< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

34/11/26

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى.
  ذكر صاحب الكفاية (ره) أن استعمال اللفظ في أكثر من معنى غير ممكن عقلا بعد أن ذهب اكثر الاصوليين بل المشهور بينهم إلى امكان استعمال اللفظ بأكثر من معنى عقلا ولكن الكلام في وقوعه وظهوره العرفي، وبيان ان الآخوند ذهب إلى ذلك لأن الاستعمال اللفظي فناء للفظ في المعنى ولا يمكن تعدد اللحاظين في آن واحد.
  يجيب السيد الخوئي (ره) على ما ورد في محاضرات تقريرات تلميذه الشيخ الفياض أدامه الله تعالى، [1] : { ولا يخفى أن ما أفاده (قده) إنما يتم على ما هو المشهور بين المتأخرين من أن حقيقة الاستعمال ليست مجرد جعل اللفظ علامة لإرادة تفهيم المعنى، بل إيجاد للمعنى باللفظ وجعل اللفظ فانيا في المعنى ووجها وعنوانا له، وعلى ذلك فلا يمكن استعمال اللفظ في المعنيين على نحو الاستقلال، لأن لازمه فناء اللفظ في كل واحد منهما في آن واحد وهو محال، كيف ؟! وإن إفنائه في أحدهما وجعله وجها وعنوانا له يستحيل أن يجتمع مع إفنائه في الآخر وجعله وجها وعنوانا له، فاللفظ الواحد لا يعقل أن يكون وجودا لمعنيين مستقلين في زمن واحد، وهذا مبتن على أن يكون حقيقة الوضع عبارة عن جعل وجود اللفظ وجودا تنزيليا. ولكن سبق أن بينّا بطلانه مفصلا.
  وأما بناء على مسلكنا من أن حقيقة الوضع هي التعهد والالتزام النفسي فلا مانع من ذلك، لأن الاستعمال ليس إلا فعليّة هذا التعهد وجعل اللفظ علامة لإبراز ما قصد المتكلم تفهيمه، ولا مانع حينئذ من جعله علامة لإرادة المعنيين المستقلين، فاللفظ على هذا المسلك لا يكون إلا علامة لإبراز ما في أفق النفس، وهو أي ما في أفق النفس قد يكون معنى واحدا، فاللفظ علامة لإبرازه، وقد يكون مجموع المعنيين، وقد يكون أحدهما لا بعينه، وقد يكون كل من المعنيين مستقلا، ولا مانع من جعل اللفظ علامة على الجميع، فكما أنه يجوز أن يجعل علامة لإرادة المجموع أم أحدهما فكذلك يجوز أن يجعل علامة لإرادة تفهيم كل واحد منها على نحو الاستقلال والعموم الاستغراقي، إذ ليس شأن اللفظ على هذا إلا علامة في مقام الإثبات، ولا محذور في جعل شيء واحد علامة لإرادة تفهيم معنيين أو أزيد. ومن هنا قد قلنا سابقا إنه لا مانع من أن يراد بلفظ واحد تفهيم معناه وتفهيم أنه عارف باللغة التي يتكلم بها }. انتهى.
  وملخص كلامه: إنه (قده) يسلّم بعدم جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى بناء على قول مشهور المتأخرين أن حقيقة الاستعمال إيجاد للمعنى باللفظ وجعل اللفظ فانيا في المعنى. أما على كونه علامة وتعهدا فيجوز أن يكون لعدة معان، أي أن المسألة مبنائية، وهذا ما ذهب إليه (قده).
  والمحقق الأصفهاني (ره) ذهب أيضا إلى الوجود التنزيلي للمعنى باللفظ حيث يقول (ره) في نهاية الدراية [2] : { إن حقيقة الاستعمال إيجاد المعنى الخارج باللفظ، لأن اللفظ وجود حقيقي لطبيعي اللفظ بالذات ووجود تنزيلي للمعنى بالجعل والتنزيل، وحيث إن الموجود الخارجي بالذات واحد فلا مجال لأن يقال بأن وجود اللفظ وجود لهذا المعنى خارجا ووجود آخر لمعنى آخر، حيث لا وجود آخر ينسب إلى الآخر بالتنزيل } [3] . انتهى. إذن هو يقول بعدم جواز استعمال اللفظ في اكثر من معنى بنفس منطلق كلام صاحب الكفاية (ره).
  السيد الخميني (قده) يرد بأنه لا مانع من استعمال اللفظ في أكثر من معنى حتى على القول بالتنزيل، حيث يقول في منهاج الوصول [4] : { كون شيء واحد وجودا تنزيليا لألف شيء مما لا مانع منه، ولا يلزم منه التكثُر في الوجود الواقعي }.
  والنتيجة إلى الآن: أنه إذا أردنا تحقيق المسألة يجب أن نحقق في أمرين:
  الاول: هل الاستعمال هو فناء أو علامة؟ وما معنى العلامة؟ وللتوضيح نضرب مثلا: ما الفرق بين التاء في ضربتُ وهي ضمير اسم وفاعل، والتاء في ضربتْ وهي تاء التأنيث علامة عليه وحرف، وبين الضمّة في جاء زيدٌ وهي مجرد علامة على الفاعلية؟
  الثاني: بناء على كونه فناء فهل هو وجود تنزيلي؟ وهل الوجود التنزيلي يمكن أن يكون متكثرا، أو يمتنع تكثره كالوجود الواقعي؟.
  وقبل بيان هذين الأمرين وبيان المختار في المسألة، لا بأس بذكر ما ذكره المحقق النائيني (ره) على ما ذكره الفياض في المحاضرات [5] : { قد استدل شيخنا الاستاذ (قده) على استحالة استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد بما ملخصه: إن حقيقة الاستعمال ليست إلا عبارة عن إيجاد المعنى باللفظ وإلقائه إلى المخاطب خارجا، ومن هنا لا يرى المخاطب إلا المعنى، فإنه الملحوظ اولا وبالذات، واللفظ ملحوظ بتبعه وفان فيه، وعليه فلازم استعمال اللفظ في المعنىيين على نحو الاستعمال تعلق اللحاظ الاستقلالي بكل واحد منهما في آن واحد كما لو لم يستعمل اللفظ إلا فيه، ومن الواضح أن النفس لا تستطيع على أن تجمع بين اللحاظين المستقلين في آن واحد، ولا ريب في أن الاستعمال في اكثر من معنى واحد يستلزم ذلك والمستلزم للمحال محال محالة.
  ويرده: إن الأمر ليس كما ذكره (قده) وذلك لأن النفس بما انها جوهر بسيط، ولها صفحة واسعة تقتدر على ان تجمع بين اللحاظين المستقلين في صفحتها في آن واحد ويدلنا على ذلك أمور:
  الاول: إن حمل شيء على شيء والحكم بثبوته له كقولنا زيد قائم مثلا يستدعي لحاظ كل من الموضوع والمحمول والنسبة في آن واحد، وهو آن الحكم وإلا لكان الحكم من النفس ممتنعا، ضرورة أن مع الغفلة لا يمكن الحكم بثبوت شيء لشيء، إذا لا مانع من الجمع بين اللحاظين المستقلين في آن واحد، فإن الحمل والحكم دائما يستلزمان ذلك، كيف وإن المتكلم حين الحكم لا يخلو، أما أن يكون غافلا، وأما أم يكون ملتفتا إلى كل واحد من الموضوع والمحمول والنسبة، ولا ثالث، وحيث أن الأول غير معقول فتعين الثاني. وهذا معنى استلزام الحمل والحكم الجمع بين اللحاظين الاستقلاليين.
  الثاني: قد يصدر من شخص واحد فعلا أو أزيد في آن واحد وبان يكون أحدهما بآلة والآخر بآلة اخرى مثلا الانسان يشتغل لسانه بالكلام ويحرك يده في آن واحد، ومن البين أن كلا منهما فعل اختياري مسبوق بالإرادة واللحاظ، وعليه فالإتيان بفعلين في آن واحد لا محالة يستلزم لحاظ كل واحد منهما بلحاظ استقلالي في آن واحد كذلك.
  الثالث: أنا إذا رجعنا إلى انفسنا وجدناها انها تقتدر على تصور أمور متضادة أو متماثلة بتصورات مستقلة في آن واحد، وهذا غير قابل للإنكار.
  فقد أصبحت النتيجة من ذلك أن اجتماع اللحاظين المستقلين مع تعدد المعنى أمر واضح لا شبهة فيه}.
  ملخص كلام ان المحقق النائيني (قده) قال ان تعدد اللحاظ محال في آن واحد، فأجاب السيد الخوئي (قده) بان تعدد اللحاظ ممكن، وهذا ما نراه.
  أقول كلام الخوئي (ره) صحيح مسلم، ولا اعتقد أن مراد النائيني (ره) غير ذلك، بل مراده ما ذكره صاحب الكفاية (ره).
  غدا نكمل المختار في المسألة، واحب ان تفكروا في مسألة الحركات لماذا لم تكن حرفا وليس علامة؟
 
 والحمد لله رب العالمين.


[1] محاضرات في اصول الفقه تقريرات الشيخ الفيا ض، دار الهادي للمطبوعات.ج 1 ص 207.
[2] نهاية الدراية، ج 1 ص 152.
[3] ذكر هذه المباني نستفيد منه اشياء كثيرة وليس مجرد ترف فكري. ولبيان كلامه نذكِّر بان القضية الحملية مثلا " زيد قائم " الموضوع والمحمول. المفروض ان آتي بزيد بنفسه واحمل عليه واخبر عنه . ولعدم الاستطاعة بإتيان العين أتي بما يدل على العين أي يكون الوجود الحقيقي للفظ وجودا تنزيليا للمعنى.
[4] منهاج الوصول ج 1 ص 185.
[5] محاضرات في اصول الفقه تقريرات الشيخ الفيا ض، دار الهادي للمطبوعات.ج 1 ص 206- 207.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo