< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

34/12/03

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى.
ذهبنا إلى أن استعمال اللفظ هو وجود تنزيلي للمعنى وليس علامة، وعليه بنينا أن اللفظ لا يمكن أن يستعمل في أكثر من معنى لوجود الفرق بين الاستعمال والعلامتية. وذكرنا أقوال صاحب المعالم والقوانين والكفاية، ونكمل كلام صاحب الكفاية، وملخص ما قال صاحب المعالم (ره) أن التثنية عبارة عن تكرار اللفظ بحرف العطف [1]كقولك " اشتري لي عينين " الاولى استعمل في الباكية والعين الثانية استعمل في النابعة، فالنتيجة انه لفظ استعمل في معناه الحقيقي.
ثانيا: يقول في الكفاية(ره): { والتثنية والجمع وإن كانا بمنزلة التكرار في اللفظ، إلا أن الظاهر أن اللفظ فيهما كأنه كرر وأريد من كل لفظ فرد من أفراد معناه، لا أنه أريد منه معنى من معانيه، فإذا قيل مثلا: (جئني بعينين) أريد فردان من العين الجارية، لا العين الجارية والعين الباكية. والتثنية والجمع في الاعلام، إنما هو بتأويل المفرد إلى المسمى بها، مع أنه لو قيل بعدم التأويل وكفاية الاتحاد في اللفظ في استعمالهما حقيقة، بحيث جاز إرادة عين جارية وعين باكية من تثنية العين حقيقة، لما كان هذا من باب استعمال اللفظ في الأكثر، لان هيئتهما إنما تدل على إرادة المتعدد مما يراد من مفردهما، فيكون استعمالهما وإرادة المتعدد من معانيه، استعمالهما في معنى واحد، كما إذا استعملا وأريد المتعدد عن معنى واحد منهما، كما لا يخفى. نعم لو أريد مثلا من عينين، فردان من الجارية، وفردان من الباكية، كان من استعمال العينين في المعنيين، إلا أن حديث التكرار لا يكاد يجدي في ذلك أصلا، فإن فيه إلغاء قيد الوحدة المعتبرة أيضا، ضرورة أن التثنية عنده إنما يكون لمعنيين، أو لفردين بقيد الوحدة، والفرق بينهما وبين المفرد إنما يكون في أنه موضوع للطبيعة، وهي موضوعة لفردين منها أو معنيين، كما هو أوضح من أن يخفى}.[2]
بيانه: نعم ان المثنى ما كان صالحا للتجريد وعطف مثله عليه، لكننا نأخذ المفرد على معنى واحد. وذلك لان التثنية عبارة عن هيئة ومادة " رجلان " هناك هيئة تدل على التكرار ومادة رجل. "رجل " موضوعة للطبيعة للماهية المهملة، أما الهيئة فموضوعة للتكرار، وعليه يكون التكرار لنفس المراد من المادة لان المادة عبارة عن لفظ وكذلك الهيئة، ولكن الهيئة لا توجد بدون مادة والهيئة لا توجد بدون مادة، الهيئة قالب للمادة، ومنهما ينتج المعنى.
المادة موضوعة للطبيعي والهيئة موضوعة للتكرار، والتكرار هو تكرار ما اريد من المادة وليس مجرد لفظ فـ "عينان " ليس معناها ان تشتري لي عينا وعينا بمعنى ان العين الاولى غير العين الثانية. وعليه كلام صاحب الكفاية (ره) صحيح وكلام صاحب العالم (ره) غير سليم.
وكمثال في قول الله عز وجل: " وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ " [3] والقرء موضوع لمعنيين: للحيض وللطهر، كل منهما على حدة، وحينئذ استعمل لفظ القرء في أحد المعنيين دون غيره، فلا بد من قرينة دالة عليه، ومع عدمها يرجع للأصول العملية.
وإن قلنا بجواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى فهنا مسألتان:
الاولى: هل اللفظ يكون ظاهرا في الاستعمال بمعنى واحد أو بكل معانيه.
الثانية: إذا كان الظهور أن الاستعمال بمعنى واحد فماذا يقتضي ذلك؟
استدراك على كلام صاحب الكفاية (ره)، قد يقال: ما تقول في تثنية الأعلام وجمعها كما تقول: " الزيدان " " يا زيدان " كان زيد الاولى استعملت في " زيد بن بكر " والثانية استعملت في " زيد بن عمر " إلى آخره.
فإنه يقال: كلام صاحب الكفاية (ره) إن تثنية الاعلام هي بتأويل المسمى أي كل من تسمّى بزيد، حينئذ تكون على نحو المجاز أن " زيد " ليست موضوعة لمسمى " زيد ".
يرد عليه: مع امكان التأويل ويكون هو المراد لكنه يحتاج إلى دليل.
وقد يرد ايضا على صاحب الكفاية: " يا زيدان " لماذا يعامل معاملة المعرفة في المنادى؟ والتأويل بأنا المراد من زيد وكل من سمى " بزيد " كما أولت أصبح نكرة ،لأنه يحمل معنى الكلية [4].
نقول فإنه يقال: إنما يعامل معاملة المعرفة للحاظ أصله وهذا شأن النحاة، وهو من الفروق بينهم وبين علماء المنطق في مباحث الالفاظ، حيث إن النحاة يلحظون أصل الوضع والتركيب بخلاف المناطقة الذين يلاحظون حال الاستعمال، من هنا اعتبر النحاة اسم " عبد الله " علما مركبا، بينما اعتبره المناطقة مفردا.
أو أن يقال: إن لفظ " زيدان " وإن أصبح نكرة بتأويل المسمى بزيد، لكنه نكرة مقصودة ولذلك عومل معاملة المعرفة.
أما الكنايات:
قد يقال: إن الكناية هي من استعمال اللفظ في أكثر من معنى؟ وذلك أن الكناية نوع من المجاز الذي يمكن أن يراد منه المعنى الاصلي، والمجاز على قسمين:
قسم لا يمكن فيه إرادة المعنى الحقيقي كقولنا " زيد أسد " فزيد المراد به الرجل الشجاع ونقطع بعدم إرادة الحيوان المفترس، بل هو محال.
وقسم يمكن فيه إرادة المعنى الحقيقي كقولنا " زيد كثير الرماد " كناية عن الكرم وكثرة الاطعام الناشئة عن كثرة الطبخ الناشئ عن كثرة الحطب المحترق في الطبخ الذي يؤدِّي إلى كثرة الرماد، ولذلك قالوا: الكناية أبلغ من التصريح، لأن في التصريح الوصف مجرد الكلام، وفي الكناية الوصف مع دليله وهو كثير الرماد.
وعليه ففي الكناية إرادة المعنى المجازي ومعه المعنى الحقيقي، فهو استعمال اللفظ في أكثر من معنى.
والجواب: إن الكناية هي الاستعمال في المعنى المجازي مع إمكان الاتصاف بالمعنى الحقيقي، لذلك يحتاج المعنى الكنائي إلى قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي كبقية المجازات.
غدا نكمل الكلام ونذكر ما ذكروه في الثمرة، وروايات أن القرآن على سبعة احرف.






.
.[1] للتذكير: في النحو يقال ان المثنى هو تكرار المفرد بالعطف، " زيدان " يعني زيد وزيد، والحق بالمثنى اثنين واثنتين وكلا وكلتا. السؤال: لماذا قال النحاة في حينها الحق بالمثنى؟ فإذا كانت علامات الاعراب واحدة الرفع بالألف وينصب ويجر بالياء ومعناه تثنية. فهنا لانه ليس صالحا للتجريد، فلا استطيع أن أقول اثن واثن، فلا يمكن تجريد الياء والنون، فيكون مفردا وعطف مثله عليه، هكذا عرفوا المثنى، ولذلك قالوا انه الحق بالمثنى اثنان واثنتان وكلا وكلتا.
. . .
.[4] تذكير: الفرق بين النكرة والمعرفة. النكرة موضوعة لكل من له صفة كذا، أي أن الكلية والعموم مأخوذ، أما المعرفة فهي موضوعة لشيء بعينه ويستعمل فيه. مثلا: كلمة " رجل " عندما نزل آدم (ع) إلى الارض لم ينزل غيره، هل " رجل " اصبح علما لآدم (ع) لأنه معروف؟ " رجل " يبقى نكرة رغم انه فرد واحد، وذلك لأن كلمة " رجل " وضعت لكل من يحمل هذه الصفات من الذكورة وغيرها، أي وضع للطبيعة المهملة بلحاظ أفرادها. ولذلك قالوا أن المعرفة تستعمل في شخص ولا بد من عهد يعيَّن كما في الاسم الموصول " الذي " واسم الاشارة، لان فيه حضور خاص، وكذا في " لام " التعريف والضمير تحتاج للعهد، ولا بد من مرجع للضمير كي يعيِّن ويرفع الابهام.
.
.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo