< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

34/03/11

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: علامة الحقيقة والمجاز
  تعارض الأحوال:
  يقول الشيخ الآخند (قده) في كفاية الأصول؛ الثامن: إنه للفظ أحوال خمسة، وهي التجوز والاشتراك والتخصيص والنقل والاضمار. لا يكاد يصار إلى أحدها فيما إذا دار الأمر بينه وبين المعنى الحقيقي إلا بقرينة صارفة عنه إليه.
  بيانه: هذه الاقوال الخمسة تقابل المعنى الحقيقي، ومراده هنا من المعنى الحقيقي هو الذي وضع له اللفظ ويكون ظاهرا فيه، لان المشترك وغيره أيضا معنى حقيقي. فالاصل عدم هذه جميعا.
  فالتجوز: هو استعمال اللفظ في غير ما وضع له.
  الاشتراك: هو وضع اللفظ لكل من المعنيين أو المعاني. فهو يحتاج إلى مؤونة وضع.
  النقل: هو وضع اللفظ لمعنى بعد أن كان موضوعا لمعنى آخر ونقل لعلاقة مناسبة أو حتى بدونها، وهذا الوضع الثاني، إن هجر المعنى الاول أصبح منقولا مثلا: القطار. [1]
  وإن لم يهجر المعنى الأول أصبح مشتركا لفظيا بين الأول والثاني.
  التخصيص: فهو إرادة بعض أفراد العام بإرادة استعمالية على المشهور بين القدماء، أو بإرادة جدِّية على مشهور المتأخرين. ومثاله: " أكرم العلماء، ثم أقول لا تكرم زيدا، وهو مرادي الجدي. فأكرم العلماء ظاهرها في العموم [2]
 ، واستخدام اللفظ الدال على العام في بعض افراد العام كما في " إلا زيدا " فإن كان في الارادة الاستعمالية صار مجازا، وإن كان بالإرادة الجدية كنا حقيقة.
 
 الاضمار: هو تقدير اللفظ في الكلام من دون تجوز لا في الاسناد ولا في الكلمة أما التجوز في الاسناد فهو اسناد اللفظ إلى غير ما هو مسند اليه في الواقع ، مثلا: جرى الميزاب. ولأما التجوز في الكلمة كما في زيد أسد، أي استعمال اللفظ في غير ما وضع له. وهو خلاف ظهور الكلام المستند إلى اصالة عدم التقدير.
  وهذه جميعا خلاف ظهور الكلام لأصالة عدم الاشتراك وأصالة عدم النقل وأصالة عدم المجاز وأصالة عدم التقدير. فلا يصار إلى واحدة منها إلا بقرينة صارفة عن المعنى الحقيقي إليه.
 يضيف المشكيني (ره) في حاشيته على الكفاية خمسة أحوال أخرى هي: النسخ والتقييد والكناية والاستخدام والتضمين. وكلها أيضا خلاف الظاهر تحتاج إلى قرينة.
  ويمكن القول برجوع النسخ إلى التخصيص، لان النسخ هو تخصيص في الازمان. وكذلك التقييد. [3]
 .
  والكناية: هي نوع من المجاز [4] لأنها استعمال اللفظ في غير ما وضع له مع إمكان حصول المعنى الحقيقي.
  والاستخدام: هو عود الضمير إلى غير ما هو له. مثلا قوله تعالى: " بسم الله الرحمن الرحيم، والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء " فهنا المراد من " المطلقات " عموم المطلقات لانه جمع محلَّى باللام، وبعده " وبغولتهن أحق بردهن " فالمطلقات " كونها عامة تشمل المطلقة الرجعية والبائنة و " بغولتهن " هنا فقط في الرجعيات، " فهن " ضمير يعود إلى " المطلقات " أي عاد إلى بعض ما هو له أو إلى غير ما هو له، فهذا يسمى استخداما والاصل عدمه.
 وأما التضمين: وهو كثير عند العرب، فهو إرادة بعض المعاني مما لا يشتمل عليه الموضوع له
 ولا المستعمل فيه، فهل هو مجاز؟ ومثال التضمين قوله تعالى: " والذين يخالفون عن أمره " [5]
 
 فهم منه الاعراض بقرينة التعدي بحرف " عن ". هل هو مجاز، أي استعمال اللفظ في غير ما وضع له؟ أو من قبيل استعمال اللفظ في المعنيين، الحقيقي والمجازي؟ أو من قبيل الاضمار فيكون التقدير في الآية: يخالفون معرضين عن أمره؟ أو هو من قبيل استعمال اللفظ في معناه الحقيقي بلا إضمار، مع الاشارة إلى أحد الأفراد، كأن يقال هنا: مخالفة الافراد تارة تكون مع الإعراض وأخرى بدون إعراض. فالتعدي بحرف " عن " إشارة إلى أحد الفردين الذي هو الاعراض؟.
 وعلى أيّة حال فكل هذه الاحوال العشرة، الخمسة التي ذكرها صاحب الكفاية والحمسة التي ذكرها تلميذه الشيخ المشكيني (ره) خلاف الاصل تحتاج إلى قرائن.
  ثم يقول صاحب الكفاية: وأما إذا دار الأمر بينها فالأصوليون وإن ذكروا لترجيح بعضها على بعض وجوها إلا أنها استحسانية لا اعتبار بها إلا إذا كانت موجبة لظهور اللفظ في المعنى لعدم مساعدة دليل على اعتبارها بدون ذلك كما لا يخفى. انتهى كلامه رفع مقامه.
  ونعم ما قال، فإن المتَّبع والمعتمد في هذا الباب هو الظهورات العرفية التي قد جرت السيرة العقلائية عليها في مقام فهم مرادات المتكلم دون الاستحسانات والامور الظنيّة التي لا دليل على اعتبارها إلا إذا أدَّت إلى ظهور عرفي، فيكون هو المعتمد في مقام ترتيب الأثر. فمثلا: لو دار الأمر بين الاشتراك والمجاز، قالوا: يقدم المجاز، لأن المجاز يحتاج إلى قرينة صارفة معاندة للمعنى الحقيقي ومؤونة ملاحظة علاقة مناسبة، والاشتراك يحتاج إلى مؤونة وضع، ولا شك أن مؤونة الوضع أثقل من مؤونة القرينة الصارفة. فنقتصر على الاخف.
  نقول ولكنه استحسان محض شبيه بعلل النحويين حتى اشتهر المثل: أوهى من حجة نحوي. فمثلا في علل النحو ما ذكروه في سبب رفع الفاعل، حيث قالوا: الرفع ثقيل والفاعل عمدة، فأعطي الثقيل للعمدة. وما ذكروه في سبب نصب المفعول حيث قالوا: النصب خفيف والمفعول فضلة فأعطي الخفيف للفضلة. وقد كثرت هذه الاستحسانات عند القدماء.
 والحمد لله رب العالمين.


[1] الصلاة كانت موضوعة للدعاء ونقلت لمعنى آخر، ولكن سنبيّن ان شاء الله ان للصلاة معنى خاص غير الدعاء، وكل حقيقة بحسب لغتها واصطلاحها. مثلا: الصلاة باصطلاح المتشرعة حقيقة في هذه الافعال المطلوبة من الشارع، وحتى في اصطلاحهم يمكن أن تستعمل الصلاة مجازا كالصلاة على الميت التي هي دعاء ولذلك لا تحتاج للشروط المطلوبة في الصلاة اليومية الفعلية. فصارت صلاة الميت مجازا في الاصطلاح الشرعي الذي كان منقولا عن الاصطلاح اللغوي. وكلمة قطار كانت موضوعه لقطر الابل فصارت موضوعه لقطر الآليات.
[2] قالوا: الجمع المحلَّ باللام يفيد العموم بالوضع.
[3] ما الفرق بين التخصيص والتقييد؟ وما الفرق بين العام والمطلق؟ بعضهم فرق بين العام والمطلق في الاصطلاح، بأن العام يكون بالوضع، والمطلق يكون بمقدمات الحكمة. ونحن قلنا في الفرق، أن العموم يعني الشمول وهو ما كان بلحاظ الأفراد، والمطلق ما كان بلحاظ الاحوال والازمان والظروف. ومثاله: أكرم زيدا. زيدا فرد واحد لكنه مطلق بلحاظ أحواله وازمانه وظروفه. فالتخصيص مقابل العموم، والتقييد مقابل الاطلاق الذي هو الارسال بلحاظ أي حال وأي زمن. ونستطيع أن نقول: ان المطلق هو عموم ازماني واحوالي وظرفي بلحاظ أفراد الأزمان والاحوال والظروف. لذلك نستطيع أن نعيد التقييد إلى التخصيص.
[4] ما الفرق بين الكناية والمجاز. المجاز هو استعمال اللفظ في غير ما وضع له بحيث لا يمكن أن يوجد الموضوع له. أما في الكناية يمكن وجود الموضوع له، ولذا قيل بأن الكناية أبلغ من التصريح لأنه وجود الحكم مع دليله، فعندما أقول: زيد كثير الرماد كناية عن الكرم، فكانه قال: زيد كريم لأنه كثير الرماد. ولذا وقع الاشكال في الكناية بانه إذا كان المعنى المجازي وهو المعنى المستعمل فيه وايضا المعنى الحقيقي موجود، فصار من باب استعمال اللفظ في معنيين المعنى المجازي والمعنى الحقيقي. والجواب هو أن الكناية هي استعمال اللفظ في المعنى المجازي مع امكان وجود المعنى الحقيقي، بعكس المجاز كما في زيد أسد، فلا يمكن أن يوجد المعنى الحقيقي.
[5] فائدة: لقد درسنا في معالم الدين الذي هو كتاب فقهي لابن الشهيد (ره) وجعل للكتاب مقدمة اصولية يبين فيها آراءه الأصولية، فهذه المقدمة استقطعت وصارت كتابا مستقلا في الاصول، وعندما نقرأ المعالم الذي انصح بقراءته تجدون ذوق القدماء في الاصول، لأنه مفصل جامع وبعده حصل التطور. ففي المعالم يذكر هذا الآية " والذين يخالفون عن أمره " ويستشهد بها على أن الامر حقيقة في الوجوب.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo