< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

39/02/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الرضاع.

     اشترط كون المرضعة حيّة لا ميتة.

     منهجية الاستدلال.

     الاستدلال بالانصراف.

     الاستدلال بالأصل اللفظي وهو إطلا الرضاع.

     الاصل العملي وهو أصالة عدم نشر الحرمة.

     كيفية الرضاع.

مسألة: هل يشترط كون المرضعة حيّة لنشر الحرمة؟

اشتهر كون المرضعة حيّة لا ميتة:

1- اشتهر اشتراط كون المرضعة حيَّة لا ميِّتة، واستدلوا عليه بانصراف [1] أدلة الرضاع إلى خصوص الحيَّة، فإن تمَّ وإلا وصلت النوبة إلى الاصل اللفظي وهو إطلاقات الرضاع وإلا وصلت النوبة الى الاصل العملي وهو أصالة عدم التحريم.

وكما في كل شبهة حكمية نبحث اولا عن علم من اسبابه التي ذكرناها سابقا، فان لم نجد فعلمي من الروايات الصحيحة أو امارات أخرى ذكرناها في المنهجية، فان لم نجد فاصل لفظي وهما العموم والاطلاق وهو من الامارات لكن يأتي في عالم الاستنباط في آخر سلم الامارات، فان لم نجد فاصل عملي.

إذن في البداية نبحث عن علم، ولا يوجد هنا علم باشتراط حياة المرضعة أو عدمه، فلا يوجد علم وجداني ولا خبر متواتر، ولا خبر محفوف بقرينة قطعية ولا غير ذلك. فننتقل إلى العلمي، فلم أجد رواية صريحة في الاشتراط، نعم استدل بنفس روايات الرضاع بادعاء انصرافها إلى خصوص المرضعة الحية دون الميتة. ولا شك في ثبوت الانصراف لكثرة الوجود ولكثرة الاستعمال، إلا أن الانصراف انه انصراف غير مستحكم، فلا يكون حجة ودليلا، فانه انصراف بدوي سرعان ما يزول بالتأمل. نعم لو اخذ قصد الارضاع في مفهوم الرضاع لصح القول باختصاص الرضاع بالحيّة، لكنه محلّ منع، فان الطفل الرضيع لو حبا ووصل إلى ثدي أمه وأكل من حليبها مصا لقيل: رضع من ثدي أمه، فصدق الرِّضاع لا يحتاج إلى قصد المرضع.

ثم إنه لو لم يتم الانصراف إلى خصوص الحيّة، لانتقلنا إلى الأصل اللفظي وهو إطلاق أدلة الرضاع، ولا شك في شموله للمرضعة الميتة كشموله للمرضعة الحيّة.

ثم لو شككنا في ثبوت الاصل اللفظي بادعاء عدم كون الشارع في مقام البيان، فان من مقدمات الاطلاق وهي مقدمات الحكمة أن يكون المتكلم في مقام بيان، بل يجب احراز ذلك، ودعوى عدم كون الروايات التي استدل بها على تحريم الرضاع وبكونها مطلقة مثل: " يحرم من الرضاع ما يحرم النسب " ليست إلا في مقام بيان ما ينشر الحرمة من الرضاع، لا في مقام بيان أفراد الرضاع المحرّم سعة وضيقا، فهي من هذه الناحية مجملة، هذه الدعوى بعيدة، وإن لم تكن مجازفة.

ثم ان الاصل اللفظي وهو إطلاق أدلة الرضاع لو تمّ – وهو خلاف المؤيّد – لوصلنا إلى الاصل العملي وهو أصالة عدم نشر الحرمة.

أما المختار فقد ذكرناه في مطاوي الكلام وهو عدم اشتراط الحياة.

2- كيفية الرضاع: اشتهر اشتراط كون اخذ اللبن بالمصِّ من الثدي؛ [2]

بحيث ان المصّ جزءا من مفهوم الرضاع، فلو فرضنا انها جعلت حليبها في مكوك " كوب " واطعمته من هذا الكوب فلا يعتبر رضاعا، هذا هو المشهور، نعم خرج بعض الفقهاء عن ذلك وقال ان الارضاع عبارة عن طعام سواء كان بالمصّ أو بغيره فهو يحرّم.


[1] عندما نقول: " وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ " ينصرف إلى المرضعة الحيّة مع القصد في الارضاع. وقلنا ان الانصراف هو انصراف المفهوم إلى بعض افراده. بلا شك ان الرضاع لغة ينطبق على افراده جميعا الحيّة والميتة. وللتذكير قلنا ان الانصراف هو انسباق مفهوم الكلي إلى بعض افراد، بينما التبادر هو انصراف الكلي إلى مفهومه. وانصراف الكلي إلى بعض افراده يحتاج إلى سبب، تارة يكون من كثرة الوجود، وتارة يكون من كثرة استعمال. وفرّق الاصوليون كثيرا بين كثرة الوجود وكثرة الاستعمال. نحن سنصل في ابحاثنا إلى نتيجة وهي ان الحجة ليست منحصرة بكثرة الوجود ولا بكثرة الاستعمال ولا بهما معا ولا بعدمهما معا. نقول ان الانصراف عندما يؤدي إلى التصاق بعض الافراد بالذهن بحيث انه كلما اردت ان تتكلم يخطر في البال هذه الافراد، أي يكون هناك قرن أكيد بينهما من دون الوصول إلى مرحلة الوضع فيكون لازما له، هذا النوع من الانصراف يكون حجة ودليلا. ويدور على السنة الكثير من الفقهاء ان الانصراف ما كان من حاق اللفظ، هذه التعبير يحتاج إلى اعادة نظر. ما معنى " حاق اللفظ "؟ إذا قلنا معناه من نفس اللفظ فصار تبادرا وليس انصرافا. لان التبادر ما كان عند اطلاق اللفظ يحضر المعنى مباشرة من نفس اللفظ. وبالتأمل "من حاق اللفظ " لغة بمعنى احاط، مما يحيط به أي غير نفس اللفظ، يحيط به بعض حالات اللفظ يعني كثرة الوجود او كثرة الاستعمال. فالانصراف من حاق اللفظ أي ما يحيط به من قرينة مستمرة دائمة مع اللفظ. فإذن ما هو متداول عند بعض الاخوة من " حاق اللفظ " ان قولهم من أي من نفس اللفظ غير سليم، ليس معنى من حاق اللفظ من نفسه وإلا اصبح تبادرا. من حاق اللفظ معناه مما يحيط باللفظ من قرينة دائمة، ولذلك قلنا في التبادر انهم قالوا ان الاطراد ليس علامة على الوضع، وعلامة الوضع هي: التبادر وصحة الحمل عدم صحة السلب، بعضهم قال الاستعمال، يعضهم قال الاطراد، والاطراد يعني صحة استعمال اللفظ في المعنى من دون وجدان قرينة خاصة. فقالوا: الاطراد علامة على الحقيقة. وأجيب بانه قد يكون هذا الاطراد بسبب قرينة مستمرّة لازمة له. قالوا ان الاطراد في كل الازمنة وعلى كل حال دليل للوضع. والجواب: احيانا قد يكون الاستعمال في كل الاحوال لكن لقرينة لازمة مستمرة معه وما نحن فيه من هذا القبيل، فإن انصراف المفهوم إلى بعض الافراد انصرافا مستحكما هو بسبب قرينة مستمرة لازمة وهي كثرة الوجود وكثرة الاستعمال، مما يجعل الانصراف الذهني قويا بين اللفظ وبين بعض أفراده، فهذا سمّوه من حاق اللفظ أي ما يحيق ويحيط باللفظ من قرينة دائمة مستمرّة.
[2] وسيلة المتفقهين، السيد عبد الكريم فضل الله، ج2، ص294.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo