< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

35/03/01

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: الأوامر
انهينا الكلام في الاقوال واحتمالات سبب ظهور الامر مادة وصيغة في الوجوب.
أما اعتبار العلو في معنى الأمر:
يقول صاحب الكفاية (ره) { الجهة الثانية: الظاهر اعتبار العلو في معنى الأمر[1]، فلا يكون الطلب من السافل أو المساوي أمرا، ولو أطلق عليه كان بنحو من العناية، كما أن الظاهر عدم اعتبار الاستعلاء فيكون الطلب من العالي أمرا ولو كان مستخفضا بجناحه [2]. وأما احتمال اعتبار أحدهما فضعيف؛ وتقبيح الطالب السافل من العالي المستعلي عليه وتوبيخه بمثل إنك لم تأمره إنما هو على استعلائه لا على أمره حقيقة بعد استعلائه، وإنما يكون إطلاق الأمر على طلبه بحسب ما هو قضية استعلائه. وكيف كان، ففي صحة سلب الأمر عن طلب السافل ولو كان مستعليا كفاية }.[3]
وهذا كلام صحيح، ولا أريد أن أطيل فيه.
المختار في مادة الأمر:
مادة الأمر تدل على الوجوب بالوضع، فتكون الدلالة دلالة لفظية لا بحكم العقلية ولا بحكم العقلاء ولا بالإطلاق بانصرافه للأكمل. ثم كون الأمر من العالي إلى الداني مأخوذ في مفهوم لفظ مادة الأمر، مثل أخذ الصغير في مفهوم اليتيم، فليس كل من فقد أباه صار يتيما، فلا يطلق على الكبير أنه يتيم لمجرد فقدان الأب، بل الصغر مأخوذ فيه. ومثال آخر من باب الفائدة الاستطرادية القلّة مأخوذة في مفهوم السؤر فلا يقال للنهر أو البحر الذي شرب منه الكلب أنه سؤر الكلب، بل الماء الموجود في الإناء يسمى سؤرا. [4]
المختار في صيغة الأمر:
أولا: بينا سابقا مسألة الانشاءات، النسب الانشائية كالطلب والوجوب والأمر والاستفهام والترجي والتمني والحض وغيرها، هذه المعاني نسبتها نسبة إيجادية، وليس نسبة إبرازية كما ذهب إليه الكثيرون مثل السيد الخوئي (ره) حيث قالوا إن الانشاء هو ابراز الاعتبار النفساني. فالطلب موجود في النفس واللفظ اظهار الاعتبار النفساني، واستشهدوا لذلك بالبيت المشهور: ان الكلام لفي الفؤاد انما جعل اللسان على الفؤاد دليلا
نجيب: هل يوجد في النفس طلب وتمنّ وترجّ واستحباب ووجوب ؟ نعم لو كان في النفس وجوب نستطيع ان نقول ان اللفظ جاء ابرازا لما في الاعتبار النفساني، ليس في النفس وجوب، نقول: بل ما في النفس هو رغبة اكيدة لأمر ما يريده فينشئا طلبا، هذا الانشاء هل هو كان في النفس وابرزناه؟ أو كان في النفس رغبة داعية لهذا الانشاء؟
ما في النفس ليس كل هذه الاعتبارات، بل في النفس رغبة تختلف شدة وضعفا وتكون داعية إلى الانشاء، إلى الطلب الذي هو جعل في ذمّة الآخر، فهو ايجاد أمر سابقا لم يكن موجودا. والمتفق عليه بين الايجاد والابراز أنه قبل التلفظ لا يوجد شيء، لكن الفرق بينهما ان من يقول بالنسبة الابرازية يقول: ان في النفس اعتبار نفساني وطلب أنا ابديته وابرزته باللفظ. أما الايجاد يقول انه في النفس لا يوجد طلب كليا، بل الموجود هو دواع لهذا الطلب سبب ودافع للإنشاء.
والذي نذهب اليه أن النسب نسب إيجادية وما في النفس ضرورة وداع ودافع وباعث على الكلام الانشائي والا اصبح الكلام لغوا، فالحكيم العاقل يتكلم عن خلفية نفسية، لكن هذه الخلفية ليست هي نفس الطلب، بل هو أمر داع دفع إلى انشاء الطلب لذلك سمي انشاء،لم يكن موجودا وانشأته، وهذا الانشاء يحتاج إلى مقدمات مترتبة حتى تصل إلى الدافع الاخير الذي عبر عنه بالتصور ويليه التصديق والارادة والمحرك والشوق إلى ان ينتهي بالكلام.
غدا نكمل المختار في الصيغة م أتطرق إلى إثارة مهمّة مستقاة من الأدلة.








[1] فيكون هذا داخل في المفهوم. .
[2] تذكير:. ذكرنا أن حرف " الف، س، تاء " تأتي لمعان زائدة على أصل المعنى، جمعت هذه الحروف بلفظ " سالتمونيها " مثلا: " ضرب " مع اضافة الالف لها تصبح " ضارب " فيزاد على اصل المعنى فتعني المشاركة. وهنا في مسألة الاستعلاء آراء مختلفة، فبعضهم من قال باه لا بد أن يكون عاليا مستعليا، وبعضهم قال بانه يكفي الاستعلاء، وبعضهم قال بانه يكفي العلو كما ذهب اليه صاحب الكفاية.
[3] الكفاية – الآخوند – ج 1ص 63. ذكرنا سابقا أن علامات الحقيقة: التبادر، صحة الحمل، وعدم صحة السلب وغيرها. مثلا: المستعلي كالخادم الوضيع اوامره ليست بأوامر، وذلك لأننا لو طبقنا العلامات المذكورة عليه فنرى أن المستعلي من دون علو لا يطلق عليه الأمر إلا بتكلف وعناية مجازية، ولنطبقها: أولا بالتبادر، فإن طلب الوضيع من العالي بصيغة الامر نشعر بوجداننا اللغوي اشتراط العلو، ثانيا عدم صحة الحمل، فلا يقال ان هذا أمر من الوضيع، نجد أن هناك تكلّف وعناية.
وردا على سؤال من أحد الطلبة: أمر الطبيب يجب امتثاله ولو لم يكن عاليا؟ والجواب: أن الآمر لا يشترط أن يكون عاليا مطلق ومن كل الجهات وإلا لا نحصر الآمرون بالله عز وجل بل يكفي الجهة التي بحسبه يكون الأمر، فالطبيب مثلا رغم انه ليس بآمر، فمن جهة كونه طبيبا صار عاليا، فالعلو ليس معناه الملك المطلق إذا كان، فمن جهة كونه علما بالطب يكون هو العالي ويصح أمره، وليس المقصود العلو المطلق الذي هو لله عز وجل. ثالثا صحة السلب فتكفي صحة سلب الامر عن الخادم الوضيع من ناحية الهيئة ولا يصح من ناحية المادة، وهذا هو كلام صاحب الكفاية الذي نؤيده. .
[4] في كتاب المسالك الشهيد يقول أن السؤر اخذ فيه القلّة، إذا لم يكن من ماء قليل لا يسمى سؤرا، الباقي لا يسمى سؤرا ويمكن نزع السؤر منه، فيصح السلب عنه ولا يصح الحما أيضا. .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo