< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

34/02/10

بسم الله الرحمن الرحیم

 علامات الوضع
  قبل الشروع في بحث علامات الحقيقة والمجاز نستعرض ملخصا لمطلب وضع المركبات بناء لطلب بعض الأخوة فنقول:
  لا شك في أن أوضاع المواد في المفردات شخصيا مثل: " زيد " في " زيد قائم ", وفي الهيئات نوعيا مثل " قائم " في المثال المتقدم, ويمكن أن نقول بوجود اربعة أوضاع: " زيد " في الوضع الشخصي، ومادة " قام " بالوضع النوعي، ووضع " قائم ", أي نسبة الفعل إلى فاعله، وهيئة اسنادية، أي المسند والمسند إليه بالوضع النوعي.
 الإشكال تمحور حول التساؤل عن إمكانية ولزوم وضع آخر للمركبات غير الأوضاع المسلم فيها:
 ذهب المشهور منهم صاحب الكفاية(قده) إلى نفيه للزوم محذورين:
  1. لزوم اللغوية في الوضع الجديد بعد عدم الحاجة إليه من الواضع الحكيم.
  2. لزوم تعدد الدلالة على نفس المعنى.
  لكن وجد البعض أن هناك معاني خارجة عن هذا المعنى من قبيل: " اني أرى زيدا يقدم رجلا ويؤخر أخرى " أي المتردد، وهنا نتساءل, من أين أتى واستفادة المعنى المتردد؟, فإنه لم يستفاد قطعا من وضع " زيد " ولا " الرؤية " ولا " ارى ", أي لم يستفد من وضع الفعل والفاعل والمفعول والهيئات، فإذا كان كذلك, فمعنى التردد يكون حينها مجازيا، والمجاز يحتاج إلى حقيقة تتفرع عنه, والمتردد ليس فرعا من " زيد " وليس فرعا من " الرؤية " والنسبة، بل هو فرع عن الصورة ككل بالوضع النوعي للرجل الذي يقدّم رجلا ويؤخر أخرى, فإذن لا بد من وضع للصورة المركبة ككل يؤدي إلى معنى حقيقي ينتزع عنه المجاز.
  ومن هنا نشأت الحاجة إلى وضع جديد في المركبات, ومع هذه الحاجة تنتفي اللغوية وسلب الحكمة من الواضع في المقام.
  وللتخلص من الاشكال نقول: بأن الداعي لاستعمال هذا التركيب في مثل " اني اراه يقدم رجلا ويؤخر أخرى " هو صورة المتردد وليس المستعمل فيه, فاستعمل الواضع " زيد " و " الرؤية " والتقدم والتأخر والنسبة في معانيها الحقيقية.
  ولأن في مثل: " رأيته يقدم رجلا ويؤخر أخرى " نحتمل أن يكون واقعا هو الذي يقدم رجلا ويؤخر أخرى "، ونحتمل أن يراد صورة المتردد في مقام الداعي, ترد هذه الاحتمالات، فتارة يكون الداعي هو المعنى الحقيقي، وتارة يكون الداعي هو المعنى المتردد.
  بعبارة أخرى: المراد جديا هو الدواعي, وبذلك نخرج من الاشكال ونقول بأن المعنى الموضوع له في الجملة التركيبية هو نفسه المستعمل فيه.
  لذلك نستطيع أن نقول لا داعي لوضع المركبات بوضع جديد للزوم اللغوية، لأنه ليس مجازا بل هو في مقام المراد الجدي.
  • نرجع إلى حقيقة الوضع, أي (علامات الحقيقة والمجاز):
  الحقيقة لغة: من حقّ أي ثبت، يقول تعالى " لقد حقّ القول عليهم " أي ثبت, ويحق لك ذلك أي يثبت لك ذلك، وهو بالإحترام حقيق أي ثابت جدير.
  وكلمة حقيقة فيها مبالغتان: وزن فعيل، وتاء التأنيث المتحركة وهذا كقولهم " علاَّمة ", فعلاَّمة فيها مبالغتان: الوزن وهو فعال، وتاء التأنيث المتحركة المربوطة مقابل التاء الساكنة.
  أما اصطلاحا: فهي المعنى الموضوع له اللفظ, وهو مصطلح علماء البلاغة، ويقابله المجاز: وهو لغة العبور، تجاوزته أي عبرته، واستخدمت للتجاوز من المعنى الحقيقي إلى معنى آخر.
  وقد اختلف في المعنى الإصطلاحي على أقوال:
  الاول: وهو المشهور، وهو استعمال اللفظ في غير ما وضع له، بشرطين: الاول: بعلاقة معتبرة مصححة للمجازية.
  الثاني: قرينة معاندة للمعنى الحقيقي تصرفه عنه. فعندما أقول: " زيد أسد يرمي بالسهم " أكون قد استعملت لفظ " أسد " في معنى " الرجل الشجاع " وهو معنى مجازي مستفاد من المعنى الحقيقي وهو الحيوان المعهود بعلاقة معتبرة وهي الشجاعة وبقرينة معاندة للمعنى الحقيقي وهي الرمي بالسهم, وهذا العناد يؤدي إلى صرف اللفظ من المعنى الحقيقي إلى المعنى المجازي.
  القول الثاني: المجاز هو حقيقة، أي هو تطبيق المعنى الموضوع له على ما أراده اللافظ بالإرادة الجدِّية، فاللفظ مستعمل في ما وضع له، لكن الارادة الجدية على خلافه، وهذا مذهب بعض المحققين راجع نهاية الاصول تقريرات المحقق البرجردي .
  القول الثالث: الحقيقة الادعائية، وهي أن أدعي أن لفظ " أسد " موضوع لما يشمل الحيوان المفترس وكل شجاع, فادعيت أن هناك وضعا آخر، أي حقيقة أخرى, وهذا هو مذهب السكاكي.
  وعلى كل الاقوال فلا ريب أن المعنى ينقسم إلى قسمين: معنى حقيقي ومعنى مجازي.
  وعلى هذا سنقسم البحث إلى أمرين:
  الاول: في علامات الحقيقة والمجاز.
  الثاني: في الثمرة من هذا البحث.
  علامات الحقيقة والمجاز.
  ذكر الاصوليون علامات لتشخيص المعنى الحقيقي هي: التبادر، صحة الحمل وعدم صحة السلب، الاطراد، الاستعمال، قول اللغوي, ومن الاصول لإثبات الوضع ذكروا: أصالة عدم النقل وأصالة عدم الاشتراك.
  نحن بحاجة لأصالة عدم النقل لأنه عند وجود تبادر المعنى من كلمة " ولد ", ينصرف المعنى إلى ما كان ناشئ من علاقة تكوينية, فأحتاج إلى دليل يثبت أنه قبل ألف سنة كان هذا التبادر موجودا، وعند إطلاق كلمة " الملك " هل هو نفس المعنى قبل ألف سنة الذي استعمل من قبل الشارع?, فأحتاج حينها إلى أصالة عدم النقل ولا اسميها استصحاب القهقرى.
  واحتاج إلى أصالة عدم الاشتراك إذا دار الامر بين أن يكون مشتركا أو مجازا، كلفظ العين بين أن يكون موضوعا للاثنين، العين الباصرة والنابعة، أو موضوعا فقط للعين الباصرة ومجاز في العين النابعة, فبأصالة عدم الاشتراك انفي الوضع في الثاني، وهذا يعني أنه موضوع لمعنى واحد والثاني مجازا، فباللازم أستطيع أن استفيد المعنى الموضوع له إذا دار الامر بين معنيين أو معنى واحد, فنقول أنه موضوع لمعنى واحد بأصالة عدم الاشتراك لو تمت, ويجب أن نلتفت أننا عندما نقول أصل يعني عند الشك, وقد ذكرت ذلك في كتيب منهجية الاستنباط وسنبينها تباعا.
  التبادر: وهو خطور المعنى في الذهن بمجرد سماعه من اللفظ من غير قرينة، فليس هو مجرد إنسباق معنى قبل آخر، وليس مجرد سرعة حصوله فيه، فمثلا: بين الحقيقة والمجاز المشهور، الذي ينسبق هو المجاز المشهور ومع ذلك هو مجاز حتى ولو صار مشهورا والمعنى الحقيقي لم ينسبق بداية، وليس مجرد سرعة حصول، لأنه قد يحتاج إلى فاصل زمني لتحصيل تبادر المعنى الحقيقي. لكنه معنى ارتكازي دفين في النفس.
 يقول صاحب الكفاية : التبادر معنى اجمالي ارتكازي, انا عبرت عنه بالدفين توضيحا، لأنه هناك معان في النفس دفينة تحتاج إلى استخراج وتختلف من شخص إلى آخر ومن مكان إلى مكان.
  التبادر علامة الحقيقة عند الاصوليين من غير خلاف ظاهر, ومن الواضح أن مثل هذا التبادر معلول للوضع وكاشف عنه بنحو الإن، أي الإنتقال للمعنى من المعلول إلى العلّة وهو كاشف ومثبت قطعي, أي انتقال من اللازم إلى الملزوم.
  والتبادر على قسمين:
  1. التبادر عند أهل المحاورة، أي أبناء اللغة، وهو أن يرجع الجاهل بالوضع إلى أهل المحاورة في مقام استعلام اللغات، فيحصل له العلم بالوضع بما يرى من تبادر المعنى من اللفظ من غير قرينة عندهم.
  2. التبادر عند المستعلم الذي يجهل الوضع، وهو أن يكون تبادر المعنى من اللفظ من غير قرينة عنده علامة على كونه معنى حقيقيا. وهذا المعنى من التبادر يتوقف على العلم بالوضع، إذ لولا العلم بالوضع لم يحصل التبادر.
  من هنا نشأ إشكال الدور على القول بكون التبادر علامة على الحقيقة.
 
 والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo