< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

35/01/15

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: المشتق
نتكلم في المشتق على مستوى الاصل اللفظي أما الاصل العملي فيترك إلى حينه، وعنونت المسألة بعناوين كثيرة ونحن اخترنا عنوانا في هذه المسألة يغنينا عن اشياء كثيرة وردت في عناوين مختلفة، والعنوان هو: هل يصدق العنوان على معنون قد تلبس بالمبدأ ثم انقضى التلبس عنه. وذكرنا التفصيل في الدرس السابق.
الاقوال في المسألة كثيرة: فقال بعضهم: " إن المشتق حقيقة في خصوص ما تلبس مطلقا، واختار آخرون كونه حقيقة في الأعم منه وممن انقضى عنه المبدأ مطلقا، وفصَّل بعضهم بين ما كان مأخوذا من المبادئ اللازمة فحقيقة في خصوص المتلبس، وبين ما كان مأخوذا من المبادئ المتعدية إلى الغير فحقيقة. وقال بعضهم: إنه حقيقة في خصوص المتلبس إن كان مبدؤه مما يمكن بقاؤه وثباته وفي الأعم إن كان مما ينصرم. وقال بعضهم: إن محل النزاع ما إذا كان المشتق محكوما به بعد الاتفاق على كونه حقيقة في الأعم إن كان محكوما عليه، وقيل غير ذلك.
وقبل الخوض في تحقيق المختار في المسألة لا بأس ببيان محل النزاع.
والذي أراه أن محل النزاع هو هيئة الجريان والعنونة ويكون السؤال هو التالي: إن العنوان إذا جرى على المعنون في حال التلبس الفعلي حقيقة فهل يجري عليه في حال زوال التلبس؟
وعليه: يدخل في محل النزاع:
-كل ما جرى على الذات سواء كان اتصاف الذات به بنحو الحلول أو الصدور والإيجاد أو الطروء أو الانتزاع أو الاعتبار.
-كل ما جرى على الذات من عرض أو عرضي، بل حتى المنتزع عن مقام الذات والذاتيات وسنبيِّن ذلك لاحقا عند نقاش كلام صاحب الكفاية (ره).
-كل ما جرى على الذات من المشتقات جميعها والجوامد، فلا داعي لتخصيص النزاع باسم الفاعل ومشتقاته.
-يخرج عن محل النزاع ما لم يكن عنوانا ووصفا للذات أي لم يجر عليها، فتخرج المصادر والأفعال عن حريم النزاع، أما المصادر فلعدم اتصاف الذات بها إلا على نحو المجاز، وأما الافعال فلأنها تدل على قيام المبادي بها قيام صدور أو حلول أو طلب فعلها أو تركها.
ولا بأس بذكر كلام صاحب الكفاية (ره) [1] والتعليق عليه، يقول: « وقبل الخوض في المسألة، وتفصيل الأقوال فيها، وبيان الاستدلال عليها، ينبغي تقديم أمور: أحدها: إن المراد بالمشتق هاهنا ليس مطلق المشتقات، بل خصوص ما يجري منها على الذوات، مما يكون مفهومه منتزعا عن الذات، بملاحظة اتصافها بالمبدأ، واتحادها معه بنحو من الاتحاد، كان بنحو الحلول [2]أو الانتزاع أو الصدور والايجاد، كأسماء الفاعلين والمفعولين والصفات المشبهات، بل وصيغ المبالغة، وأسماء الأزمنة والأمكنة والآلات، كما هو ظاهر العنوانات، وصريح بعض المحققين، مع عدم صلاحية ما يوجب اختصاص النزاع بالبعض إلا التمثيل به، وهو غير صالح [3]، كما هو واضح. فلا وجه لما زعمه بعض الاجلة، من الاختصاص باسم الفاعل وما بمعناه من الصفات المشبهة وما يلحق بها، وخروج سائر الصفات، ولعل منشأه توهم كون ما ذكره لكل منها من المعنى، مما اتفق عليه الكل، وهو كما ترى. واختلاف انحاء التلبسات حسب تفاوت مبادي المشتقات، بحسب الفعلية والشأنية والصناعة والملكة - حسبما نشير إليه - لا يوجب تفاوتا في المهم من محل النزاع ها هنا، [4]كما لا يخفى»
ثم إنه لا يبعد أن يراد بالمشتق في محل النزاع، مطلق ما كان مفهومه ومعناه جاريا على الذات ومنتزعا عنها، بملاحظة اتصافها بعرض أو عرضي ولو كان جامدا كالزوج والزوجة والرق والحر، وإن أبيت إلا عن اختصاص النزاع المعروف بالمشتق، كما هو قضية الجمود على ظاهر لفظه، فهذا القسم من الجوامد أيضا محل النزاع. كما يشهد به ما عن الايضاح [5] في باب الرضاع، في مسألة من كانت له زوجتان كبيرتان، أرضعتا زوجته الصغيرة، ما هذا لفظه: ( تحرم المرضعة الأولى والصغيرة مع الدخول بالكبيرتين، وأما المرضعة الأخرى، ففي تحريمها خلاف، فاختار والدي المصنف (رحمه الله) [6] وابن إدريس تحريمها لان هذه يصدق عليها أم زوجته، لأنه لا يشترط في المشتق بقاء المشتق منه [7] هكذا هاهنا )، وما عن المسالك في هذه المسألة، من ابتناء الحكم فيها على الخلاف في مسألة المشتق. فعليه كلما كان مفهومه منتزعا من الذات، بملاحظة اتصافها بالصفات الخارجة عن الذاتيات - كانت عرضا أو عرضيا - كالزوجية والرقية والحرية وغيرها من الاعتبارات والإضافات، كان محل النزاع وإن كان جامدا، وهذا بخلاف ما كان مفهومه منتزعا عن مقام الذات والذاتيات [8]، فإنه لا نزاع في كونه حقيقة في خصوص ما إذا كانت الذات باقية بذاتياتها.[9]
وهذا الكلام من صاحب الكفاية (ره) لا نسلم به. فإن الكلام هو في هيئة الحمل والجري، وهذا يشمل كل ما يجري على الذات، أما زوال التلبس لزوال موضوعه كما في المنتزع عن الذات كقولنا " زيد إنسان " أو الذاتيات كقولنا: " زيد حيوان " أو " زيد ناطق " فهذا لا يخرج الهيئة عن محل النزاع، لأن عدم التلبس منشأه المادة والمبدأ لا الهيئة. تماما فيما لو قطعنا بصدق العنوان بعد انقضاء التلبس كقولنا: " زيد مقتول " فهذا أيضا لا يخرجه عن محل الكلام.
ثانيا: نكمل غدا إن شاء الله.




[2] الحلول كـ " زيد ميت " من الموت. والاتنزاع كـ " فوق المنتزعة من الفوقية " والاعتباري كـ ملك من " الملكية "، والصدور كالضارب من " الضرب ".
[3] هذا الكلام نقض لكلام صاحب الفصول الذي صرح بان النزاع يشمل اسم الفاعل ومشتقاته بالخصوص. .
[4] مثلا: إذا قلت: " أن زيد قاض من الضاء " في حال النوم ايضا يطلق عليه انه قاض وهل هو كذلك في حال تقاعده؟
[5] كتاب الايضاح لفخر المحققين (ره).
[6] العلامة (ره).
[7] لان المشتق أعم من المتلبس ومن انقضى عنه التلبس. .
[8] كما لو قلت: " زيد ابيض " تختلف عن " زيد ناطق " فانه إذا زال النطق يزول زيد معه لأنه مأخوذ من مقام الذاتيات من الفصل، فان ما كان مأخوذا من الفصل او النوع أو الجنس إذا زال يزول الموضوع معه فلا يصدق في محل النزاع، بعكس ما إذا بقي الموضع كالمأخوذ من العرض والعرضي.
[9] ولنا تعليق على هذا الكلام لصاحب الكفاية لأننا قلنا أن الكلام في هيئة الجريان، بغض النظر عن المادة سواء كانت المادة متعدية أو لازمة أو مأخوذة في مقام الذات. وهنا فمع زوال الوصف يزوال الموضوع هو بسبب المادة، وقلنا ان اصل الكلام في الهيئة إذا اتصفت بالعنوان، مثلا إذا قلت: " زيد قاتل " فالعنوان يبقى بعد زمن القتللكنه لا يخرج عن محل النزاع. فبسبب المادة قد نقطع انه في المتلبس وانه يزول مع زمن التلبس. بعبارة اخرى: كل ما كان بسبب المادة لا دخل له بالنزاع والكلام اصلا بهيئة الجريان. ولذلك لا نسلم بكلام صاحب الكفاية (ره).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo