< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

34/12/18

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى.
روايات السبعين بطنا:
نحن في اجواء عيد الغدير الاغر اعاده الله علينا وعليكم وعلى جميع المؤمنين والمسلمين والطيبين في الدنيا، لان كل طيّب لا بد ان يؤل امره إلى ولاية أهل البيت (ع)، بالخير واليمن والبركة، والحمد لله الذي جعلنا من المتمسكين بولاية امير المؤمنين علي (ع)،الحمد لله على اتمام النعمة وإكمال الدين، في هذه الاجواء اسأل الله التوفيق لي ولكم.
تطرق صاحب الكفاية (ره) إلى ما قد يستدل به على جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى، وهو روايات نزول القرآن على سبعة بطون أو سبعين بطنا، بدعوى أن المراد استعمال الألفاظ في القرآن في سبعة أو سبعين معنى، فيكون ذلك دليلا على الوقوع فضلا عن الإمكان.
يقول الآخند (ره) في الكفاية تحت عنوان: وهم ودفع: لعلك تتوهم أن الاخبار الدالة على أن للقرآن بطونا - سبعة أو سبعين - تدل على وقوع استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد، فضلا عن جوازه، ولكنك غفلت عن أنه لا دلالة لها أصلا على أن إرادتها كان من باب إرادة المعنى من اللفظ، فلعله كان بإرادتها في أنفسها حال الاستعمال في المعنى، لا من اللفظ، كما إذا استعمل فيها، أو كان المراد من البطون لوازم معناه المستعمل فيه اللفظ، وإن كان أفهامنا قاصرة عن إدراكها. [1]
بيانه: هناك روايات أن القرآن نزل على سبعة أحرف وهذه الروايات وردت في كتب أبناء العامة من أهل السنة، وقد اختلف في تفسيرها، وذلك لتناقضها، وهناك مشكلة في تفسير الاحرف ما معناها، لذلك ذهب الدارقطني وجلال الدين السيوطي وغيرهم إلى انها من المتشابهات لأن المتشابه كما يكون في القرآن كذلك يكون في الحديث، وحتى أن بعض التفاسير فيه إساءة للقرآن الكريم فلا داعي للبحث في أسانيدها وقد تعرض لها السيد الخوئي في " كتابه البيان " في تفنيدها. ثم إنها مخالفة لما روي من طرق مذهب أهل الحق، مثل صحيحة زرارة: الحسين بن محمد، عن علي بن محمد، عن الوشاء، عن جميل بن دراج، عن محمد بن مسلم، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن القرآن واحد نزل من عند واحد ولكن الاختلاف يجيئ من قبل الرواة.[2]
وفي معتبرة الفضيل بن يسار الثانية: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن الناس يقولون: إن القرآن نزل على سبعة أحرف، فقال: كذبوا أعداء الله ولكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد.[3]
فلهذا الكلام اسبابه فقد يقال ان البعض اراد أن يتجاوز الدين والاسلام والقرآن فاخترع هكذا روايات، نفاق من الداخل، استغلَّ عدم إسلام المسلمين جميعا عن ايمان وتقوى وبصيرة المسلمون جميعا عن ايمان وتقوى وبصيرة، في مكّة المكرمة من ايام البعثة إلى ايام الهجرة ثلاثة عشر عاما بالكاد كان مع النبي (ص) خلالها العدد القليل سبعين او ثمانين فردا، أما بعد فتح مكّة واصبح للإسلام الوجود والقوة ﴿ إذا جاء نصر الله والفتح ... ﴾ دخل العدد الكبير فكان الاسلام في وقتها تيارا، فقبل النبي (ص) اسلامهم وانتشر الاسلام لكن عندما ازيح الحق عن اهله وازيحت السلطة عن اهلها ادى إلى ما وصلنا اليه.
أما روايات البطون فقد وردت في طرقنا لكن العدد سبعة أو سبعين لم أجده عن القرآن، نعم ورد عن كلمات أهل البيت (ع) ففي صحيح النضر بن شعيب: محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن النضر بن شعيب، عن عبد الغفار الجازي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إني لأتكلم على سبعين وجها " لي من كلها المخرج.[4] [5]
وقال الآخند (ره) « أنها لا تدل على استعمال اللفظ في أكثر من معنى »، لأنها ليست كذلك لاحتمال أن يكون ورودها على نحوين آخرين هما:
-أن تكون البطون مرادة بأنفسها في حال الاستعمال لكن لا من اللفظ، وذلك بأن يكون اللفظ قالبا وفانيا في أحدها وعلامة على الباقي، وهذا لا مانع منه.
وإذا قلنا ان استعمال وجود تنزيلي للمعنى فلا بد من الذهاب إلى انه لا يجوز استعمال اللفظ في اكثر من معنى، لأن الفناء يكون مرّة واحدة، وهذا على خلاف رأي السيد الخميني (ره) القائل بالجواز على أي حال.
-أن تكون البطون لوازم للمعنى المستعمل فيه، وإن كانت أفهامنا قاصرة عن إدراكها، بل نحتاج
إلى أهل البيت (ع) وهذا المعنى الثاني هو الذي نبني عليه [6] لأن المعنى الأول لا تعظيم فيه للقرآن. وأما المعنى الثاني وهو ان المستعمل فيه بمعى واحد والبطون الأخرى بمعنى اللوازم فيحتاج إلى علم وصفاء ذهن ونفس لإدراكها، فالنظر إلى منظر واحد يفهم منه الإنسان العادي شيء ويفهم العالم منه شيئا آخر، وهكذا القرآن، فالمعنى المستعمل فيه واحد، لكن الإنسان العادي يفهم منه ما ظهر منه، فإن تعلّم أكثر فهم معنى آخر أعمق، فإن كان محققا فهم شيئا أعمق، والائمة (ع) يفهمون من القرآن ما لا يفهمه الأخرون ... وهلم جرا.
انظر إلى تأويل كلمة الكوثر في قوله تعالى: ﴿ بسم الله الرحمن الرحيم إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ (3)﴾ [7] فإن الظاهر منها هو المبالغة في الكثرة، ولكن الإمام (ع) أعطاها بعدا آخر، وهو تأويلها بالزهراء فاطمة (ع)، وذلك بعد الالتفات إلى الآية الأخيرة: ﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ ﴾ والابتر مقطوع العقب، أي لا عقب ولا ولد له، حيث كانوا يعيِّرون النبي (ص) بأنه لا عقب له، فكان عطاء الله له بذرية كثيرة " كوثر " من نسل فاطمة (ع). [8]
وفي وروايات البطن تعظيم للقرآن، انظر الرواية التي اميل إلى اعتبارها: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أيها الناس إنكم في دار هدنة وأنتم على ظهر سفر والسير بكم سريع وقد رأيتم الليل والنهار والشمس والقمر يبليان كل جديد ويقربان كل بعيد ويأتيان بكل موعود فأعدوا الجهاز لبعد المجاز قال: فقام المقداد بن الأسود فقال: يا رسول الله وما دار الهدنة؟ قال: دار بلاغ و انقطاع فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فإنه شافع مشفع وماحل مصدق ومن جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار وهو الدليل يدل على خير سبيل وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل وهو الفصل ليس بالهزل وله ظهر وبطن فظاهره حكم وباطنه علم، ظاهره أنيق وباطنه عميق، له نجوم وعلى نجومه نجوم لا تحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة ودليل على المعرفة لمن عرف الصفة فليجل جال بصره وليبلغ الصفة نظره، ينج من عطب ويتخلص من نشب فإن التفكر حياة قلب البصير، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور، فعليكم بحسن التخلص وقلة التربص.[9]
لذلك حبر الامة عبد الله بن عباس كان يقول: لا تفسروا القرآن الزمن يفسره. والتفسير هو كشف القناع بخلاف الظهور الذي هو فهم المراد وهو حجة. ولذلك ورد في القرآن انه من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار " والتفسير معناه أن أمرا غير بين لا ظهور له فأبينه، كما لو فسّرت كلمة فارسية لإنسان عربي لم يفهم من معناها شيئا. فالتفسير شيء والظهور شيء آخر.
إلى هنا نكون قد انتهينا من مطلب استعمال اللفظ في أكثر من معنى ونلخصه بخطوط:
-القدماء كانوا يتكلمون في الامكان العرفي وليس العقلي، اما المتأخرون تكلمون في الامكان العقلي، ونحن معهم ونقول ان استعمال اللفظ في اكثر من معنى محال عقلا، ونذهب إلى ما ذهب اليه صاحب الكفاية (ره) بان الاستعمال عبارة عن فناء وانه ليس علامة.
-ما الفرق بين من فسرّ الاستعمال بالعلاميَّة فقال بالجواز كما السيد الخوئي (ره)، ومن فسر الاستعمال بالوجود التنزيلي او الفنائي او اللحاظي فقال بعدم الامكان، كالنائيني (ره) وصاحب الكفاية والشيخ الاصفهاني.
-بناء على عدم جواز استعمال اللفظ في اكثر من معنى – كما نذهب اليه – لا بد من قرينة معيّنة، لان كل معنى مبهم يحتاج إلى قرينة معيّنة أو قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي، فإذا استعمل في حقيقتين فلا بد من قرينة معيّنة، وإذا استعمل في حقيقة ومجاز لا بد من قرينة صارفة. ومع عدم القرينة يصبح الدليل مجملا والاستعمال في معنى واحد وحينئذ نحكم القواعد والاصول.
هذا ملخص البحث والحمد لله رب العالمين.
اللهم صل على محمد وآل محمد الكلام اليوم ونحن في اجواء عيد الغدير اعاده الله عليكم بالخير والبركة، اللهم اجعلنا من المتمسكين بولاية علي بن ابي طالب (ع)، اللهم اجعلنا اخوة متحابين في الله يا رب العالمين. اخواني انا اتابع احيانا بعض القنوات الكارهة الحاقدة على أهل البيت (ع) الاشخاص والمظهر العمائم تذكرني بمن كان يدعي انه من صحابة رسول الله (ص) ويكره أهل البيت (ع)، لكن هناك ابواق اعلامية استأجرت وانقل لكم هذه النقطة، الشيخ محمود ابو ريا وهو شيخ ازهري راقي فاهم يذكر في كتابه شيخ المضيرة ابو هريرة، يقول: انا ابا هريرة كان فقيرا معدما اسلم سنتين وكان من اهل الصفّة، وهم المتسولون يجلسون على باب المسجد، لكن ابا هريرة كان لسنا، وجده بني اميّة يخدم مصالحهم، فينقل الشيخ محمود ابو ريا ان معاوية طلب منه ان يروي ان رواية " أنا مدينة العلم وعلي بابها " التي لا ينكرها احد وأن يزيد عليها " ومعاوية حلقتها " لان الذي يأتي اولا يطرق بالحلقة. يقول ابو ريا ان معاوية اعطى ابا هريرة خمس مئة الف درهم وولاه على المدينة حتى يروي هذه الرواية. فكان ابو هريرة يقول الحمد لله الذي جعل الدين قواما وابا هريرة اماما.
وايضا هناك قضية ذكروها كثيرا في هذه الاذاعات انه: لو كانت امامة علي بن ابي طالب (ع) من الله عز وجل كما نحن ندعي ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ [10]. الاشكال انه لو كان جعلا من الله كيف يحق لعلي (ع) أو الحسن (ع) أو للحسين (ع) المصالحة عليها، او التنازل. اليست الامام حينئذ كالنبوة جعل ولباس من الله فكيف يمكن المصالحة عليها؟. إذا ليس هي جعل من الله، بدليل ان الامام علي (ع) سكت والامام الحسن (ع) صالح.
مختصر الجواب على هذه الشبهة: ان الخلافة قسمان: الامامة والسلطة.
الامامة جعل من الله ولا يحق لاحد التخلي عنها وعلي (ع) امام الناس وامام المتقين شاء الناس ام ابوا، لا يستطيع ان يصالح ولا ان ينزع، والحسن والحسين (عليهم) كذلك " امامان قاما أو قعدا " حتى ولو كان رأس الامام الحسين (ع) محمولا على الرمح فهو امام باعتراف الجميع. يقول عمر لولا علي (ع) لهلك عمر، ويقول: ما بقيت لمعضلة ليس لها ابو الحسن. هو امام في كل الاحوال. الامامة كالنبوة لا يستطيع الامام التنازل عنها، أما السلطة فهي وسيلة تنفيذية وتبليغية للرسالة، والعقل يقول بان افضل الموجودين هو الذي يجب أن يكون السلطان. فالنبي عيّن عليا (ع) وهذا يرشد اليه العقل بان علي (ع) افضل الناس بعد رسول الله (ص) باعتراف الكثيرين منهم، فكما ان بعض الانبياء كان سلطانا كالنبي داوود وسليمان (عليهما) وبعض الانبياء طلب السلطة مثل يوسف (ع) " قال: اجعلي على خزائن الارض "، كذلك بعض الانبياء لم يكونوا سلاطين بل تعذبوا مع قومهم، فالنبي محمد (ص) تصدى للسلطة وكذلك الامام علي (ع) بعض الائمة تصدى وبعضهم كان في السجون. لذلك فرق بين السلطة وبين الامامة وكلاهما من شؤون الخلافة.
فهذا الاشكال لا يتم لان الامام لا يستطيع ان يتنازل عن الامامة، نعم في السلطة يمكن ذلك لانها عبارة عن وسيلة.


[6] قلنا ان هناك ثلاث احتمالات: الاول: الاستعمال في كل المعاني. الثاني: استعمال في واحد وعلامة على آخر. الثالث: الاستعمال في واحد والأخرى لوازم. الاحتمال الاول رفضناه لانه لا يمكن عقلا الاستعمال في اكثر من معنى. والاحتمال الثاني ممكن ولا مانع من ان يكون اللفظ علامة لعدة معاني. والاحتمال الثالث أيضا ممكن. .
[7] سورة الكوثر.، ص602.
[8] ردا على استيضاح: هناك فرق بين البطون والمتشابه، البطون لوازم وليس من المتشابه، فعند قرأت المعنى بعمقك وبصيرتك تفهم منه معاني متعددة من القرائن تختلف عن المعنى المستعمل فيه، وهذا يحتاج إلى علم ودقه نظر وصفاء وتفهم والتفات للقرائن، لذلك كان الإمام (ع) يبين اللازم وقرينته القرآنية. من هنا فلازم المعنى شيء والمتشابه شيء آخر. .
[10] سورة المائدة، .آية67.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo