< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

33/03/27

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الأصول/ مباحث الألفاظ /مقدمات/ معنى العلم

كان الكلام في المقدمات التي تفيد بصيرة في علم الأصول. في المقدمة الأولى ذكرنا بعض الاصطلاحات وذكرنا أمثلة عليها من علم النحو، وبناء على رغبة البعض سنعطي أمثلة من علم الأصول، في المبادئ التصديقية والتصورية.

أمثلة المبادئ التصورية

المبادئ التصورية في علم الأصول، مثلا، قالوا: إن موضوع علم الأصول هو الأدلة الأربعة سواء قلنا انه بما هي هي أو بما هي أدلة.

الأدلة هي: الكتاب والسنة والإجماع والعقل.

المقصود من الكتاب هو القرآن الكريم، فكل ما يفيدني في تصور القرآن يكون مبدأ تصوريا. فمثلا: مسألة تحريف القرآن أو مسألة نقصه. هذه مسألة وإن ندر من يقول بالنقص. القرآن هو الذي بين أيدينا الذي هو حجة بيننا وبين الله عز وجل، لكنها مسألة تداولها بعضهم من السنة والشيعة. أن القرآن ناقص. يروى في صحيح مسلم يقول: جمع شريح القاضي قراء البصرة فحثهم على حفظ القرآن وتعليمه للناس فانه كانت هناك سورة هي أطول من براءة واشد، لا أزال اذكر منها آيتين، " لو كان لابن آدم واديان من مال، لابتغى واديا آخر" . والآية الأخرى " ولا يملأ بطن ابن آدم إلا التراب". فعند العامة كثير من هذا لكن هذه المسألة موجودة في النتيجة، حتى بعض علمائهم قال بنقص القرآن.

مسألة نقص القرآن هي مبدأ تصوري لعلم الأصول، والسبب أن نتيجتها تبين لي القرآن: سعة وضيقا، القرآن موضوع لعلم الأصول هو من الأدلة الأربعة، ومسألة نقص القرآن مبدأ تصوري.

وهكذا مسألة تعدد القراآت مثلا ليست مسألة من مسائل علم الأصول بل هي مبدأ تصوري لعلم الأصول. قلنا إن المبادئ التصورية هي كل ما يفيدني تصورا للموضوع أو المحمول كل ما يفيد تصورا للقضايا.

أمثلة المبادئ التصديقية

مثال على المبادئ التصديقية لعلم الأصول قضية الواحد لا يصدر إلا عن واحد، التي استدل بها صاحب الكفاية (ره) على وجود جامع بين الأفراد الصحيحة للصلاة رغم تباينها، من صلاة الظهر تامة أربع ركعات إلى صلاة الغريق التي هي مجرد إيماء أحيانا. هذه صحيحة وتلك صحيحة، الجامع بينها ماذا؟ قال الواحد لا يصدر إلا عن واحد.

وقوله (ص): " الصلاة قربان كل تقي " تشير إلى ذلك الواحد. فالغاية الواحدة تنتج عن موضوع واحد، وهو الجامع المشترك بين أفراد الصلاة الصحيحة.

بناء على أن مباحث الألفاظ من علم الأصول، ومسألة الصحيح والأعم، تصبح هذه القاعدة: الواحد لا يصدر إلا عن واحد " مبدأ تصديقيا لأنها ساعدتني على إثبات الموضوع له.

هذه القاعدة استفاد منها صاحب الكفاية لإثبات وجود جامع واحد نتج عنه أمر واحد هو الغرض الذي هو " القربان " هذا القربان ناشئ عن أمر واحد وهو الجامع بين الصلوات.

مثل آخر: رواية درهم الودعي التي استفاد منها بعضهم كصاحب الكفاية في مسألة أن العلم الإجمالي، هل هو علّة تامة في التنجيز أو مقتضي للتنجيز؟. كثيرون قالوا إن العلم الإجمالي مقتضي للتنجيز، ومن جملة ما استدلوا به رواية درهم الودعي، لأنه إذا كان علّة تامة لا يمكن أن يكون من دون تنجيز.

ثم نذكر أن المبادئ التصديقية شيء والبرهان شيء آخر المبادئ هي الأدوات. البرهان هو استعمال الأدوات، الاستدلال هو كيفية استعمال هذه الأدوات، وكيفية ترتيبها، وكيفية جعل الأقيسة. فهناك فرق بين نفس الكبرى والصغرى. فرق أن اجعلها كبرى وصغرى واستعملها واستفيد منها، الكبرى والصغرى أدوات استخدمها والاستدلال بها هو استخدامها.

المقدمة الثانية: في معنى العلم، قالوا إن العلم هو انطباع صورة الشيء في الذهن. ولكن هذا المعنى لم يبق على حاله بل استخدم في معان أخرى، من جملتها انه تم نقله إلى مجموعة مسائل جمعت لتحقيق غرض واحد. لان العلم هو مجموعة مسائل جمعها جامع، مؤسس العلم لتحقيق الغرض. الإمام علي بن أبي طالب (ع) عندما قال لأبي الأسود الدؤلي: الاسم ما أنبأ عن مسمى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى، وما بينهما رابطة. جمع هذه المسائل لأجل غرض وهو: عصمة اللسان عن الخطأ في النطق عند الممارسة. لان غاية العلم تتحقق بالمسائل والممارسة، العلم هو المسائل والغرض بتحقق المسائل مع الممارسة والمراعاة، أصبح العلم عبارة عن مجموعة مسائل، فهو أمر اعتباري أسسه مؤسسه لغرض.

الذي يجمع هذه المسائل هو غرض واحد، ولذلك سنرى أن العلوم تتمايز بالأغراض، لا بالموضوعات ولا بالمحمولات ولا بالحيثيات، وإن قيل ذلك.

من هنا لان العلوم تتمايز بالأغراض نحصل على فوائد.

الفائدة الأولى: أن ما وقع في الكلام من أن علم الأصول هو العلم بالقواعد الممهَّدة لاستنباط الأحكام الشرعية الفرعية من أدلتها التفصيلية. الأولى على أن تكون على صيغة اسم المفعول وليس على صيغة اسم الفاعل لأن واضع مهّدها وإن كانت المسألة لو نسبت للغرض لكانت ممهِّدة. لذلك في النحو الإمام (ع) مهد الطريق لهذه المسائل لأجل الغاية، في علم الأصول أيضا في كل مسألة تقع نتيجتها في تحصيل الغرض وهو استنباط الأحكام الفرعية، فهذا المؤسس جمع القواعد تمهيدا للغرض.

الفائدة الثانية: أن العلم هو مجموع هذه القواعد، فهو أمر اعتباري نشأ لمصلحة وغاية وهدف وغرض، وان كانت الأدوات قد يكون تأثيرها حقيقيا. مسائل علم الطب تأثيرها حقيقي في صحة الإنسان، فكل ما ينفعني في صحة الإنسان اجمعه في شيء اسمه الطب.

من هنا في عنوان علم الأصول أصبحت إضافة العلم إلى الأصول إضافة بيانية. لان علم الأصول هو نفس الأصول.

كأني قلت هذا العلم أصول قواعد، أخبرت بالمضاف إليه عن المضاف.

أما معنى الأصول: الأصل لغة هو الجذر، وتم نقله إلى معنى آخر وهو القواعد الممهّدة، طبعا لا بد من علاقة بين المعنى المنقول منه والمعنى المنقول إليه.

المقدمة الثالثة: وهي سلم العلوم. لما كان العلم أمرا اعتباريا جامعا لمسائل تخدم غرضا واحدا، فهي على قسمين:

الأول: علوم آلية وهي العلوم التي أسست خدمة لعلم آخر، وليس للمؤسس غرض فيها بذاتها إلا خدمة لعلم آخر. مثل علم الأصول والمنطق، وقد يكون في المنطق جهتين. لأننا جمعنا مسائل علم الأصول لأجل خدمة علم الفقه، لم يجمع علم الأصول لأجل ذاته أو لأجل غرض آخر، علم الطب جمعنا مسائله لصحة الإنسان، وليس خدمة لعلم آخر، وعلم النحو جمعنا مسائله لأجل صحة النطق وليس خدمة لعلم آخر، وان كان قد يستفاد منه في علم آخر، علم النحو قد نستفيد منه في علم الأصول وفي علم الفقه وعلم المنطق.

لذلك العلوم الآلية تقع مسائلها كبرى في أقيست العلوم المخدوم لأجله أسس هذا العلم، لذلك مسائل على الأصول تقع نتيجتها كبرى في أقيست علم الفقه.

العلوم الأخرى: هي التي أنشأت لغرض غير خدمة العلوم وان كانت قد تستعمل في علوم أخرى نضرب مثالا: مسألة الوضوء ﴿إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين﴾ " أرجلَكم " أو " أرجلِكم " وردت وقرأت على النحوين، أبناء العامة قالوا بغسل الأرجل، لان ابن هشام في كتاب المغنى الباب الرابع في باب الجمل الاعتراضية، يقول: إن الإنصاف أن قواعد العربية تقتضي المسح، ولكن السلف الصالح لما قالوا إنها تقتضي الغسل صرنا نغسل.

ولا بأس في بيان البعد النحوي في هذه المسألة وكيفية استخدامها في الفقه.

تذكير: الإضافة على قسمين: إضافة لفظية وإضافة معنوية.

الإضافة اللفظية إضافة العامل إلى معموله، كما لو قلنا: " جاء ضاربُ زيد " ، أساسها " جاء ضاربٌ زيدا " العامل وهو اسم الفاعل بزيد.

المعنى لم يتغير اللفظ تغير التنوين حذف باعتبار القاعدة " الإضافة والتنوين لا يجتمعان " فهنا تخفيف لفظي، فالإضافة اللفظية لا أثر لها في المعنى ولكن تحسن اللفظ، عندما تحذف حرفا فقد اختصرت، وكلام العرب مبني على الاختصار، خير الكلام ما قل ودل.

الإضافة المعنوية تارة تكون بيانية وتارة تكون تخصيصية. فالتخصيصية من قبيل " غلام زيد " مطلق الغلام ثم خصصته بغلام زيد. والتعريفية تشمل التعريف " وغلام زيد " تؤدي إلى تعريف، " وغلام رجل تؤدي إلى تخصيص، باعتبار الإضافة تارة إلى نكرة وتارة إلى معرفة.

والإضافة المعنوية أحيانا تكون بيانية ، كما لو قلت " البسوا ولو خاتما من حديد " كما هو مروي عن الرسول (ص)، فخاتم حديد تبين ماهية الخاتم، كأني قلت خاتم من حديد. وميزانها في اللفظ انه يصح الإخبار بالمضاف إليه عن المضاف. تستطيع أن تقول هذا الخاتم حديد.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo