< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

34/03/02

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: علامات الحقيقة والمجاز
  إشكال الإمام الخميني (ره):
  في مناهج الوصول ج 1 ص 127و 128 يشكل السيد الخميني (ره) بأن صحة الحمل لا تكون علامة على الحقيقة، لا في الحمل الذاتي الاولي ولا في الشائع الصناعي، لأن الاستشهاد (بصحة الحمل) إما أن يكون بصحته عنده أو عند غيره.
  أما الحمل الاولي عند المستعلم فإن التصديق بصحة الحمل الأولي يتوقف على العلم باتحاد المعنى مع اللفظ بما له من المعنى الارتكازي مفهوما، وهذا عين التصديق بوضع اللفظ للمعنى، فلا مجال لتأثير صحة الحمل في رفع الشك.
  وأما الحمل الأولي عند غيره فلأنه لا يمكن الكشف عن كونه حملا أوليا إلا مع تصريح الغير به، فيرجع إلى تنصيص أهل اللسان، لا إلى صحة الحمل أو العمل بوحدة المفهومين، فلا يبقى شك حتى يرفع بصحة الحمل.
  وأما الحمل الشائع فلما كان على قسمين: حمل بالذات وحمل بالعرض، فمع الترديد بينهما لا يمكن الكشف (إلا بالتصريح)، ومع التميز فلا شك حتى يرفع به، لأن العالم بأن الحمل بالذات عالم بالوضع قبل الحمل.
  ولكن يرد عليه: إن الذي ذكره (قده) في الحمل الذاتي الأولي يرجع إلى إشكال الدور. لأن كلامه (ره) هو أنه لا يمكن الحمل الأولي إلا بعد العلم باتحاد المفهومين، لأن الحمل الأولي ملاكه الاتحاد في المفهوم، وبالتالي يجب أن أعلم بالوضع قبل الحمل، فتكون صحة الحمل متوقفة على العلم بالوضع، والعلم بالوضع متوقف على صحة الحمل.
  والجواب عليه، نفس الجواب على الدور. هذا عند المستعلم.
 توضيح للإشكال وللإيراد عليه: كان الكلام في العلامات التي تدل على الحقيقة والمجاز ومنها صحة الحمل وعدم صحة السلب. سأبيِّن كيفية حصول آلية هذه العلامات وهي عملية البحث عن الموضوع له. ومع فهم هذه الآلية اعتقد أنه نستطيع أن نفهم كل الاشكالات التي وردت على هذه العلامات وأن نفهم أيضا الاجوبة عليها. فآلية صحة الحمل تختلف عن آلية التبادر وعن آلية عدم صحة السلب. عند الشك في الموضوع له حين لا أدري ما هو الموضوع له استفيد من هذه الآليات. فماذا اصنع؟
  اللفظ موضوع لمعنى ارتكازي في نفسي اعلمه إجمالا، وهذا المعنى الارتكازي هو المعنى الموضوع له وأنا ابحث عنه ما هو، فعملية البحث هذه لها أليات منها التبادر ومنها صحة الحمل ومنها عدم صحة السلب والاطراد والاستعمال وقول اللغوي وما ذكروه من علامات للحقيقة. حين البحث عن الموضوع له لفظ ما هو، في التبادر الذي هو اطلاق اللفظ، وما ينسبق من معنى للفظ يكون هو المعنى الحقيقي الموضوع له. أما في صحة الحمل فالآلية تختلف وهي أن أحمل اللفظ بما له من معنى ارتكازي الذي هو الموضوع له على المعنى الذي أشك أنه هو الموضوع له. مثلا: لفظ الاسد أشك أنه موضوع للشجاع أو للحيوان المفترس. فهنا أحمل اللفظ بما له من معنى ارتكازي في نفسي على هذا المعنى المتصور تفصيلا ولنفرضه الحيوان، فإن صح الحمل يكون المعنيان معنى واحدا لاتحاد المفهومين. فنستفيد أن المعنى الارتكازي هو نفسه المعنى التفصيلي. وإن لم يصح الحمل فمعناه انهما مفهومان مختلفان، فإذن هذا ليس موضوعا له، لان الموضوع له هو المعنى الارتكازي، فإذا لم يتحدا فيكون معنى مغايرا.
  فهذه آلية صحة الحمل ومع تصورها جيدا نفهم آليات حدوث هذه العلامات.
  وكما ذكرنا: إن صحة الحمل تكون عند المستعلم وعند ابناء المحاورة. فكما في التبادر ورد عليه الاشكال بالدور. ورُد الاشكال بأن الموقوف عليه الشيء غير الموقوف عليه. وقلنا أن التبادر وصحة الحمل هما علامتان وليستا علامة واحدة، هناك آليتان مختلفتان تماما، وكذلك صحة السلب أيضا نقول ان هناك آلية مختلفة، فالعلامات عبارة عن آلية تبحث عن المعنى الارتكازي وبذلك نفهم الخلاف والاشكال في كل العلامات.
  السيد الخميني (ره) يشكل: بأن صحة الحمل لا تكون علامة على الحقيقة، لا في الحمل الذاتي الاولي ولا في الشائع الصناعي، لأن الاستشهاد (بصحة الحمل) إما أن يكون بصحته عنده أو عند غيره.
  أما الحمل الاولي عند المستعلم فإن التصديق بصحة الحمل الأولي يتوقف على العلم باتحاد المعنى مع اللفظ بما له من المعنى الارتكازي مفهوما، وهذا عين التصديق بوضع اللفظ للمعنى، فلا مجال لتأثير صحة الحمل في رفع الشك. [1]
  فالسيد (ره) يقول: أن آلية الحمل أن أحمل اللفظ بما له من معنى ارتكازي مجمل الذي هو الموضوع له على المعنى المتصور تفصيلا وهو الحيوان، فإذا تم الحمل يكونان متحدان مفهوما وإلا فلا اتحاد.
 وذكرنا أن الحمل هو اتحاد ومغايرة، لا بد في الحمل من جهة اتحاد ومن جهة مغايرة، فالاتحاد الكامل محال لأنه حمل الشيء على نفسه، والمغايرة الكاملة أيضا، كيف تحمله؟!.
  بالحمل الذاتي الاولي الاتحاد مفهوما ومصداقا ولكن لا بد من مغايرة ولو بالاجمال والتفصيل كما في الحد والمحدود، مثل: الإنسان حيوان ناطق. وفي الحمل الشايع الصناعي تغاير بالمفهوم واتحاد في المصداق كالإنسان كاتب وشاعر.
  السيد الخميني (ره) يقول: عند المستعلِم إذا أراد أن يحمل بالحمل الذاتي الاولي أي الحمل على المفهوم وليس على المصداق. قالوا إن تم الحمل فهو علامة على الحقيقة.
  السيد يقول: أنه اصلا لا يتم الحمل الا بعد العلم باتحاد المفهومين، فإذا علم بأن المفهومين متحدان تم الحمل ولكن، وهذا عين التصديق بأنه موضوع له. بعبارة اخرى: يجب أن يسبق عندي العلم باتحاد المفهومين قبل الحمل حتى يصح الحمل. فاصل عملية صحة الحمل إنما قمنا بها لمعرفة أن المفهومين متحدان او لا؟، ولا يتم الحمل إلا بعد العلم باتحاد المفهومين. فما معنى هذه العلامة؟ فأصبحت لغوا لا فائدة فيها.
  الجواب: نقول: أن المستعلم هو ابن اللغة، وهو يختلف عن المتعلم بوجود الاحساس الخاص لديه، فعند استعمال اللفظ، بإحساسه ووجدانه اللغوي يشعر أن هناك مؤونة أو لا، فالإنسان الذي يعيش تفاصيل اللغة وتكون جزءا من حياته هو غير الأجنبي الذي يراقب اهل المحاورة.
  مثال على ذلك: عندما بحثنا مسألة طفل الانبوب من هي الأم؟ السيد الخوئي (ره) استدل بالآية الكريمة. " بسم الله الرحمن الرحيم، إن أمهاتهم إلا اللآئي ولدنهم " الولادة معناها ما كانت عن حبل، الحامل هي الأم. وكان جوابنا أن معنى الولادة يدور بين أن يكون النتاج عن حَبَل، أو كل ما كان ما كان نتاجا عن سبب حقيقي مثل حمل الجينات؟
  وقلت: أن الدليل على أن الولادة أعم مما كان عن حَبَل أن الاب أيضا يقال له والد مع كونه غير " حبلى "، وقد يقال أن الوالد هنا مجاز. وقلنا انني حين احمل والدً على الأب لا أحس بوجداني اللغوي كأبن لغة بالمجازية، وبصفتي ابن اللغة أقول أن الأم والدة والاب والد من دون أي مؤونة وتكلّف، ولذلك قلنا ان الآية الكريمة تدل باطلاقها على أن الأم هي الحامل وهي أيضا صاحبة البويضة، هما أمَّان معا.
  هذا المثال يوضح الفكرة وهي أن لفظ الولادة لأي شيء موضوعة، هل هي موضوعة لما كان عن حَبَل أو لمطلق الانتاج الحقيقي؟ هنا فلنقم بتطبيق علامة صحة الحمل لنعرف الموضوع له. فكلمة ولادة في نفسها لها معنى ارتكازي وأشك أنه هل هو ولادة ما كان عن حمل فتصبح الأم هي الحامل، أو الولادة ما كان عن جينات وراثية بغض النظر عن الحمل.
  نقول: أن صحة الحمل هي أن احمل لفظ الوالدة أو الوالد بما لها من معنى ارتكازي موضوع له إجمالي، احمله على المعنى التفصيلي وهو صاحب الجينات الوراثية. إن تم الحمل فهو الموضوع له لأن المفهومين متحدان.
  هنا السيد الخميني (ره) قال انه لا يتم الحمل من دون العلم مسبقا باتحاد المفهومين لان الحمل الذاتي الاولي لا يتم إلا باتحاد المفهومين. فهنا لسنا بحاجة لصحة الحمل فالغاية هي العلم باتحاد المفهومين، فاصبحت هذه العلامة لغوا.
  والجواب: أن كلامه صحيح المتعلم والاجنبي، ولكن حين اكون ابن اللغة واحمل كلمة والدة على صاحبة الجينات ويصح الحمل، وعندما احمل كلمة والد على صاحب الماء ويتم الحمل وارى بإحساسي ووجداني اللغوي انني لا احس بالمجازية ابدا، فلو كانت الولادة فقط عن حمل الولد لأصبح توصيف الوالد مجازا، مع العلم انني لا ارى المجازية وجدانا. هذا يعني انني عندما حملت لفظ الاب الوالد بما يحمل من معنى الوالد المشكوك على الاب تم الحمل وإذا تم الحمل يكونان مفهومان متحدان، فصارت كلمة الولادة ليست مختصة بالحمل بل عن كل انتاج حقيقي واقعي وليس مجرد الفاظ " وانهم يقولون منكرا من القول وزورا ".
  فإذن الاب والد فليس هناك أي مؤونة ولا مجاز إذن كلمت ولادة ليست موضوعة لنتاج للحبلى فقط بل هي موضوعة لكل انتاج حقيقي.
 وملخص الرد: أن المستعلم يعرف الحقيقة من المجاز بذوقه ووجدانه اللغوي، لأن المجاز فيه تكلف ومؤونة، فإذا لم يجد بإحساسه مؤونة وتكلف كان ذلك الحمل دليلا على الحقيقة. وهذا ما يختلف فيه المستعلم وابن اللغة عن المتعلم والأجنبي.
  فللننتبه لهذه النقطة. ومثالا على ذلك: يقال أن الشيخ الانصاري (ره) قد التقى وشيخ العراقين (ره) في مجلس فسأل الشيخ الانصاري شيخ العراقين انه كيف قلت في شخص قد اوصى بان اعطوا لاولادي كذا. اعطيت فقط الذكور ولم تعطي الاناث مع العلم ان الولد يصدق على كليهما. فأجاب شيخ العراقين أن هذا صحيح لغة ولكن الموصي اوصى بمفهوم عرفه الحالي. واشهد شيخ العراقين على كلامه بعض الحضور بسؤاله عن عدد اولاده فأجاب بان اولاده ثلاثة، مع العلم ان لديه ايضا خمس بنات. فأجاب الرجل بان السؤال كان كم ولد لديك. ففي عرفهم البنت ليست ولدا. المتعلم الشيخ الانصاري (ره) لا يعرف اسرار عرفهم بخلاف شيخ العراقين بفطرته ووجدانه اللغوي عرف شيئا آخر.
 هذا الكلام ايضا سينفعنا في كل العلامات وسنقول ان ابن اللغة عنده من المخزون الوجداني اللغوي ومنه يعرف التكلف من غيره، وبذلك سنجيب على كلام السيد الخوئي (ره) .
 
 والحمد لله رب العالمين.


[1] فائدة: زيادة الحروف على اصل الفعل تكون للزيادة في المعنى فمثلا: في " علم " نزيد الحروف أ، س، ت، " استعلم " أو في استكشف واستوضح، فزيادة هذه الحروف الثلاثة تأتي بمعنى طلب الشيء. ففي علم استعلم اطلب العلم بالوضع.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo