< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

33/04/06

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الأصول/ مباحث الألفاظ /مقدمات/ الفرق بين القواعد الفقهية والأصولية

كان الكلام في التفريق بين القاعدة الأصولية والقاعدة الفقهية، وذكرنا كلام المحقق السيد الخوئي (ره) والنائيني (ره) وما بينهما. ونذكر أن ثمرة التعريف هي التبويب.

التفريق الثاني: الذي ذكروه بين المسألة الأصولية والمسألة الفقهية، للمحقق النائيني (ره) لخَّصه السيد الخوئي (ره) بالتالي: إن نتيجة المسألة الفقهية قاعدة كانت أم غيرها بنفسها تلقى إلى العامي غير المتمكن من الاستنباط وتعيين الوظيفة في مقام العمل، وهي بخلاف المسألة الأصولية التي هي من شأن المجتهدين–.

وسبب زيادة " تعيين الوظيفة في مقام العمل هو أن التعريف المشهور بان الأصول هو العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الأحكام الشرعية الفرعية. أشكل عليهم أن الأصول العملية ليست لاستنباط الحكم الشرعي بل هي لاستنباط الوظيفة فزاد عليها صاحب الكفاية الشيخ الآخند (ره) قال: العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الأحكام الشرعية الفرعية أو التي تنتهي إليها في مقام العمل.

نعود لكلام النائيني: فقيل له – للعامي – كلما دخل الظهر وكنت واجدا للشرط فقد وجبت عليك الصلاة، فيذكر في الموضوع تمام قيود الحكم الواقعي، فيلقى إليه وهذا بخلاف نتيجة المسألة الأصولية فإنها بنفسها لا يمكن أن تلقى إلى العامي غير المتمكن من الاستنباط فان إعمالها في مواردها وظيفة المجتهدين دون غيرهم. – ثم الذي يلقى إليه هو الحكم المستنبط من هذه المسألة، لا هي نفسها-.

إشكال السيد الخوئي

ثم السيد الخوئي (ره) يشكل على ذلك بقوله: إن ما أفاده (ره) بالقياس إلى المسائل الأصولية وان كان كما أفاد،إلا أن ما أفاده (قد) بالإضافة إلى المسائل الفقهية غير تام على إطلاقه، إذ رب مسألة فقهية حالها حال المسألة الأصولية من هذه الجهة، كاستحباب العمل البالغ عليه الثواب بناء على دلالة أخبار " من بلغ " عليه[1] . وعدم كونها إرشادا ولا دالة على حجية الخبر الضعيف، وإلا لأصبحت مسألة أصولية. النتيجة قاعدة " من بلغ " إن دلت على الاستحباب كانت فقهية، وإن دلت على حجية الخبر الضعيف كانت أصولية.

من هنا قال السيد (ره) فانه مما لا يمكن أن يلقى إلى العامي لعدم قدرته على تشخيص موارده من الروايات وتطبيق أخبار الباب عليها. وكقاعدة نفوذ الصلح والشرط، باعتبار كونهما موافقين للكتاب أو السنة أو غير مخالفين لهما. فان تشخيص كون الصلح أو الشرط في موردهما وتطبيقهما عليها لا يمكن لغير المجتهد، إلى غيرها من القواعد التي لا يقدر العامي على تشخيص مواردها وصغرياتها ليطبق القاعدة عليها. بل رب مسألة فقهية في الشبهات الموضوعية تكون كذلك كبعض فروع العلم الإجمالي.فان العامي لا يتمكن من تشخيص وظيفته فيه. مثلا: إذا فرضنا أن المكلف علم إجمالا بعد الفراغ من صلاتي الظهر والعصر بنقصان ركعة من احدهما لكنه لا يدري أنها من الظهر أو من العصر. في هذا الفرع وأشباهه لا يقدر العامي على تعين وظيفته في مقام العمل، بل عليه المراجعة إلى مقلده، بل الحال في كثير من فروع العلم الإجمالي.

والإنصاف أن يقال: لو كان مراد الشيخ النائيني (ره) انه لو كان العامي لا يعرف المصطلحات والتشخيصات، الكلام صحيح، لكن صرح الشيخ النائيني فقال: إن المراد بالعامي من لا يقدر على الاستنباط، لكن هذا لا يعني انه لا يستطيع تشخيص الموارد. فأكثر طلاب العلم بعد فترة يستطيع التشخيص وهو ليس مجتهدا، ومعرفة الموضوع تحتاج إلى فهم المصطلحات وفهم هذه المصطلحات ليس فقط من شأن المجتهد، فالمثقف يفرق بين: القياس والمناط والملاك ورفع الخصوصية. كلمات قريبة لبعضها لكن التمييز بينها لا يحتاج إلى مجتهد.

فان النائيني (ره) أراد من العامي ليس الذي لا يميز بل له حظ من التمييز ومعرفة المراد الطبيعي وغير ذلك من دون أن يبلغ مرحلة الاجتهاد. وعلى هذا تكون الأمثلة التي ذكرها

المحقق الخوئي (ره) مصداقا لمعرفة العامي بهذا المعنى، فمن يدرس ويعرف معنى المصطلحات والمفردات يطبق ذلك، وهذا هو مراد الشيخ النائيني.

على أن التعليق على كلام النائيني إنما ذكرته لا يخرج عن التعريف الأول، أي إن الاستدلال في المسألة الأصولية من نوع الاستنباط وفي المسألة الفقهية من نوع التطبيق، وذلك لان التطبيق عبارة عن قياس من الشكل الأول. ﴿أوفوا بالعقود﴾ هذا عقد إذن يجب الوفاء به، والقياس من الشكل الأول يستخدمه عوام الناس بكثرة وان لم يلتفتوا. بل هي في حياتهم اليومية بخلاف الاستنباط.[2]

فقياس الشكل الأول بديهي طبيعي وجداني يتكلم به الناس عادة، فعبر عنه النائيني انه يلقى إلى العوام، فالإلقاء إلى العوام والتطبيق مرجعه شيء واحد. ولذلك تعبير النائيني هو نفسه تعبير التعريف الأول. فيكون مرجع التعريف شيء واحد.

الفرق الثالث: ما ذكره كثيرون من أن المسألة الأصولية يجب أن تكون عامه إما لكل الأبواب أو لجل الأبواب. صاحب الكفاية ذكر ذلك (ره) الشهيد الصدر (ره) في تعريفه: العناصر المشتركة، ذكر ذلك عدد من المعاصرين. بعبارة أخرى المسألة الأصولية متكررة في الأبواب أما المسألة الفقهية ليست متكررة.

هل في هذا التمييز ثمرة أو لا؟ يأتي


[1] يذكر هذا في الرسائل وبحثها في الكفاية، الرسائل كتاب اصولي ومع ذلك بحث قاعدة " من بلغ " وهنا يقول انها قاعدة فقهية. الكلام هناك كان ان قاعدة " من بلغ " تؤدي إلى كشف عن حكم عن استحباب او لا عن مجرد ثواب؟.
[2] يقال إن أرسطو عندما كتب منطقه علمه لابنه ثم قال له انزل إلى السوق وانظر إلى كلام الناس، كم الناس تتكلم بالمنطق، فرجع وقال: الناس لا يتكلمون منطق. فقال: أنت لم تفهم المنطق، فعد مرّة ثانية. وبعد فترة عاد بين الناس سأله كم من الناس يتكلم منطقا، قال: تقريبا النصف، قال : أنت لم تفهم المنطق بعد. فعد إلى الناس، فلما عاد قال إن الناس يتكلمون المنطق وكأنهم يدرسون المنطق. قال أرسطو الآن فهمت المنطق.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo