< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

33/04/04

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الأصول/ مباحث الألفاظ /مقدمات/ الفرق بين القواعد الفقهية والأصولية

كان الكلام مع السيد الخوئي (ره) في التفصيل بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية، وقلنا إن ثمرة المسألة هي في الثبوت ولا أظن أو لم أجد أن هناك ثمرة أخرى.

وذكرنا كلام السيد الخوئي (ره) الذي نقله الشيخ الفياض (دام) في تقريراته وذكرنا إشكالين أولين والإشكال الثالث هو المهم وكل الكلام فيه.

الإشكال الثالث: إن ما ذكرته في التفصي عن الإشكال غير تام. نذكِّر بكلام السيد (ره) قال: لو كان المراد بالاستنباط خصوص الإثبات الحقيقي بعلم أو علمي لتم الإشكال، ولا مجال للتفصي عنه. كان الإشكال خروج الأصول العملية الشرعية عن علم الأصول. قال: انه إذا كان الفرق بين القاعدة الأصولية والقاعدة الفقهية هو أن الاستفادة من القاعدة الأصولية من باب الاستنباط، أما الاستفادة من القاعدة الفقهية فمن باب التطبيق.

في مقام الإشكال قيل أن تكون الأصول العملية الشرعية تطبيق، وليست استنباطا فالاستفادة من مثل:" رفع عن أمتي ما لا يعلمون "، يكون بتركيب قياس من الشكل الأول، فأقول: هذا غير معلوم الحكم وكل غير معلوم الحكم مباح، فهذا مباح. فأين الاستنباط، فعلى تفريقك يؤدي إلى خروج مسائل مهمة من علم الأصول لأنها من باب التطبيق. وأجاب: قال لو كان المراد في الاستنباط هو الإثبات الحقيقي بعلم أو علمي للحكم، هذا الإشكال تام، أما إذا كان يشمل التعذيري والتنذيري، فهذا الإشكال لا يتم.

كلام السيد ( ره) أما لو كان المراد من الاستنباط هو ما يشمله ويشمل إثبات التنجيزي والتعذيري،بالقياس إلى الأحكام الواقعية وهو نوع من الاستنباط.

أجيب عن ذلك بأنه لا نسلم بهذا بل يبقى الاستدلال من نوع التطبيق، فان قوله (ع) " رفع عن أمتي ما لا يعلمون " وهذا غير معلوم، تطبيق، فهو مرفوع، من قبيل " أوفوا بالعقود " وهذا عقد، فلا فرق ويبقى حينئذ في حيز التطبيق.

نعم، كونه إثباتا تنجيزي أو تعذيري لا يثبت حكما شرعيا – بل مجرد تعذير وتنجيز فيصلح للإشكال على ما ذكروه في تعريف علم الأصول، لان السيد (ره) دخل في هذا المطلب عندما بدأ ببيان تعريف علم الأصول، قال: الحكم العلم بقواعد ممهدة لاستنباط الأحكام الشرعية الإلهية. في الأصول نبحث عن الأحكام، أما التعذير والتنجيز فلا يثبتان حكما بل رفع عقاب. إذن هذا ينفع في الإشكال على ما ذكروه من تعريف علم الأصول وهو العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الأحكام الشرعية الفرعية. لذلك أكمل فقال: لا يكفي، فأكمل برفع العقاب.

إذن ملخص الكلام: أن السيد (ره) فرَّق بين القاعدة الأصولية والفقهية أن القاعدة الأصولية من باب الاستنباط، القاعدة الفقهية من باب التطبيق. أشكل عليه بخروج الأصول العملية الشرعية. رد الإشكال أن هذا الإشكال تام لو قصد من الاستنباط خصوص استنباط الأحكام حقيقتا، أما بعلم أو علمي، أما لو كان يشمل الإثبات التنجيزي والتعذيري، هذا الإشكال لا يتم.

أجيب انه هذا الإشكال يبقى حتى بناء على ذلك، هو من باب التطبيق ولا نسلم به.

والإنصاف أن يقال: المسألة، ماذا نفهم من كلمة " رفع عن أمتي ما لا يعلمون ". نقول: إن ما استدلوا به على البراءة الشرعية نوعان: الأول ما هو ظاهر في نفي العقاب والمؤاخذة، وليس ظاهرا في نفي الأحكام مثل قوله تعالى: " بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا﴾ "، " ما كنا معذبين " مجرد رفع مؤاخذة وليس إثباتا لحكم، رفع عقاب، وان رفع العقاب واثبات الثواب ليسا من علم الأصول بل هو من علم الكلام. علم الأصول يبحث عن أحكام، نعم قد يستفاد منه في إثبات حكم، لأنه كما قلنا العلوم تتمايز بالأغراض، غرض علم الأصول إثبات حكم، غرض علم الكلام، الله والثواب والعقاب، جنّة ونار، يوم القيامة.

نعم كما ذكرنا سابقا قد استفيد من مسائل بعض العلوم في علم الأصول لكن هذا لا يعني أبدا دخولها في علم الأصول.

إذن النوع الأول من أدلة البراءة الشرعية ما يفيد رفع المؤاخذة والعقاب.

النوع الثاني من أدلة البراءة الشرعية ما هو ظاهر في نفي الحكم أو فعليته، مثل قوله (ع) كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي. لنلاحظ الفرق بين الدليلين" ما كنا معذبين " رفع عقاب، " كل شيء مطلق " رفع حكم، ووزانه وزان " لا ضرر ولا ضرار في الإسلام " هذا الحديث الذي استنبطنا منه القاعدة " لا ضرر " لا يوجد فيها عقاب ولا ثواب، مباشرة رفع الحكم أو فعلية الحكم، " فلا ضرر " نفي الحكم من أساسه أو نفي فعليته، بلسان نفي أثره الذي هو الضرر.

"كل شيء مطلق " نفي حكم، " ما كنا معذبين " نفي عقاب. ولهذا ثمرة كبيرة في بحثنا الآن.

وعليه فان كانت أدلة البراءة الأصول العملية الشرعية من النوع الأول فهو استنباط، ومن النوع الثاني تطبيق. وذلك إذا كانت أدلة البراءة من النوع الأول " وما كنا معذبين " هو تعبير عن المعذرية في حال عدم الرسول، فلا عقاب، ومن عدم العقاب انتقل إلى الإباحة، باللازم العقلي فإثبات الحكم أصبح بعد التعذير هذا استنباط، لأنه يتكل على اللوازم وعلى الشخص وعلى الأمور العقلية، فنفي العقاب يلزمه نفي الحكم الإلزامي سواء كان في المحرمات أو كان إلزاميا في الدفع والبعث في الواجبات.

أما إذا كان من النوع الثاني فالظاهر انه من باب التطبيق، الظاهر أن " كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي " هو عموم إثبات الحكم الاباحي، الحرية، لكل من لم يرد فيه نهي فأطبقه مباشرة ويكون قياسا من الشكل الأول. – كبرى صغرى: كل إنسان ميت ومحمد إنسان فمحمد ميت. هذا ليس استنباط هذا تطبيق، أطبق الكلي الطبيعي على أفراده -.

إذا طبقنا هذا الكلام على قوله (ع) في الاستدلال على البراءة في " رفع عن أمتي ما لا يعلمون " نقول إن هذه الرواية إن كانت تدل على رفع فعلية الحكم غير المعلوم، فمباشرة انتقل للحكم، فهي من النوع الثاني، من نوع " كل شيء مطلق "،من نوع التطبيق، وتكون دلالتها على الإباحة من باب التطبيق، تطبيق الكلي الطبيعي على أفراده ومصاديقه.

وإن كان من قبيل الأول يعني أن المراد من الرفع، رفع المؤاخذة والعقوبة، فهو من القسم الثاني، فيكون من باب الاستنباط حينئذ، والسبب أن رفع المؤاخذة يلزمه عقلا الحكم بالإباحة. فهذا ليس تطبيقا للكلي على فرده بل بالأخذ باللزوم حتى اثبت الأحكام. وهنا لا بد من عملية استدلالية استنباطية، فيكون وزانه وزان " ما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " بل يمكن حتى سحب الكلام على أدلة البراءة العقلية. إذ البراءة العقلية نوعان: نوع رفع العقاب، قبح العقاب بلا بيان، وبهذه القاعدة أصل إلى الإباحة. ونوع آخر يثبت الحكم بالإباحة وذلك قولهم الأصل في الأشياء الإباحة لا الحظر " إن الأصل في الأشياء الإباحة لا الحظر "،

" الأصل في الأشياء الإباحة " حكم عقلي لكن انتقلت مباشرة للإباحة، أما النوع الأول " قبح العقاب بلا بيان " من نفي العقاب دخلت إلى الإباحة. هناك فرق، استفيد من هذا تارة الاستنباط وتارة التطبيق.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo