< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

34/04/29

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: الصحيح والأعم
 مناقشة المحقق القمي (ره) في كون الجامع على الأعم هو الأركان
  ملخص ما ذكرنا: أن التسمية تدور مدار الأركان، وهو ما نسب للمحقق القمي (ره)، وهذا التصور للجامع على الأعم يرجع إلى أمرين:
  الأول: أن الموضوع له المسمى هو خصوص الأركان فقط.
  الثاني: أن بقية الأجزاء والشروط دخيلة في المطلوب لا في المسمى والموضوع له.
  وأشكل عليه صاحب الكفاية (ره) بثلاثة إشكالات.
  الاول: يلزم عدم صدق الصلاة مع الإخلال ببعض الأركان. كما لو اخل بالركوع، فالصلاة لا تصدق لان احد اجزاء المسمى غير موجود.
  الثاني: صدق الصلاة مع الإتيان بالأركان والإخلال بسائر الشرائط.
  الثالث: لزوم أن يكون الاستعمال في المأمور به مجازا لكونه استعمال اللفظ الموضوع للجزء في الكل أي أن اللفظ موضوع للأركان واستعمل في مجموع الاركان والأجزاء الأخرى. وهذا ليس من باب استعمال الكلي في فرده كي يكون حقيقة، بل من باب استعمال لفظ الجزء في الكل.
  في الحقيقة نجد أن مردَّ هذه الاشكالات جميعا يعود لأمر واحد وهو: قياس المركبات الاعتبارية على المركبات الحقيقية.
 وقد أجيب عن هذه الايرادات بأجوبة متعددة وذكرنا النقاط الثلاثة.
  أما النقطة الرابعة: قد يكون الاعتبار في المركب الواحد للهيئة والمواد فانية فيها، فالوحدة مأخوذة في الهيئة والمواد على نحو البدل.
  ولا بأس أن نقدِّم بيانا لكيفية اعتبار المركبات ذكره السيد الخميني (قده) في كتاب مناهج الوصول الجزء الأول ص 155 157 وذلك في مقام بيان الجامع على الاعم.
  يقول (ره): إن المركبات الاعتبارية التي عَرضَتها وِحدة ما، على قسمين:
  أحدهما: ما يكون الكثرة ملحوظة فإن العشرة وإن لوحظت واحدة فتكون مقابل العشرتين والعشرات ومفردهما، لكن الكثرة فيهما ملحوظة وكذا المجموع، وفي مثلها يُفقد الكل بفقدان جزء منها، فلا يصدق العشرة ولا المجموع إلا على تام الأجزاء والشرائط. (وهذا يناسب الوضع للصحيح).
  ثانيهما: ما تكون الكثرة فيه فانية في الوحدة والهيئة فناء المادة في صورتها، ففي مثلها تكون شيئية المركب الاعتباري بصورته التي هي الهيئة العرضية الاعتبارية لا بمادته، وتكون المادة فانية في الهيئة وهي قائمة بالمادة متحدة معها، ولذا لا يضرّ اختلاف المواد أي اختلاف عرض لها بشيئية المركب الكذائي، فالسيارة سيارة ما دامت صورتها وهيئتها محفوظة، من أي فلز كانت مادتها، فالمادة مأخوذة بنحو اللابشرط والعرض العريض بمعنى عدم اللحاظ في مقام التسمية إلا للهيئة والمواد فانية فيها، والهيئة أيضا مأخوذة بنحو اللابشرط والعرض العريض، فالسيارة مركوب خاص لما صنعها صانعها سماها باسم، فانية موادها في هيئتها وغير ملحوظ فيها هيئة خاصة لا تتعداها، وهذا معنى اللابشرط في الهيئة والمادة [1]
  [3] ، ولهذا تصدق على المركوب الخاص أي هيئة أو مادة كانت. ثم إنه قد يعتبر في المركبات الاعتبارية مواد خاصة، ومع ذلك تكون في مقام التسمية فانية في الهيئة، وتؤخذ الهيئة لا بشرط من جهة أو من جهات، فيصدق الاسم مع تحقق سنخ المواد بنحو العرض العريض مع الهيئة كذلك فلا يمكن التعبير عنها إلا بأمور عرضية. انتهى كلامه أعلى الله مقامه.
  والمهم من كلامه (ره) أن الهيئة كما المادة يمكن أن تكون مأخوذة على نحو اللابشرط وعلى نحو البدلية، وذلك في حال صدق المسمى عليها.
  ولا بأس أن نعلِّق على كلامه (ره): فبعد أن اختار أن الجامع هو هذا المركب الخاص الذي اسمه " صلاة " وتكون الصلاة عبارة عن ماهية خاصة إعتبارية مأخوذة على نحو اللابشرط فانية فيها مواد خاصة، مأخوذة كذلك أي على نحو اللابشرط، فمواد الصلاة ذكر وقرآن وكروع وسجود، على نحو اللابشرط صادقة على الميسور منها وهيئتها صورة أفعالية خاصة نسبتها إلى المواد نسبة الصورة إلى المادة، لكن الهيئة أيضا أخذت لا بشرط من بعض الجهات، كهيئة السيارة، ولا يمكن أن يعبَّر عنها إلا بعناوين عرضية كالعبادة الخاصة، كالتعبير عن السيارة بالمركب الخاص من غير أن يكون لها جنس وفصل يمكن تحديدهما بهما. انتهى كلامه رفع مقامه.
  نقول: إن هذا التصوير ممكن، لكنه لا يؤدِّي إلى تصوير الجامع ولا دليل عليه، لأن التعبير بالمركب الخاص لا محصل له. ثم لا يوجد ما يشير إليه على تصور الجامع للأعم كما في الصحيح.
  ونعود إلى كلام صاحب الكفاية (ره) لنجد الجواب على إرادته الثلاث:
  أما الايراد الثالث وهو لزوم مجازية الاستعمال في الصلاة الصحيحة وغيرها إذا كانت مشتملة على الأركان وغيرها.
  فهو غير مسلَّم، بل نقول بصدق " الصلاة "، ألا ترى لو أن شخصا أتى بالأركان ونسي كل شيء غيرها، ألا يحكم بصحة صلاته، وكيف تكون الصلاة صحيحة ولا يصدق عليها أنها " صلاة ".
  وأما الإيراد الاول فقد رفضه بعض الاصوليين؛ يقول السيد الخوئي (ره) أعلى الله مقامه في المحاضرات ص 163: ومن هنا يظهر بطلان ما أفيد من أن لفظ الصلاة يصدق على الفاقد لبعض الأركان فيما إذا كان واجدا لسائر الأجزاء والشرائط. فوجه الظهور (البطلان) هو ما عرفت من أن الروايات الكثيرة قد دلَّت على أن حقيقة الـ " الصلاة " التي تتقوم بها هي التكبيرة والركوع والسجود والطهارة من الحدث، والمراد منها أعم من المائية والترابية، كما أن المراد من الركوع والسجود أعم مما هو وظيفة المختار أو المضطر. فقد أصبحت النتيجة أنه لا مانع من الالتزام بأن الموضوع له هو خصوص الاركان، ولا يرد عليه شيء مما تقدَّم.(وهذا تأيد لكلام المحقق القمي (ره)).
  ونعلّق على كلام السيد الخوئي (ره): لقد قلت: إن كيفية الاعتبار والتسمية نأخذها من المعتبر نفسه.
  أولا: فالأركان لم نفهم منها أنها ما لها دخالة في التسمية، بل هي أجزاء تتميز بأحكام خاصة، ولذا فالركن في الصلاة يختلف عن الركن في الحج، لأن الركن في الحج ما يبطل الحج بتركه عمدا لا سهوا، ولذا فاصطلاح الركن هي مسألة انتزاعية عند أهل الفن، أخذوها من أحكام خاصة ولا علاقة لها بالتسمية، بل لها دخالة في تحصيل الغاية أو تحصيل الأثر أو المطلوب أو في المأمور به.
  ثانيا: إنه لو كان الموضوع هو الأركان فإن استعمالها في صلاة الغريق، هو نيتة وتكبيرة فقط إذا كان عاجزا عن غيرها، فهل تكون مجازا؟ مع العلم انها صلاة صحيحة، والاركان كلها غير موجودة.
  فتحصل في التعليق: أن الاركان لم نفهم منها ما له دخالة في التسمية، " فلا تعاد الصلاة " لا يعني أن لها دخالة في التسمية، بل هي أجزاء تتميز بأحكام خاصة، فالركن في الصلاة يختلف عن الركن في الحج كما ذكرنا. وفقدان ما له دخالة في التسمية يسقط المسمى سواء كان عن عمد أو سهو أو نسيان أو غيره، وبهذا يتضح أن انتزاع الركنية في الصلاة أو في الحج لا علاقة له بالتسمية.
  إلفات: قد يدعى ظهور بعض الروايات في دخالة الركن في التسمية كما في تقسيم الصلاة إلى ثلاثة: ركوع وسجود وطهارة من الحدث. وهذا وإن كان لا يبعد ظهوره في المسمى، إلا أن صلاة الغريق التي لا ركوع فيها تنفي ذلك.
 
 والحمد لله رب العالمين.


[1] كما في كلمة سلاح، كان مصداقه السيف وغيره في ذلك الزمن وأما اليوم يصدق على الصواريخ وغيرها، فلا يجتمعان في شيء من مادة وهيئة.
[2] فقد تبيّن أن الاستعمال حقيقي لأن الأجزاء الأخرى مأخوذة على نحو اللابشرط. ومثلنا لذلك بالدار التي تشمل اركانها ووجود البئر فيها.
[3] وأما الإيراد الثاني وهو عدم صدق الصلاة عليها مع الاتيان بالأركان والاخلال بساير الأجزاء والشرائط الأخرى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo