< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

35/04/12

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: دلالة صيغة الأمر
إلى هنا نكون قد انتهينا من ظهور صيغة افعل، وملخص ما وصلنا إليه في خطوط:
1-مادة الأمر تختلف عن الصيغة، وهي أي المادة ظاهرة في الوجوب، وهذا الظهور مستند للوضع.
2-صيغة الأمر موضوعة للطلب الإنشائي ومستعملة في الطلب الإنشائي.
3-دلالة الصيغة على المعاني المتعددة من تهديد وتعجيز وحث واستهزاء وغير ذلك هي من قبيل الدواعي، وليست من الموضوع له ولا من المستعمل فيه.
4-هذه الدواعي هي من شؤون الاستعمال وليست من الموضوع له ولا المستعمل فيه.
5-كثرة استعمال الصيغة في المندوبات في الكتاب والسنّة وغيرهما لا تجعلها مجازا مشهورا، بمعنى أنها لا تصل فيها إلى حد هذه المرحلة [1]، فلا يحمل عليها اللفظ، بل يبقى اللفظ ظاهرا في الوجوب حتى في الكتاب والسنة. وإن كان في النفس شيء من كثرة الاستعمال في المندوبات هل يبقى هناك ظهور في الوجوب؟ مع اننا قلنا ان الظهور ليس له علامات، فلا بأس بالتوقف والاحتياط. فلا دلالة للصيغة المجردة عن القرينة على الوجوب أو الندب، بل نتوقف ونرجع إلى دليل آخر، أو نحتاط.
6-إن ظهور الصيغة في الوجوب هو من باب حكم العقلاء كونه من العالي إلى الداني، لا من باب الوضع ولا الاطلاق ولا حكم العقل ولا سيرة العقلاء.
وقبل الانتهاء من ظهور صيغة الأمر في الوجوب فقد ذكر الاصوليون مسألة دلالة الجمل الفعلية المستعملة في إنشاء الطلب على الوجوب من صيغة الأمر. او لا تدل على الوجوب كما ذهب اليه صاحب المستند وله وجهه وان كنا لا نؤيده، أو تدل على الوجوب كما ذهب اليه السيد الخوئي (ره) من دون تأكيد، أو دلالتها على الوجوب آكد من دلالة صيغة افعل كما ذهب اليه صاحب الكفاية (ره).
فقد ورد في كلام العرب وفي كثير من النصوص إنشاء الطلب بصيغة الجملة الخبرية الفعلية من قبيل " يعيد الصلاة " بمعنى طلب إعادة الصلاة.
ومن امثلة النصوص معظم روايات الباب الثالث من أبواب الخلل الواقع في الصلاة من كتاب وسائل الشيعة ج 5 ص 307، نلاحظ أجوبة الإمام (ع): ح 1 " يعيد ركعة واحدة "، وفي ح 5 " يتم ما بقي من الصلاة "، وفي ح 6 " يقضي ذلك بعينه "، وفي ح 8 " يقوم ويركع ويسجد سجدتين "، وفي ح 9 " يتم ما بقي من صلاة ولا شيء عليه، وفي ح19،"يستقبل الصلاة "، وفي ح 11 " يستقبل الصلاة من أولها "، وفي ح 18، " يضيف إليها ركعة "، وهكذا الباب الرابع، فراجعوا الروايات والنصوص لتجدوا أكثر صيغ الطلب هي صيغة الجمل الفعلية الخبرية المضارعية، طبعا إذا أخذنا أبواب الحكم التكليفي وليست أبواب بيان الأجزاء والشرائط التي هي عبارة عن حكم وضعي وليست أوامر وجوب تكليفي.
ولا بأس قبل بيان الدلالة على الوجوب أن نذكر ملاحظة يذكرها السيد الخوئي (ره) في كتاب المحاضرات يقول: { الجهة الثالثة: وهي الجمل التي استعملت في مقام الانشاء دون الاخبار ككلمة " أعاد، ويعيد " أو ما شاكلهما، فهل لها دلالة على الوجوب أم لا؟ وليعلم أن استعمال الجمل المضارعية في مقام الانشاء كثيرة في الروايات، وأما استعمال الجمل الماضوية في مقام الانشاء فلم نجد إلا فيما إذا وقعت جزاء لشرط كقوله (ع) " من تكلم في صلاته أعاد" ونحوه }. [2] انتهي
هناك ملاحظة أخرى ذكرها السيد الخوئي (ره) في مقام الرد على صاحب الكفاية (ره): ان الجمل الاسمية الخبرية لم تأت في النصوص في مقام الانشاء، مثلا: زيد قائم. لم تأت في مقام الطلب. سنتعرض لذلك في مقام الرد عليه (ره) كما قد يقال في الآية: } وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً { [3] فهي جملة اسمية في مقام الطلب. إلا ان يقال انه ليس طلبا بل هو إخبار فالحاصل من لوازمه والظاهر أنه ليس من باب تسمية الشيء باسم لازمه بتعليق الحج في ذمّة المستطيع، والالزام نستفيده باللازم. نعم، وبناء على تفسير السيد الخوئي (ره) للوجوب بانه عبارة عن جعل في الذمة نعم تكون طلبا. ولكن قلنا ان الوجوب ليس جعلا في ذمة المخاطب، بل هو دفع الزامي.
وفي الوسائل بسند صحيح، محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن عبد الله بن المغيرة عنه (ع) انه قال: لا بأس أن يعدّ الرجل صلاته بخاتمه أو بحصى يأخذ بيده فيعد به. [4]
هنا " لا بأس أن يعدّ " ظاهرة في مقام الاجازة الاباحة وليس في بيان مقام الحق. "وان يعدّ " مصدر مؤول مبتدأ
مؤخر، وجملة " لا بأس " خبر مقدّم. " لا " نافية للجنس و "بأس" اسمها وخبرها محذوف. الجملة الاسمية وردت
في مقام انشاء حكم. فمن الممكن ان تكون الجملة الاسمية في مقام حكم.
ونلاحظ أيضا أن استعمال لفظ إفعل أي صيغة افعل بعد الشرط، أي في الجزاء هو الأكثر. سنرد على كلامه (ره) مع العلم ان نفس النكتة التي جعلت " يعيد " ظاهرة في الوجوب موجودة في النكتة التي تجعل " أعاد "ظاهرة في الوجوب.
يقول صاحب الكفاية (ره) في بيان دلالة الجمل الخبرية المستعملة في مقام الانشاء على الوجوب، قال: { المبحث الثالث: هل الجمل الخبرية التي تستعمل في مقام الطلب والبعث - مثل: يغتسل، ويتوضأ، ويعيد - ظاهرة في الوجوب أو لا ؟[5]لتعدد المجازات فيها [6]، وليس الوجوب بأقواها [7]، بعد تعذر حملها على معناها من الاخبار بثبوت النسبة والحكاية عن وقوعها. الظاهر الأول [8]، بل تكون أظهر من الصيغة [9]، ولكنه لا يخفى أنه ليست الجمل الخبرية الواقعة في ذلك المقام - أي الطلب - مستعملة في غير معناها، بل تكون مستعملة فيه [10]، إلا أنه ليس بداعي الاعلام، بل بداعي البعث بنحو آكد، حيث أنه أخبر بوقوع مطلوبه في مقام طلبه إظهارا بأنه لا يرضى إلا بوقوعه [11]، فيكون آكد في البعث من الصيغة، كما هو الحال في الصيغ الانشائية، على ما عرفت من أنها أبدا تستعمل في معانيها الايقاعية لكن بدواعي أخر كما مر،
لا يقال: كيف؟ ويلزم الكذب كثيرا لكثرة عدم وقوع المطلوب كذلك في الخارج [12]تعالى الله واولياءه عن ذلك علوا كبيرا.
فانه يقال: إنما يلزم الكذب ... } [13]. غدا نكمل عن شاء الله.



[1] لأنه في المجاز المشهور إذا دار الامر بين المعنى المجازي والحقيقي. قالوا إما بالتوقف، وآخرون قالوا بانه يحمل على المشهور. وذلك عند عمد القرينة. .
[5] هذا الوجه الثاني الذي ذهب اليه صاحب المستند. .
[6] نحن اعتبرناها من الدواعي وليس تعدد مجازات. .
[7] صاحب الكفاية (ره) يقول انه حتى لو تعددت المجازات فالوجوب أقواها، لنكتة استعمال الخبر في مقام الانشاء. .
[8] وهو الوجوب. .
[9] هذا خلاف لما عليه السيد الخوئي (ره). .
[10] مستعملة في ثبوت النسبة.
[11] هذه النقطة لن نسلم بها. الانسان يستعمل الخبر في مقام الانشاء عندما يرغب جدا في حصول الامر. وهناك فرق بينها وبين عدم الرضى بوقوعه. في القرآن الكريم قال: " ونفخ في الصور ". نفخ فعل ماضي مع ان النفخ سيكون في المستقبل. العلاقة التي صححت استعمال الماضي في أمر مستقبلي هو القطع بتحققه. وأما هنا فقد استعمل الماضي لرغبته الاكيدة وشدّة شوقه إلى تحققه فيراه وكأنه قد تحقق.
[12] فإذا استعمل المعنى في ثبوت النسبة " يعيد " وهذه النسبة لم تتحقق بعدم إعادة الصلاة يكون كلام الامام (ع) كاذبا

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo