول هو السكنى في بيت واحد. وزواج المسيار بان تبقى هي في بيت اهلها ويسير اليها، في متن العقد يشترط اسقاط المساكنة، والشرط ما بني العقد عليه. فإذا تم اسقاط السكن في شرط العقد سواء كان بلفظ العقد أو كان مبنائيا، سقط الحق وهذا لا كلام فيه. أما العقد المتداول بان تكون عنده في البيت هذا التداول يصبح شيئا من العقد، فإذا خرجت من البيت من دون مبرر شرعي، اتصور ان العرف العام العالمي يرى انه ليس من العشرة بالمعروف، هو عشرة لكن بغير معروف. وهذا يؤدي بداية إلى معصية تكليفه، لكن هل يسقط حق النفقة؟ قد يقال أن حق النفقة مثل المهر. هل يسقط الخروجُ من البيت المهرَ؟ إذا كان لا يسقطه فأيضا لا يسقط النفقة. بعبارة أخرى: هي أثمت بالخروج من البيت من دون مبرر فلو فرضنا ان " عاشرهن بالمعروف " تدل على ذلك باللازم، لكن هل يدل على سقوط النفقة؟ هذه لا بد من قاعدة خاصة وهي: ان العقود فيها تبادل حقوق، إذا أخل احد الطرفين بالحق هل يجب على الآخر ان يلتزم بالعقد بأكمله، بالحقوق الأخرى؟ العقد عبارة عن توافق ارادتين لتبادل حقين فإذا أخلّ أحدهما بأحد الحقين فماذا يفعل الآخر؟ هذه النقطة لها ثمرة كبيرة ان اخلال احد الطرفين بما يجب عليه في متن العقد هل يجوز للآخر من جانبه الاخلال او لا؟ إذا انت أخللت انا لي الحق ان اخل بالعقد او لا؟ او ان كل واحد يؤدي واجبه؟ مثلا: عندما نقض كفار قريش الاتفاق مع رسول الله في صلح الحديبية، رأى رسول الله انه يحق له ان يتصرف لأنهم هم نقضوا الاتفاق. هل هذه المسألة عرفية وجدانية او لا لكل واحد حكمه وانا عليّ ان التزم؟

نقول ملخصا: انه قد نميّز بين الاحكام والحقوق. الحكم لا يسقط مثل المهر لا يسقط حتى لو خرجت من البيت ولو ارتكبت المعصية، لك الحق ان تضيق عليها لتتنازل عن شيء من المهر عند الزنى، لكن في الحالات الاخرى لا يسقط المهر. اما الحقوق فيمكن ان يقال بالتبادل فيكون التقصير هذا مقابل ذاك. لذلك سنرى ان النفقة هل هي مقابل التمكين او لا؟

فالحقوق يمكن ان تكون مقابل بعضها البعض اما الاحكام فلا يمكن ولا علاقة له بإرادة المكلّف فلا يسقط الحكم فالمهر مثلا لا يسقط وكذا الارث.

هذه القاعدة مهمة جدا، إذا اسسناها ونقحناها وهي: ان الحقوق متبادلة فإذا اخللت بحق لي، فهل للآخر الاخلال بما عليه من الحقوق، هذه المسألة لها ثمراتها الكبيرة خصوصا في عالم الزواج والزوجية. لا بأس ان ننقح هذه القاعدة ومجاريها. هذه قاعدة فقهية تضاف إلى القواعد الفقهية لكن تحتاج إلى تنقيح وبيان.

نعود لبحثنا: فإذا نَقَضَتْ العشرة بالمعروف بخروجها من البيت من دون مبرر شرعي، سقط حقها في الانفاق عليها لأن تقصير أحد المتعاقدين في أداء الحق يقتضي جواز عدم أداء الحق من الطرف المقابل.

لا يقال: إن مقتضى الاطلاقات يكفي للوجوب، لاحظ قوله تعالى: ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [2] فهذا نص مطلق غير مقيّد بالكينونة في البيت، كذلك قوله تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا ﴾ [3] .

لذلك قد يقال: إذا كانت هي تنفق على نفسها وهو لا ينفق عليها، هناك مجال للقول بسقوط " القواميّة " لان الظاهر من قوله تعالى: " الرجال قوامون على النساء " بأمرين: بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا، وهو أن " الواو " في الجزئية في العلّيّة لا في العلية المستقلّة، تشريك بنحو " الواو " وليس بنحو " أو ". يعني ان كلا من الاثنين جزء علّة. فعلّة " القواميّة " مؤلفة من جزأين: التفضيل والانفاق وليس أو، ولأن " او " تحتاج إلى دليل، لأن الظهور في جزء العلّة والشراكة في العلّة، وليس ظهورها باستقلالية العلّية. ولذلك هناك مجال واسع للقول بان عدم الانفاق يؤدي إلى سقوط القواميّة

فانه يقال: هذه الاطلاقات دليل على وجوب النفقة مطلقا لو يتم دليل مقيّد، وقد تمّ.

وبالنتيجة: يشترط عدم مغادرتها للبيت من دون مبرر شرعي بدليلين: الاول: الرواية الاولى، والثاني: العشرة بالمعروف.

الشرط الثالث: أن لا تكون ناشزا. غدا ان شاء الله نكمله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo