< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

34/04/08

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: الصحيح والأعم
  تصوير الجامع على القول بالوضع الصحيح:
  ملخص قول صاحب الكفاية (ره): لا بد من جامع يكون هو المسمى وهو الموضوع له، وهذا الجامع تصويره على الصحيح سهل بخلاف تصويره على الاعم. فعلى الصحيح إما أن يكون مركبا أو بسيطا، وهو مع كثرة واختلاف الحالات لا يكون مركبا. والبسيط لا يخلو الأمر فيه إما أن يكون عنوان المطلوب أو ملزوما له. وفي عنوان المطلوب ثلاثة إشكالات:
  الاول: أنه يلزم الترادف بين عنوان المطلوب وعنوان العبادة بل كل العبادات.
  الثاني: يلزم الدور والخلف، لان أخذ ما لا يتأتى إلا من قبل الطلب في متعلّقه يؤدي إلى دور وخلف.
  الثالث: يلزم عدم جريان البراءة، لان مشهور من قال بالصحيح قال بجريانها.
  بيان الازم الثالث: إذا شككت في شرط أو جزء أو مانع أو قاطع أو رافع إلى آخره، شككت في أي شيء له علاقة في العبادات، كيف يجري الاستنباط؟ مثلا: في حصى الجمار هل يشترط أن تكون أبكارا؟ أي أن لا يكون قد رمي بها؟.
  فعلى المنهجية التي ذكرناها: هذه شبهة حكمية، أولا أبحث عن علم، ولا يوجد هنا قطع فانتقل إلى العلميات، وفي العلمي توجد رواية واحدة في فقه الامام الرضا (ع) تقول باشتراط أن تكون حصى الجمار أبكارا. فإن تمت هذه الرواية بعد تشكيكهم في فقه الامام الرضا (ع)، ويمكن تتميم اعتبارها بالشهرة العملية، بعمل الاصحاب الذي يجبر ضعف الرواية. فإذا لم تتم نأتي للأصل اللفظي من إطلاق أو عموم فنقول: إن هذا الرمي يصدق عليه أنه رمي بالحصى، فإذا تم العنوان وبعده اشك في قيد زائد، فأقول: لو اراد لبيّن ولما لم يبين ببيان معتبر فأعمل حينئذ بأصالة الاطلاق. فاذا لم تجري اصالة الاطلاق لعدم الظهور نأتي للأصل العملي، وهو التالي: كل ما أشك فيه في إي عبادة في جزء أو شرط في أقل أو اكثر، استقلاليين أو ارتباطيين. إن كانا استقلاليين يجري أصل البراءة إجماعا لأنه شك في التكليف. وإن كانا ارتباطيين فقد وقع الخلاف في جريان أصل الاحتياط فيجب الاتيان بالجزء؟ أم يجري أصل البراءة فلا يجب؟.
  وللتوضيح بمثال آخر: إذا رميت الجمرة ولم اصب، هل يصح الرمي؟ فإذا انطبق عنوان الرمي عليه يجري أصل الاطلاق ويكون أصلا لفظيا، فلا يشترط الرمي بالاصابة. وإذا لم ينطبق عليه العنوان بأنه " رمى الجمرة "، حينئذ لا يجري الاصل اللفظي فلا بد من الانتقال إلى الاصل العملي الذي هو مجرى الاقل والاكثر الارتباطيين. في الارتباطيين بعضهم قال بجريان أصل الاحتياط وأكثرهم يقول بالبراءة.
  وهنا في هذه المسألة إذا قلنا أنه موضوع للصحيح وشككت في جزء كما في " الصلاة " بأن السورة بعد الحمد واجبة أو لا؟ فإذا كان موضوعا للصحيح حينئذ أشك في صحة الصلاة، أشك في تحقق العنوان، فيكون الشك في التسمية فلا يجري أصل الاطلاق اللفظي فانتقل إلى الاصل العملي فتصبح هذه المسألة من مجريات المسألة الاصولية التي سنبحثها في مبحث الاصول العملية وهو عند الشك في الاقل والاكثر الارتباطيين، هل هو مجرى البراءة أو الاحتياط؟
  فمع القول بالاحتياط فلا بد من الاتيان بالسورة الجزء المشكوك، وإذا قلنا بالبراءة فلا يشترط الاتيان بالسورة. ونذكر بأن مجرى الاحتياط هو عند الشك بالامتثال أي عند الشك في المحقق، ومجرى البراءة عند الشك في أصل التكليف.
  نعود لقول صاحب الكفاية (ره): ثالثا: لو كان الجامع هو البسيط بعنوان المطلوب، هذا يلزمه عدم جريان أصل البراءة مع الشك في أجزاء العبادات وشرائطها، لأن الصلاة مثلا لو كانت هي هذه المركبات الخارجية فمع الشك في جزء أو شرط كان المأمور به مجملا وكان الشك في التكليف أي ينقلب الشك من المحقق إلى الشك في التكليف - أي يؤدي إلى الشك في وجوب الاتيان بالجزء أو الشرط وهو مورد اصالة البراءة.
  وللتذكير يقول الشيخ الانصاري (ره) في هذه المسألة: إنه عند الدوران بين الاقل والاكثر يكون الشك في التكليف، فعندما أصلي وأشك في وجوب السورة وأتيت بالصلاة من دونها، هل الصلاة الناقصة تعتبر إتيانا بالمأمور به؟ هل حقق المأمور به؟ بداية نقول لم يتحقق المأمور به، لأنه شك في الامتثال وعندها يجري أصل الاحتياط أو أصل الاشتغال، لان الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.
  فإذن الاصل في الاقل والاكثر الارتباطيين هو الاشتغال والاحتياط، لكن الكثير من الاصوليين بل اكثرهم قال إن الأقل والاكثر الارتباطيين ينقلب فيه الامر إلى استقلاليين بأدلة ذكروها، أي ينحل الامر الاجمالي إلى أمر بعشرة أجزاء مثلا في " الصلاة " وأمر آخر بجزء مستقل، فتتم الصلاة بالعشرة أجزاء ويبقى الجزء المستقل المشكوك وجوبه الذي هو السورة، فصار شكا في التكليف إذن هو مجرى البراءة.
  يقول صاحب الكفاية في الاشكال على ذلك: بأن الجامع هو أمر بسيط فلو كان أمرا مركبا لدار الامر بين الاكثر والاقل الارتباطيين فيكون مجرى البراءة، وذلك على قول القائلين بالصحيح. أما لو كان بسيطا فلا وجود للأقل والاكثر حتى نقول بأصل البراءة، أي الشك بالتكليف بالأكثر، وعليه يجري أصل الاشتغال، وما نحن فيه من هذا القبيل فلا إجمال في المأمور فيه لأنه أمر بسيط وهذه المركبات الخارجية محققات وكان الشك في الجزء أو الشرط شكا في المحقق وهو مجرى أصل الاحتياط كما حقق في محله مع العلم أن مشهور القائلين بالصحيح قائلون بجريان أصل البراءة في مثل هذه المسألة في العبادات.
  هذا اللازم الثالث وهو عدم جريان البراءة إذا قلنا بأن الجامع هو عنوان المطلوب وهو أمر بسيط، مدفوع....
  قول صاحب الكفاية (ره): مدفوع بأن الجامع هو مفهوم واحد منتزع عن هذه المركبات المختلفة زيادة ونقيصة بحسب اختلاف الحالات متحد معها نحو اتحاد، وفي مثله يجري البراءة، وانما لا تجري فيما إذا كان المأمور به امرا واحدا خارجيا مسببا عن مركب مردد بين الأقل والأكثر كالطهارة المسبَّبة عن الغسل والوضوء، فيما إذا شك في أجزائهما. هذا على الصحيح، وأما على الاعم فتصوير الجامع في غاية الاشكال.
  بيان قوله (قده): شتان بين المقامين، فليس مقامنا من قبيل السبب والمسبب الخارجيين، إذ لو كان كذلك، أي أن المسبَّب وهو المأمور به أمر بسيط والسبب أمر مركب مباين له في الخارج، ووقع الشك في أجزائه وشرائطه لانتفى أصل البراءة وجرت أصالة الاحتياط، لأنه شك في المحصّل والمحقق، كالطهارة المسببة عن الغسل والوضوء فيما إذا شك في أجزائهما أو الشرائط، وأما فيما نحن فيه، فالمأمور به والمركب الخارجي ليسا متباينين، بل هو متحد معه خارجا، والجامع وهو المأمور به والمسمى مفهوم بسيط منتزع من هذه المركبات المختلفة زيادة ونقيصة بحسب اختلاف الحالات، ولما كان الأمر بالمنتزع أمرا بمنشأ انتزاعه كانت هذه المركبات الخارجية هي المأمور بها، ويكون الأمر فيها دائرا بين الأقل والاكثر ويكون الشك في الجزء أو الشرط شكا في التكليف كما حقق في محله، وهو مجرى أصل البراءة.
  وبيان ذلك: أن صاحب الكفاية يقول: إنه تارة يكون المأمور به وهو المسبب ناشئا عن سبب خارجي وتارة هو مسبب منتزع من أمر خارجي، مثاله: الغسل والوضوء هذه المركبات الخارجية هي المأمور بها وانتزع منها الطهارة، وتارة الطهارة هي المأمور به وسببها المركبات الخارجية. فإذا كان المطلوب الطهارة هذه الحالة النفسية البسيطة وهي مسببة من المركب الخارجي بغسل الرأس وبقية الجسد، بعد الغسل تتحقق الطهارة، فالطهارة مسبب عن أمر خارجي مباين له والعلاقة بينهما هي علاقة السبب والمسبب، في هذه الحالة يجري أصل الاحتياط مع الشك في المحصل بين الاقل والاكثر. أما في حالتنا فالطهارة هي أمر منتزع من المركب الخارجي وليس مباينا له، ومتحد معه بنحو من الاتحاد، والامر الانتزاعي ليس له تأصل الا بمنشأ انتزاعه وهو الواقع الخارجي وانتزع منه الصورة. ومفهوم المسمى المطلوب هو أمر بسيط منتزع من الامور الخارجية، متحد معه نحو اتحاد، في مثله تجري البراءة ولا يجري الاحتياط، نعم يتباينان مفهوما فالأمر الخارجي ليس محققا بل هو نفسه مطلوبا. فجواب صاحب الكفاية: أن المطلوب أمر انتزاعي وليس أمرا محققا وفي مثله يجري البراءة. وبعبارة أخرى: قلب صاحب الكفاية (ره) المأمور به من مباين للمركب الخارجي إلى منتزع منه، وبهذا ينقلب المأمور به من بسيط إلى مركب.
  نعود لما ذكره صاحب الكفاية (ره): إنه لا بد من جامع بين الافراد يوضع له الاسم وتصويره على الصحيح سهل، فهو وإن لم يتصور بنفسه ولكن يمكن تصوره بأثره، فإذن الاثر ناتج عن مؤثر واحد وهو الجامع تطبيقا لقاعدة " أن الواحد لا يصدر إلا عن واحد "، وهي قاعدة فلسفية، إذ لا بد من سنخية بين العلّة ومعلولها، والواحد بما هو واحد لا يعقل مسانخته للكثير بما هو كثير، إذن لا بد من الالتزام بأن العلّة هي الجامع بين الكثير وهو أمر واحد. بعبارة اخرى: يستكشف الجامع من الأثر بنحو الإن أي الانتقال من المعلول إلى العلَّة.
  سنوضح هذه القاعدة بناء على جريانها وسننقل كلام السيد الخوئي (ره) في رده على صاحب الكفاية (ره) ونعلّق عليه.
 
 
 
 
 والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo