< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

33/03/29

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الأصول/ مباحث الألفاظ /مقدمات/ المبادئ التصورية والمبادئ التصديقية

 

الأمر الثاني الذي نستفيد مما ذكرنا، أن السيد الخوئي (قده) اخرج حجية الظهور من علم الأصول بحجة أن حجية الظهور لا يختلف عليها اثنان.

هذا التبرير لا نراه تاما، التسالم بالقاعدة لا يجعلها مسألة، لكنه لا يخرجها عن كونها قاعدة. وذكرنا أن الفرق بين المسألة والقاعدة هو الإثبات، القضية نفسها قبل الإثبات مسألة وبعد الإثبات قاعدة، نفس القضية الموضوع والمحمول، كل ما في الأمر أنها لم يختلف عليها اثنان، ودليلها أن العقلاء في مقام التفاهم تبانوا عليها والإمام (ع) كان معهم في ذلك يعمل ويأخذ ويتكلم ويبيّن مراده بالظواهر. ولا تخرج بقوة الدليل عن كونها قاعدة.

مما ذكرناه في المقدمات نرى أن العلوم سلم احدها يخدم الآخر سواء أسس هذا العلم لخدمة العلوم الأخرى أو لا، اسمينا العلوم التي أسست لخدمة علم آخر بالعلوم الآلية، كعلم لأصول الذي لم ينشأ لمصلحة أخرى غير خدمة علم الفقه. ولذلك يجب علينا في أبحاث علم الأصول أن نلتفت إلى هذه المسألة، وهي أن الغرض خدمة علم الفقه، فما يقال إننا نبحث في بعض المسائل من باب التوسعة الذهنية، الفن للفن، العلم للعلم أحيانا هذا خروج عن غرض علم الأصول، والمسألة الأصولية هي التي تصب في الغرض، فإذا لم تصب في الغرض خرجت عنه حتى لو توهمنا دخوله فيها. عدّة مسائل في الأصول يقولون انه لم نجد لها ثمرة، لماذا تبحث؟. قد يكون لها ثمار أخرى في مقام معرفة كلام العرب، المعنى اللغوي، لكن إذا لم يكن لها ثمرة لخدمة علم الفقه، إذن هي ليست من علم الأصول كليا.

كل علم ينتهي عندما يبدأ العلم الآخر. علم الأصول ينتهي عندما يبدأ علم الفقه، لكل علم حيز معين، بهذا نحل إشكالا اختلفت الأنظار في كيفية التخلص منه وهو: انه عندما عرف علم الأصول بأنه: العلم بقواعد ممهدة لاستنباط الأحكام الشرعية أو الوظائف. فهذا يعني دخول كثير من العلوم فعلم النحو كثيرا ما استفدنا منه في الفقه، وعلم البيان، البلاغة، الطب، والهندسة والفلك، فان كثيرا من مسائله تنفعنا في الاستنباط. لعل أكثر العلوم بل كلها يمكن دخولها في علم الفقه. لان كلها تقع في طريق استنباط الأحكام الشرعية الفرعية.

بعض الأمثلة على ذلك: ما ذكرناه في المسألة النحوية آية الوضوء. قلنا حتى نثبت أن الوضوء مسح لا غسل للرجلين احتجنا إلى عدّة قواعد نحوية، هذه القواعد هي داخلة في علم الأصول، لأنها وقعت في طريق استنباط الحكم الشرعي؟.

في اللغة ما ذكروه من معنى الصعيد، هل هو مطلق وجه الأرض أو خصوص التراب؟، مسألة لغوية نستفيد منها في الاستدلال على حكم شرعي وهو أن التيمم خاص بمطلق التراب أو مطلق وجه الأرض. في معنى كلمة ثيّب. احد الأخوان سأل حكم التي زنت والعياذ بالله، تزوجت من دون إذن أهلها، هل الثيّب كل من فقدت بكارتها أو الثيّب من فقدت بكارتها بخصوص وطء، أو من فقدت بكارتها بخصوص الوطء الشرعي؟. محل اختلاف الأنظار. هذه المسألة لغوية هي في طريق استنباط عدة أحكام شرعية. فهل أصبحت هذه المسألة من مسائل علم الأصول؟ الأمثلة كثيرة جدا. معنى الموت، المريض إذا دخل في الكوما، الموت السريري، هل هذا يعتبر موتا فيجوز قطع الأكسيجين عنه، وتقسَّم تركته، وتعتدّ زوجته، هذا يرجع إلى معنى الموت؟. معنى الموت لغويا وليس طبيا وإن كان هناك تداخل مع الطب.

مثلا في علم الطب هذا الدواء ينفع او لا ينفع فصار مقدمة لمسألة شرعية. علم الإحياء الخفاش له دم سائلة أو لا؟ إذا كان له دم سائل فدمه نجس، وإلا فدمه طاهر.

في علم الفلك مسألة بداية الشهر القمري، ما هو؟ أهم نقطة خلافية، هي أن بداية الشهر ما هي؟ هل هي الرؤية الفعلية بالعين المجردة أم بالعين المسلحة أم الرؤية الإمكانية، أم التولد الفلكي؟. أربع احتمالات موجودة لبداية الشهر القمري. من هنا كان الخلاف. المسألة ليست فلان رآه أم لا. المسألة في أصل الموضوع في معنى الشهر القمري.

هذه المسألة لغوية، لغة ما هي بداية الشهر، قد يُعين الفلك عليها، إذا قلنا بالتولد فالفلك يُعين في تحديد التولد. لذلك نقول ليس كل ما يخدم الهدف يدخل في العلم، فان العلوم سلم يخدم بعضه بعضا، وبهذه السلمية تخرج العلوم مثل علم التفسير والنحو والمنطق وعلم الرجال وعلم الحديث عن علم الأصول.

من هنا ننتقل إلى المقدمة الرابعة وهي: ما الفرق بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية. ثمرة البحث لماذا نبحث الفرق بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية؟.

ثمرتها هي التالي: التبويب. يعني تبويب علم الأصول أبواب العلم.

مثلا: الاستصحاب هل هي قاعدة فقهية نبحثها في علم الفقه، أو أصولية نبحثها في علم الأصول، فالثمرة التبويب.

قاعدة الفراغ، التجاوز، القرعة، وغيرها، هناك قواعد اختلفوا عليها أنها قاعدة فقهية أو أصولية، الأصول الشرعية العملية. هذه القواعد فقهية أو أصولية؟وليس الثبوت ثمرة عادية بل مهمة، لان العلوم عندما تبوب وتفرز وتميز استطيع فهمها أكثر[1] .

قبل أن نبدأ بالتفريق نذكر بعض الأمثلة لتوضيح الأمر، مثلا: قاعدة الحِل، اليد أمارة على الملكية، ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسدة، الطهارة، الضمان، الإحسان " ما جعل الله على المحسنين من سبيل ". بعضهم جمعها ب 160 قاعدة، يمكن أن تصل إلى 500 قاعدة، مسألة استنباطية ليس هناك استقراء تام وليس هناك قسمة منطقية، ليس هناك حصر لا عقلي ولا استقرائي.

القواعد الأصولية: مثلا: البراءة، حجية الظهور، مقدمة الواجب واجبة، الشهرة الفتوائية حجة أو لا، القياس مستنبط العلّة، حجية الخبر الواحد؟.

ما الفرق بين القاعدة الأصولية والقاعدة الفقهية؟. يجمع بينهما أن كليهما عام، وهو منشأ الاشتباه.


[1] الفقيه أو طالب العلم إذا طلب منه حكم أهل الكتاب مثلا. مباشرة يستطيع من كتاب المسائل العملية ان يرشدك لها. احد المثقفين في بحث له لهذه المسألة حكم اهل الكتاب، لم يعرف أين يجدها، بخلاف طالب علم الفقه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo