< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

34/12/16

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى.
انتهينا إلى نتيجة انه لا يجوز استعمال اللفظ في أكثر من معنى، بخلاف من ذهب إلى جواز الاستعمال كالسيد الخوئي والخميني (قدهما) واكثر القدماء، كذلك صاحب المعالم (ره)، والقدماء تكلموا في الإمكان العرفي دون العقلي، كما ذهب صاحب الكفاية والمحقق الاصفهاني والنائيني وغيرهم إلى عدم الامكان العقلي. وسنستفيد ان شاء الله من التفصيل بين المفرد والتثنية والجمع في عدّة موارد وخصوصا في مسألة الشبهة المصداقية التي اشتهر انه لا يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، وسنقول انا نميل إلى جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، وسنستفيد ايضا من الرد على صاحب المعالم في هذه المسألة.
الثمرة من المسألة: هل هناك ثمرة أو لا؟ ذكر بعضهم ان الثمرة قليلة جدا لانهم حصروها في معنى واحد وهي في حال جواز استعمال اللفظ في اكثر من معنى وعدم وجود قرينة على كيفية اخذ الاستعمال، هل هو على نحو العموم المجموعي أو على نحو العموم الاستغراقي إذا كان هناك قرينة على ارادة جميع المعاني.
نقول: ان الثمرة في المسألة موجودة بأوسع مما ذكر، لان استعمال اللفظ في اكثر من معنى يؤدي إلى امكان ارادة جميع المعاني أو بعضها أو معنى واحد مع القول بالجواز.
إن قلنا بعدم جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى على ما أيدناه، فإن اللفظ حينئذ مبهم يحتاج إلى قرينة تعيِّن المعنى المستعمل فيه؛ وكما إذا قلنا " اكرم زيدا " ونعلم أن " زيد " موضوع لعدة اشخاص، وهذا يعنى ان اللفظ موضوع لاكثر من معنى لكنه مستعمل في معنى واحد ك " زيد "ولكن اي " زيد " فغير معلوم فيصبح الاستعمال والمراد مبهما، وعند الابهام نحتاج إلى قرينة معيّنة [1] وإذا لم تكن القرينة موجودة اصبح الدليل مجملا وحينئذ نرى ماذا تقتضي القواعد، وقد تقتضي الاحتياط لان الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني، إلا إذا كان هناك حالة سابقة فيجري الاستصحاب وهو مقدم على الاحتياط. ومثال ذلك من القرأن قول الله عز وجل: " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء " [2] القرء موضوع لمعنيين: للحيض وللطهر، كل منهما على حدة، وعلى القول بعدم الجواز استعمل لفظ القرء في أحد المعنيين دون غيره، فلا بد من قرينة دالة عليه، ومع عدمها يرجع للأصول العملية، وهو وجوب تحقيق معنى القرء حتى تبرء الذمة، فلو تربصت بنفسها ثلاثة اطهار ويتخللها حيضتان فقطـ، فلا يصدق معنى القرء، فيجب تطبيق معنى ثلاثة اطهار وثلاث حيضات حتى تكون قد امتثلت وتيقنت من ابراء الذمة.
وإن قلنا بجواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى فهنا مسألتان:
الاولى: هل اللفظ يكون ظاهرا في الاستعمال بمعنى واحد أو بكل معانيه؟.
الثانية: إذا كان الظهور أن الاستعمال بمعنى واحد فماذا يقتضي ذلك؟
أما في المسألة الأولى: فقد ذهب السيد الخوئي (ره) إلى أن المتفاهم العرفي هو استعماله في معنى واحد، وإرادة معنيين أو أكثر خلاف الظاهر العرفي، ولا بأس بقراءة كلامه (ره) حيث يقول في المحاضرات: «فإن المتفاهم العرفي من اللفظ عند إطلاقه إرادة معنى واحد، فإرادة المعنيين أو المعاني منه على خلافه، ولا فرق في ذلك بين مسلك التعهد وغيره، فإن هذا الاستعمال مخالف للظهور على جميع المسالك، سواء قلنا بأن الاستعمال في أكثر من معنى واحد استعمال حقيقي أو أنه مجازي. ولعل هذا هو مراد المحقق القمي (قدس سره) من اعتبار حال الوحدة في المعنى الموضوع له، يعني: أن المتفاهم عرفا من اللفظ عند الإطلاق إرادة معنى واحد لا أزيد، وليس مراده من ذلك أخذ حال الوحدة في الموضوع له، ضرورة أن فساده من الواضحات الأولية ».[3]
ويمكن أن يرد عليه: أنا لا نسلم أن الظهور العرفي هو في إرادة المعنى الواحد من لفظ المشترك، بل قد يقال بأن الظهور [4] حينئذ لو قلنا بجواز الاستعمال في أكثر من معنى هو في الجميع، لأن اللفظ موضوع للمجموع وعند إطلاقه وإرادة معناه تكون جميع المعاني مرادة منها.
واقول ايضا: أما الظهور العرفي فلعلّه يحكي عن العرف الذي يرى أنه لا يمكن استعمال اللفظ في أكثر من معنى بحسب خلفيته العقلية، وهذا يؤيد ما ذهبنا إليه من عدم إمكان استعمال اللفظ في أكثر من معنى عقلا.
قد يقال: إن الأصل عدم الاستعمال في معنى آخر. الاستعمال في المعنى الواحد هو القدر المتيقن، والاستعمال في المعنى الثاني مشكوك، فالأصل عدم استعماله في اكثر من معنى، من باب اصالة العدم. كما لو قلت: " اشتري لي عينا " فلأصل ان يكون اشتري لي عينا واحدة بمعنى واحد والآخر الاصل عدمه. بعبارة اخرى: اصالة عدم الحادث، والحادث هو طلب الاستعمال في المعاني المتعددة.
قلنا جوابا على ذلك: هذا أصل عملي مثبت. فترجع المسألة إلى قولنا في الاصل المثبت، إن قلنا انه يثبت لوازمه فبه والا فلا. أي انه يثبت الاحكام بواسطة غير عقلية، وهي اصالة عدم استعمال اللفظ في اكثر من معنى يلزمه الاستعمال في معنى واحد الذي يلزمه اثبات الموضوع ويلزمه الحكم. فاجرينا وسائط غير شرعية فاصالة عدم الاستعمال في اكثر من معنى لا تجري هنا.
المسألة الثانية: لو جاز استعمال اللفظ في أكثر من معنى، وكان الظهور في المعنى الواحد، ومن دون قرينة معيّنة، فالمرجع هو الأصول العملية. غدا ان شاء الله.
النتيجة: اننا لا نقول بجواز الاستعمال في اكثر من معنى وإن اختلف الاصوليون في الجواز وعدمه، القدماء قالوا بجواز الاستعمال عقلا واختلفوا في إمكانه عرفا، ولذلك ذهب صاحب المعالم وغيره إلى التفصيل بين المفرد والتثنية والجمع. السيد الخوئي (ره) قال بالجواز لانه قال بان الاستعمال علامة نتيجة القول بالتعهد، والسيد الخميني (ره) قال حتى ولو كان الاستعمال وجودا تنزيليا، فيجوز لانه مسألة اعتبارية تنزيلية. صاحب الكفاية (ره) والمحقق النائيني (ره) والمحقق الاصفهاني (ره)، ونحن تبعنا صاحب الكفاية على عدم جواز الاستعمال في اكثر من معنى. فإذا لم يجز الاستعمال في اكثر من معنى تكون الثمرة انه يصبح اللفظ مبهما ويحتاج إلى قرينة معيَّنة للمعنى الذي تريد.
أما بناء على جواز الاستعمال كما السيد الخوئي (ره) فهناك مسألتان:
الظهور في المعنى الواحد ام المتعدد.
إذا كان الظهور أن الاستعمال بمعنى واحد فماذا يقتضي ذلك؟
قلنا في الاول ان السيد الخوئي (ره) ارجع الظهور في المعنى الواحد إلى العرف، واجبنا انه لو جاز لكان ظاهرا في المعنى المتعدد، ولكن قلنا انه في الاساس لا يجوز، وعدم استعمال اللفظ في اكثر من معنى عقلا لا يجوز، لان الاستعمال شيء والعلامية شيء آخر.
غدا إن شاء الله نبحث المسألة الثانية.



[1] تذكير: قرينة المجاز تسمى قرينة صارفة لانها تصرف عن المعنى الحقيقي، وقرينة المعارف تسمى قرينة معيَّنة، لانها ترفع الابهام. .
[2] سورة البقرة.، آية228.
[3] محاضرات في اصول الفقه تقريرات الشيخ الفيا ض، دار الهادي للمطبوعات.ج 1 ص 234- 235.
[4] الظهور بشكل عام لا يحتاج للتعليل، وكما ذكرنا في علامات الحقيقة ان الشيخ حسين الحلي (ره) كان يقول أن الظهور علامته ان تحلف بالعباس،- طبعا من باب الطرافة - لان الظهور مرتبط بالامور الخارجية فلا حصر لعلاماته. واحيانا قد يكون للظهور منشأ، ومنشأ الظهور في المعاني المتعددة: ان اللفظ موضوع على حدة لهذا المعنى وهذا المعنى، فحينئذ يكون المراد عند اطلاقه المرد ايضا هذا المعنى وهذا المعنى، ويصبح مجملا يحتاج إلى القرينة المعنيّنة. .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo