< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

38/08/18

بسم الله الرحمن الرحيم

العنوان: نفقة الزوجة والاقارب.

     المختار في مسألة كون النفقة تمليك أو اباحة.

     الفرق الثاني بين نفقة الزوجة ونفقة الاقارب، ان نفقة الزوجة حق ونفقة الاقارب حكم.

     الفرق الثالث: ان نفقة الزوجة تقضى ونفقة الاقارب لا تقضى.

     الفرق الرابع: هل يصح إسقاط النفقة المستقبلية، وكيف يمكن التخلص من إشكال انه إسقاط ما لم يجب.

نكمل الكلام في الفرق بين نفقة الزوجة ونفقة الاقارب، وذكرنا ان نفقة الزوجة تمليك ونفقة الاقارب سدّ خلة – اباحة - هذا هو المشهور، وذكرنا اشكالنا على ذلك وسنذكر المختار، وتعرضنا لكلام السيد اليزدي وقلنا انه لا دليل على تقسيمه وتفصيل بما تذهب عينة وما لا تذهب عينه. وقلنا انه اما في الجميع تمليك واما في الجميع اباحة.

ونأتي اليوم للمختار.

والمختار:

إن ظاهر الروايات هو كون نفقة الزوجة امتاع لا تمليك. فقوله في موثق اسحاق بن عمار:

5 - وعن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن إسحاق بن عمار، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما حق المرأة على زوجها الذي إذا فعله كان محسنا؟ قال: يشبعها ويكسوها وإن جهلت غفر لها. الحديث.[1]

"يشبعها ويكسوها وان جهلت غفر لها " هو نفس الفعل لا الآلة، فقد عبّر بكلمة " يشبعها " و " يكسوها " إذ المفهوم منها سد الحاجة، ولو قال: لها " ما " يكسوها، أو ما يشبعها لامكن حمله على التمليك.

وهكذا بقية الروايات. ففي ح 7 - وعن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن الجاموراني عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن عمرو بن جبير العرزمي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وآله فسألته عن حق الزوج على المرأة فخبرها ثم قالت: فما حقها عليه، قال: يكسوها من العرى ويطعمها من الجوع وإذا أذنبت غفر لها، قالت: فليس لها عليه شيء غير هذا، قال: لا. الحديث.[2]

من حيث السند: الرواية ضعيفة سندا.

قالت: يكسوها من العرى ويطعمها من الجوع.

كل الروايات بمضمون واحد ولسانها لسان امتاع ونفع، والتمليك يحتاج إلى دليل ويحتاج إلى مؤونة زائدة.

قد يقال ان مرسلة شهاب بن عبد ربه ظاهرة في التمليك لقول الامام (ع): " فإن شاء أكله وإن شاء وهبه وإن شاء تصدق به " لان هذه من لوازم التمليك. لكن قلنا ان الرواية مرسلة سندها ضعيف، ثانيا: انها تشمل الزوجة والاقارب.

إلا ان يقال: مع انها عامة للأقارب وللزوجة لكن ثبت بالدليل ان نفقة الاقارب سدّ خلّة وامتاع وانتفاع. فلو قلنا بثبوت الرواية فهي تخصيص، بل حتى لو كانت الرواية سندا معتبرة فيمكن حملها على الاستحباب، ثم إن ظاهر العرف العام ليس التمليك. ونذكر بالقاعدة التي اسسناها ان العناوين الموجودة عرفا واستعملها الشارع يكون اعترافا من الشارع بها وبلوازمها وشراشيرها واثارها العرفية، فكل ما كان عرفا كان شرعا، وكل ما كان اثرا عرفا كان اثرا شرعا إلا أن يقوم دليل على خلافه. لذلك نقول ان نفقة الزوجة عرفا إباحة وليست تمليكا، فكذلك تكون شرعا.

الفرق الثاني: إن نفقة الزوجة حق ونفقة الأقارب حكم [3] ، وهذا ما عليه مفهوم الناس لنفقة الزوجة، إذ هي من لوازم العقد، وفيها شائبة المعاوضة، بل يفهم من العقود مقابلة الحقوق.

اما نفقة الاقارب فهي حكم تكليفي محض، من باب المواساة وسدّ الخلّة والحاجة، فليست حقا.

الفرق الثالث: إن نفقة الزوجة تقضى ونفقة الاقارب لا تقضى. فلو عصى الزوج ولم ينفق تقضى النفقة.

والدليل عليه: بناء على كون نفقة المرأة تمليكا لها كما هو المشهور، فإن عدم وقوع التمليك بمعصية الزوج لا يسقط التمليك والاسقاط يحتاج إلى دليل وهو مفقود هنا.

واما نفقة الاقارب فهي حكم تكليفي محض، ومع المعصية الحكم يسقط لانتفاء موضوعه، وذلك لمرور الزمن فلا دليل على بقاء الحكم وهو استحقاق النفقة.

واما بناء على كون نفقة المرأة اباحة وسد خلّة، فيمكن الاستدلال على قضاء نفقة الزوجة بكون نفقة الزوجة حق، ولا دليل على سقوط هذا الحق بالمعصية، بخلاف نفقة الاقارب فهي حكم قد سقط بالعصيان وذهاب موضوعه وهو زمن النفقة، فان موضوع نفقة الاقارب وهو الزمن – أي يوم النفقة – مع حاجة القريب والتمكن من الانفاق، ومع انتفاء الموضوع بمضي الزمن سقط الحكم ولا دليل على بقائه، إذ فعلية الحكم تسقط بالامتثال أو بانتفاء الموضوع وهو وجود القريب الجائع والزمن.

الفرق الرابع: نفقة الزوجة تقبل الاسقاط لأنها حق، أما نفقة الأقارب فلا تقبل الاسقاط لأنها حكم.

ولا شك في جواز اسقاط الزوجة لنفقتها في كل يوم. نعم وقع الكلام في اسقاط نفقة الزوجة في جميع الازمنة المستقبلية، حيث أنه اسقاط ما لم يجب. وردّ هذا الاشكال بأمور:

الاول: إن الزوجة تملك نفقتها في ذمة زوجها من أول الزواج إلى انقضائه، بمقتضى قوله تعالى: ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [4] .

ولكن نقول لا دليل عليه.

الثاني: إن وجوب النفقة من نوع الواجب المعلّق، أي أن الوجوب تمّ بمجرد العقد، لكن الواجب معلّق [5] على وجود الزوجة في المستقبل، فيكون الوجوب حاليا والواجب استقباليا.

الثالث: إن وجوب النفقة ينصب على الزوج على نحو العموم الاستغراقي، فينحل على عدد الازمنة، وهذه الوجوبات منفصلة ومتعددة، ولا تتم فعليتها إلا بعد تمام موضوعها، وحينئذ فان اسقاطها هو إسقاط ما لم يجب، ولكن اسقاط ما لم يجب غير باطل دائما، بل يصح في بعض الحالات، وهو فيما لو كان المقتضي له موجودا. [6]

غدا ان شاء الله نكمل منعى الاقتضاء المراد هنا، ودليل صحته.


[3] وضابط التمييز بن الحق والحكم. ان كلاهما مجعول لكن الحكم جعل وتكليف محض، اما الحق فهو سلطة جعلها الشارع عز وجل من صاحب الحق على المسلط عليه. وفي التمييز بينهما بان الحق يسقط والحكم لا يسقط هذا من الآثار وليس من جوهر التعريف.
[5] ذكرنا في الاصول في الفرق بين الواجب المشروط والواجب المعلّق: انهم لو قالوا بالوجوب المشروط كان احسن. الواجب المعلّق القيد قيد للواجب مع فعلية الوجوب، فيكون الوجوب حاليا فعليل والواجب استقباليا. اما الواجب المشروط فالقيد قيد للوجوب، فيكون الوجوب والواجب استقباليي.
[6] والمقصود بوجود المقتضي هنا ليس على نحو جزء العلّة التامة في المصطلح الفلسفي، أي ليس هو احد اجزاء العلّة. المقصود هو الرابط العرفي. اسقاط ما لم يجب بلا شك امر غير منطقي لكنه بالمعنى الاعم ليس دائما باطلا، هو باطل إذا لك يكن هناك رابط، اما إذا كان هناك مقتض ورابط فيصح.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo