< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

34/11/16

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: الاشتراك والترادف
نسأل الله تعالى أن يكون في التوقف عن الدراسة الذي مر بمناسبة شهر رمضان المبارك أعاده الله علينا و عليكم بالخير والبركة وأن يكون ثوابا وأجرا ورحمة، أن تكون هذه العطلة قد استفدنا منها دراسيا وتبليغيا، لأن التبليغ ومعاشرة الناس كما ذكرت مرارا له أثر كبير في استنباط الاحكام، لأن الاحكام عبارة عن جعليات تحاكي أمور ونظام ومعاش الناس، والروايات عن أهل البيت (ع) يخاطبون الناس، فعندما تحاكي الناس تفهم الروايات بشكل افضل وظهور الروايات يكون بشكل آخر، على خلاف من لا يعاشر الناس، وكما ذكرت أن نهتم بالشؤن الادبية والفنية للغة العربية لما لها من أثر كبير في فهم النصوص، وإنما نشأت مباحث الألفاظ في علم الأصول لتحقيق صغريات حجية الظهور، وإلا إذا كان الظهور هو الحجة فلا حاجة للبحث في الوضع والأصل والموضوع له والمشتق وغيرها. يقولون أن الغاية من مباحث الألفاظ هي إعانة المكلف في فهم النص على تشخيص صغريات حجية الظهور.
إن شاء الله عز وجل أن يكون عملكم التبليغي أحد أوجهه فهم الناس وما يفهمون جيدا لأن احد جزئي عمل طالب العلم ﴿ فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [1] عندنا " تفقه " وانذار " والانذار يعني التفاعل مع الناس ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ﴾ [2] وهو احد قسمي النشاط والفاعلية المطلوبة من طالب العلم. وطالب العلم ليس عنده عطلة أصلا بمعنى التوقف الكامل، إما أن يدرس وإما أن يدرس وإما أن يبلغ وإما أن يرتاح لأجل الوصول إلى هذه الأمور. اسأل الله تعالى أن يكون العام المنصرم في الأجر والثواب والرحمة والفائدة، واسأل الله أن يكون العام القادم أيضا كذلك فيه الثواب والرحمة والفائدة، وأن يدفع البلاء خصوصا في الاوضاع الصعبة التي لم نمر سابقا بأمثالها.
الاشتراك:
والمراد هنا الاشتراك اللفظي، ذلك أن المشترك في الاصطلاح على معنين: مشترك معنوي، ومشترك لفظي.
والمشترك المعنوي هو المعنى المشترك بين عدّة معان، كالإنسان المشترك بين زيد وبكر وعمرو، فهو الكلي بكل تقسيماته، من جنس أنوع أو فصل أو خاصة أو صنف أو ........
والمشترك اللفظي هو لفظ واحد موضوع لأكثر من معنى، فيكون اللفظ موضوعا بأوضاع متعددة، ويكون كل معنى قد وضع له اللفظ وضعا على حدة.
ومحل البحث هو المشترك اللفظي.
وقبل البدء نذكر مسألة لم تذكر في كتب الأصول ولعلّه لاشتراكها مع عدة من مسائل مباحث الألفاظ وهي الثمرة من هذا البحث، فإذا كان الاشتراك لم يقل بمحاليته إلا القليل وقد نقل الاشتراك كثيرا فما الثمرة. فالاشتراك هو وضع لفظ لعدة معان كل معنى على حدة، أن نعلم أن الاشتراك ممكن معناه أن اللفظ يكون موضوعا للمعنيين، مثلا صيغة الأمر موضوعة لمعنى واحد للوجوب أو للوجوب والاستحباب كما ذكر الشريف المرتضى (ره)؟.
وإذا كان موضوعا لاحدهما ابحث حينئذ عن الموضوع له، بينما إذا كان مشتركا يمكن أن يكون موضوعا للأمرين معا.
إذا كان موضوعا لأمر واحد ينفعني بحالتين:
الاولى: بناء على القول بأصالة الحقيقة تعبدا، وذكرنا سابقا أن هناك منحيين في مسألة الأصول اللفظية.
الاول: القدماء قالوا بأصالة الحقيقة تعبدا، أي الاصل في اللفظ الاستعمال بالمعنى الحقيقي تعبدا، فإذا سمعت لفظا والأمر يدور بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي أحمله على المعنى الحقيقي وإن لم يكن ظاهرا. بناء على هذا المنحى الاشتراك وعدم الاشتراك له أهمية، فاللفظ موضوع لمعنيين، يختلف عن أن اللفظ موضوع لمعنى واحد. فإذا عينت المعنى الحقيقي للفظ أحمله عليه حينئذ.
وإذا كان المشترك ممكن أي أصبح هناك معنيين أصبح المعنى مبهما مجملا بين معنيين وحينئذ احتاج إلى قرينة معينة [3].
وأما على الثاني القول بأصالة الظهور فإذا كان المشترك ممكنا أصبح لدينا وضعان، فالاستعمال بالمعنى الحقيقي هو الاغلب والأكثر فتكون كبقية مباحث الالفاظ معينة على تشخيص صغريات حجية الظهور.
والكلام في المشترك اللفظي في ثلاث جهات:
الأولى: في إمكانه أو وجوبه أو امتناعه.
الثانية: في وقوعه.
الثالثة: في منشأ حصوله.
والحق إمكانه بل وقوعه، ولا داعي للكلام فيه لولا تطرّق علمائنا رضوان الله عليهم، وسنحذو حذوهم مختصرين في مسالة الاشتراك ونستفيد منها في مسائل أخرى إستطرادية.
ونذكر هنا كلام صاحب الكفاية (ره) حيث يبين ثلاثة أمور.
الاول: الدليل على وقوع الاشتراك. الثاني: الدليل على محالية الاشتراك. الثالث: الدليل على وجوب الاشتراك.
يقول (ره):{ الحق وقوع الاشتراك، للنقل والتبادر، وعدم صحة السلب، بالنسبة إلى معنيين أو أكثر للفظ واحد. وإن أحاله بعض، لإخلاله بالتفهم المقصود من الوضع لخفاء القرائن، لمنع الإخلال أولا، لإمكان الاتكال على القرائن الواضحة، ومنع كونه مخلا بالحكمة ثانيا، لتعلق الغرض بالإجمال أحيانا، كما أن استعمال المشترك في القرآن ليس بمحال كما توهم، لأجل لزوم التطويل بلا طائل، مع الاتكال على القرائن والاجمال في المقال، لولا الاتكال عليها. وكلاهما غير لائق بكلامه تعالى جل شأنه، كما لا يخفى، وذلك لعدم لزوم التطويل، فيما كان الاتكال على حال أو مقال أتي به لغرض آخر، ومنع كون الاجمال غير لائق بكلامه تعالى، مع كونه مما يتعلق به الغرض، وإلا لما وقع المشتبه في كلامه، وقد أخبر في كتابه الكريم، بوقوعه فيه قال الله تعالى: ( فيه آيات محكمات هن أم الكتاب واخر متشابهات). وربما توهم وجوب وقوع الاشتراك في اللغات، لأجل عدم تناهي المعاني، وتناهي الألفاظ المركبات، فلا بد من الاشتراك فيها، وهو فاسد لوضوح امتناع الاشتراك في هذه المعاني، لاستدعائه الأوضاع الغير المتناهية، ولو سلم لم يكد يجدي إلا في مقدار متناه، مضافا إلى تناهي المعاني الكلية، وجزئياتها وإن كانت غير متناهية، إلا أن وضع الألفاظ بإزاء كلياتها، يغنى عن وضع لفظ بإزائها، كما لا يخفى، مع أن المجاز باب واسع، فافهم }.[4]
بيانه: ذكر الدليل على الاشتراك، النقل والتبادر وعدم صحة السلب.
ثانيا: قال بعضهم باستحالة حصول الاشتراك، وذلك لأنه يخلُّ بالتفهيم المقصود من الوضع [5]، فإن الحكمة من الوضع هو بيان ما في النفس كما يقول الشاعر:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما****جعل اللسان على الفؤاد دليلا
ومع الوضع لأكثر من معنى يكون معنى اللفظ مرددا بين أكثر من واحد، وينتفي بيان ما في الفؤاد.
وأجاب الشيخ الآخوند (ره) بأمرين:
فتارة يكون هذا الدليل دليلا على منع استعمال المشترك عند العرف.
وتارة يكون منع استعمال المشترك في القرآن، أو منع استعمال المشترك عند العرف لخفاء المعنى لخفاء القرائن.
فالجواب: أولا: نتكل على القرائن الواضحة فيتم البيان، وتتم حكمة الوضع.
ثانيا: أن الغرض من المتكلم قد يكون الإهمال أو الإجمال.
والفرق بين الابهام الإهمال والإجمال: الابهام أن يكون المعنى غير واضح وهو مشترك بين الإجمال والاهمال، والإهمال هو عدم الوضوح، وإنما الإجمال فهو قصد عدم الوضوح [6].
نعود لكلام صاحب الكفاية: {كما أن استعمال المشترك في القرآن ليس بمحال كما توهم، لأجل لزوم التطويل بلا طائل، مع الاتكال على القرائن والاجمال في المقال، لولا الاتكال عليها. وكلاهما غير لائق بكلامه تعالى جل شأنه، كما لا يخفى، وذلك لعدم لزوم التطويل، فيما كان الاتكال على حال أو مقال أتي به لغرض آخر، ومنع كون الاجمال غير لائق بكلامه تعالى، مع كونه مما يتعلق به الغرض، وإلا لما وقع المشتبه في كلامه، وقد أخبر في كتابه الكريم، بوقوعه فيه قال الله تعالى( فيه آيات محكمات هن أم الكتاب واخر متشابهات}[7].
وقد يشكل على الجواب الثاني بأن الإجمال والإهمال غرض للمتكلم أي في حال الاستعمال ولا يكون غرضا للوضع، والكلام هو في استحالة الإبهام في حال الوضع.
ولكن يجاب: بأن من مناشيء الإجمال في البيان في حال الاستعمال الاشتراك اللفظي والترديد بين أكثر من معنى. هذا عند العرف.
وأما منع استعمال المشترك في القرآن فلأن استعمال المشترك إما مع قرائن معيِّنة أو بدونها.
أما بدون القرائن فالآيات تصبح مجملة مبهمة، وهو أمر غير لائق بكلامه تعالى، إذ يجب أن يكون كلامه عز وجل واضحا جليا ﴿ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ﴾[8].
وأما مع القرائن فهو بلا طائل: وهو أمر يخلّ ببلاغة القرآن، وهذا أيضا أمر لا يليق بالقرآن.
ويجيب صاحب الكفاية (ره): أما لزوم التطويل بلا طائل، فإنه لو كان الاتكال على القرائن المقالية حيث يكون التعبير بلفظ مركب من القرينة وذي القرينة، أما لو كان الاتكال على القرائن الحالية فلا يكون التعبير إلا بلفظ واحد وهو الموضوع. هذا أولا.
وأما ثانيا فلأن الإجمال والاهمال والابهام قد تكون غرضا للمولى عز وجل[9] [10]،
كيف وقد اخبر تعالى بوقوعه في القرآن الكريم " مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ " [11].
نعود لكلام صاحب الكفاية:{وربما توهم وجوب وقوع الاشتراك في اللغات، لأجل عدم تناهي المعاني، وتناهي الألفاظ المركبات، فلا بد من الاشتراك فيها [12]، وهو فاسد لوضوح امتناع الاشتراك في هذه المعاني، لاستدعائه الأوضاع الغير [13] المتناهية، ولو سُلم لم يكد يجدي إلا في مقدار متناه، مضافا إلى تناهي المعاني الكلية، وجزئياتها وإن كانت غير متناهية، إلا أن وضع الألفاظ بإزاء كلياتها، يغنى عن وضع لفظ بإزائها، كما لا يخفى، مع أن المجاز باب واسع، فافهم }.
واجاب صاحب الكفاية (قده) عن وجوب الاشتراك العقلي لأنه يستدعي أن يكون هناك اوضاع غير متناهية، فيصدر غير المتناهي عن الواضع الإنسان الذي هو متناهي إلا إذا قلنا بأن الواضع هو الله عز وجل.
{ مضافا إلى تناهي المعاني الكلية، وجزئياتها وإن كانت غير متناهية } كما لو وضعنا لفظ اسد الذي وضع لكلي الاسد، ولذلك الواضع وضع ثلاثة ألفاظ: اسم جنس كلي " اسد " ووضع علم جنس " اسامة " فتستطيع أن تخاطبه مباشرة مخاطبة العلم او تخاطبه بالجنس، ووضع علما شخصيا لو كان بحاجة إليه.
إذا بين صاحب الكفاية (قده) أولا: الدليل الامكان والوقوع. ثانيا: دليل من قال بأن المشترك محال وجوابه. ثالثا: دليل من قال بأن المشترك واجب وجوابه.
غدا إن شاء الله نعلِّق عليه ونبين الجهات الاخرى التي ذكرنا وهي الدليل على الوقوع وحصول الاشتراك.





.
.[1]سورة التوبة، .آية122.
.
.[2] سورة ابراهيم، .آية4.
.
.[3] تذكير: المجاز يحتاج إلى قرينة وكذلك المشترك، والقرق بين القرينتين أن المشترك قرينته معينة للمعنى المراد ، والمجاز قرينته صارفة عن المعنى الحقيقي. .
. .
.[5] الغرض من الوضع هو البيان، والاصل في الحمل أن يؤتى بموضوع القضية بنفسه، ولما كان الاتيان بالأمور بنفسها محالا صرت آتي بشيء يحكي عنها فاخترعنا الالفاظ، فإذا اردت الانسان اتيت باللفظ ثم احمل عليه، ذكرنا ذلك سابقا. .
.
.[6] تذكير: من اهم المسائل في المعاملات: أن كل ما كان عرفا كان شرعا، فكيف استطيع أن انتقل من المهمل إلى المحصور . .
. .
.[8] سورة البقرة.،آية99.
.
.[9] كما في قول موسى (ع) " قال ما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي اتوكأ عليها واهش بها على غنمي " فالاصل أن الجواب يطابق السؤال، والكلام الطويل من باب أنه مع المحبوب أنس.
.
.[10]مثال آخر: " وبالحق انزلناه وبالحق نزل " يمكن أن يقال وبه نزل، فهناك غرض آخر وهو التأكيد والتقرير وهو إقراره في الذهن. وأيضا كما في " فنزلا اهل قرية واستطعما اهلها " لماذا كرر " اهل " فالضمير انما يؤتى به للاختصار، وخير الكلام ما قل ودل. وأيضا كما في " وخر عليهم السقف من فوقهم " , كما في " ان عدة الشهور اثنى عشر شهرا في كتاب الله " فكرر " شهرا ". احيانا هناك غرض في التطويل ولا يكون خلاف الحكمة.
.
.[11] سورة آل عمران.، آية7.
.
.[12] من قبيل في المانية يقال انه بعد الحرب العالمية الثانية قتل الكثير من الشباب، فاصبح الذكر الواحد مقابل تسع اناث، فقيل في ذاك الوقت في المانية لا بد من تعدد الزوجات. وهنا الالفاظ محصورة والمعاني غير محصورة، فإذا اردنا أن نضع لكل معنى لا بد أن يكون اللفظ لأكثر من معنى، فصار الاشتراك واجبا عقلا. .
.
.[13] استطراد لغوي: يقول النحاة أن " غير ومثل " لا تدخل عليها " ال " إلا في حالة وهو عندما يكون مطلق الغير، أما إذا كان "غير النسبي " فلا يجوز دخول " ال" على " غير ومثل" وكأنما غير ملازمة للتنكير.
.
.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo