< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

34/02/12

بسم الله الرحمن الرحیم

 علامات الحقيقة والمجاز
  قيل بأن علامية التبادر على الوضع يستلزم الدور وتصوير الإشكال يتم كالآتي:
  الاشكال: يقول الآخوند (ره) في كفاية الأصول: لا يقال كيف يكون علامة مع توقفه على العلم بأنه موضوع له كما هو واضح، فلو كان العلم به موقوفا عليه لدار.
  توضيح الإشكال: إن التبادر للمعنى فرع العلم بكونه موضوعا له, ومع التسليم بكون التبادر فرع العلم بالوضع, فكيف نحصل العلم بالوضع من خلال التبادر حينها؟
  وبعبارة أخرى: التبادر متوقف على العلم بالوضع، والعلم بالوضع متوقف على التبادر فيدور.
  جواب صاحب الكفاية(قده): يقول(ره): الموقوف عليه غير الموقوف عليه، فان العلم التفصيلي بكونه موضوعا له موقوف على التبادر وهو موقوف على العلم الاجمالي الارتكازي لا التفصيلي، فلا دور,فصحيح أن التبادر موقوف على العلم بالوضع, إلا أنه موقوف على العلم الإجمالي الإرتكازي بالوضع كما يعبر (قده), بينما المراد تحصيله بالوضع هو العلم التفصيلي بالمعنى الموضوع له. [1]
 
  • منشؤ الحاجة لهذا الجواب: وتتجلى الحاجة فيما إذا كان هناك شخص واحد يريد تحصيل التبادر وهو المستعلم, أما إذا كان المراد منه التبادر عند أهل المحاورة, فيكون
 التبادر عندها أوضح من أن يخفى.
  1. منشؤ العلم الإرتكازي: يكون من كون المستعمل من أبناء اللغة أو من كثرة مراودتهم, وهذا العلم هو الذي يحتاجه المستعلم كي ينسبق ذهنه إلى المعنى, فإذا انسبق ذهنه إلى المعنى علم حينئذ بالوضع تفصيلا.
  2. منشؤ أصالة عدم النقل:
  قد يقال: إن التبادر من غير قرينة لا يفيد سوى كونه علامة على المعنى في زمننا الحاضر، وذلك أن المستعلمين الجاهلين بالوضع هم من هذا الزمن، وعليه فلا ينفع في إثبات الاوضاع في زمن الشارع، فلا بد من وسيلة لإثبات الوضع في زمن التشريع وإسرائه لزماننا.
  فإنه يقال: إن التبادر وإن كان لا يثبت إلا الوضع في زمن التبادر إلا أن الأمر لا يخلو من حالتين:
 اولا: إما أن اتيقن بأن الموضوع له سابقا هو نفس الموضوع له لاحقا من دون حصول نقل، وحينئذ أستطيع إثبات الوضع في السابق بالتيقن بعدم النقل.
 ثانيا: وإما أن أشك في حصول النقل، وهذا مورد أصالة عدم النقل، ومدركها بناء العقلاء القاضي بثبات اللغة وعدم تبدل أوضاعها وإلا لانسد باب استنباط الأحكام الشرعية.
  • بيان السيد الخوئي(قده) في المسألة وتوجيهه:
  يقول السيد الخوئي (ره) في المحاضرات ج1 ص 121 أنه: لا يخفى أن تبادر المعنى من اللفظ من غير قرينة في زماننا هذا علامة على كونه معنى حقيقيا للفظ في الازمنة السابقة على زمان التبادر، وذلك لبناء العقلاء وسيرتهم على ذلك في محاوراتهم، وقد يعبّر عنه بالاستصحاب القهقرائي، على عكس الاستصحاب المصطلح، فإن المتيقن من الاستصحاب القهقرائي لاحق والمشكوك سابق، وهذا حجة عند العقلاء، بل على ذلك يدور استنباط الاحكام الشرعية من الالفاظ الواردة في الكتاب والسنة، ضرورة أنه لولا اعتباره لا يثبت لنا أن هذه المعاني المتبادرة في زماننا هي المعاني الحقيقية في زمان صدور هذه الالفاظ.
  ونعِمَ القول ما قاله (قده), إلا أن الاولى التعبير بأصالة عدم النقل بدل التعبير بالاستصحاب القهقرائي، ذلك أن الاستصحاب على ثلاثة أقسام:
  1. استصحاب استقبالي وهو جرّ الحال المتيقن إلى المستقبل.
  2. استصحاب قهقرائي وهو جرّ الحال إلى الماضي.
  3. استصحاب متداول وهو جرّ الماضي إلى الحاضر.
  فحينما نستدل على حجية الاستصحاب, نستدل بقوله (ع) " لا تنقض اليقين بالشك "، وهو يشمل بإطلاقه الأقسام الثلاثة ومنها القهقرائي، ولكنهم قالوا بأن القهقرائي ليس حجة إلا في خصوص الالفاظ، وهو يخالف إطلاق الرواية ولا دليل عليه سوى بناء العقلاء, فإذن الدليل هو بناء العقلاء، وليس أدلة الاستصحاب، ومن هنا له أحكام بناء العقلاء من كونه أمارة لا أصلا، ولا معنى لتمييزه عن بقية أقسام الاستصحاب, من هنا كان الاجدر تسميته بأصالة عدم النقل لا باستصحاب القهقرائي.
  ويؤيد ما ذكرناه ما ذهب إليه الشيخ المظفر (ره) في كتابه أصول الفقه حول هذا الموضوع حيث قال: إن أصالة عدم النقل أصالة عقلائية لا علاقة لها باستصحاب القهقرى.
 ومن هنا تظهر الثمرة من البحث:
  حيث أنه قد يقال: أن الثمرة تظهر فيما لو قلنا أن الدليل هو بناء العقلاء وليس ادلة الاستصحاب, يكون امارة عندها ونعلم أن الثمار في ذلك كبيرة ومهمَّة جدا من حيث إثبات لوازمها الشرعية والعرفية والعادية والعقلية وذلك على القول بأماريتها, أما على القول بكونها أصل، فالاصل كما هو معلوم لا يثبت إلا اللوازم الشرعية.
  والثمرة الأخرى اننا نتبع حينئذ في بناء العقلاء في اثبات عدم النقل وعدمه سعة وضيقا، ولو قلنا بالاستصحاب القهقرائي باننا نتبع ايضا أدلة الاستصحاب سعة وضيقا.
 
 والحمد لله رب العالمين


[1] ليس المراد من الإجمال والتفصيل ما درسناه في المنطق, حيث يقال أن الانسان حيوان ناطق, والانسان مفهوم وحيوان ناطق مفهوم, فمفهوم الانسان هو بعينه مفهوم الحيوان الناطق، وقالوا انه لا بد للحمل من تغاير بين الموضوع والمحمول، فإذا كان نفس المفهوم ونفس المصداق فكيف يكون حملا بالحمل الذاتي الاولي؟ لا بد من التغاير إما بالمفهوم أو بالمصداق. التغاير واضح بالحمل الشايع الصناعي لأنه حمل على المصاديق، أما بالحمل الذاتي الاولي اين التغاير؟ فحمل الشيء على نفسه محال, فقالوا: يكفي التغاير ولو كان اعتباريا، من قبيل الانسان حيوان ناطق، فالتغاير هنا بالإجمال والتفصيل, فتكون النتيجة:( الانسان مفهوم اجمالي، حيوان ناطق مفهوم تفصيلي). مراد صاحب الكفاية (ره) بالإجمال هو وجود شيء مجملا في النفس دفين في الذاكرة بغض النظر عن تفاصيله، لذلك عبرت عنه بالعلم الارتكازي الدفين، كما إذا قلت لك كلمة بالفارسية، فيمكن اعطاء المعنى ربما بعد وقت، وهذا العلم بها أتى من علم دفين في الذاكرة، ولذلك قلنا التبادر ليس سرعة حصول المعنى، بل هو الخطور ولو بعد مدّة, فالتبادر خطور وهو أيضا ليس انسباقا قبل غير لإخراج المجاز المشهور لأنه ليس بتبادر.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo