< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

35/05/22

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: الأوامر
-صيغة الامر.
-سبب ظهور الصيغة في الوجوب.
نكمل الكلام في صيغة الامر، والكلام في سبب ظهور الصيغ في الوجوب.
الأقوال في سبب ظهور الصيغة في الوجوب أربعة كما ذكرنا سابقا في مادة الأمر: الوضع، حكم العقل، حكم العقلاء، الاطلاق.
الأول: الوضع، أي أن الصيغة موضوعة حقيقة للوجوب، فعند الاستعمال ينسبق الوجوب إلى الذهن، وإليه ذهب المحقق الخراساني صاحب الكفاية (ره) والشهيد السيد محمد باقر الصدر (ره) ودليلهما التبادر.
الثاني: حكم العقل، وذهب إليه المحقق النائيني (ره) والسيد الخوئي (ره). وتقريبه أن العقل يحكم بلزوم المبادرة والامتثال وعدم المخالفة قضاء لحق العبودية والمولوية.
الثالث: حكم العقلاء، وذلك أن العقلاء يذمّون التارك ويوجبون الطاعة، فنفس صدور البعث من المولى موضوع لحكم العقلاء بلزوم الانبعاث والطاعة. وذهب إليه السيد الخميني (ره).
وذكرنا سابقا ان السيد الخوئي (ره) عندما يقول بحكم العقل، العقل العملي فلا يكون هناك فرق بين القول الثاني والثالث.
الرابع: الإطلاق. هناك استعمالان لكلمة إطلاق: معناه عند اهل اللغة التلفظ، الذي هو اعم من المعنى الاصطلاحي، فيشمل التبادر والانصراف. ومعناه عند اهل الاصطلاح إطلاق اللفظ مع تمامية مقدمات الحكمة.
وسبب حمل العرف اللفظ على الوجوب له ثلاثة أوجه:
إما لكثرة الاستعمال، وإما لكثرة الوجود، وإما للانصراف إلى الفرد الأكمل.
هنا قد يقال إن كثرة الاستعمال في خصوص الصيغة تلازم كثرة الوجود، إذ وجود الوجوب يكون بإنشاء الصيغة، أي بالاستعمال، والاستعمال وجود اعتباري وليس أمرا واقعيا كي ينفك عن الاستعمال – أي كلما استعملت الصيغة وجد الوجوب ولا يوجد الوجوب إلا باستعمال اللفظ -. وحينئذ يرجع سبب الظهور إلى كثرة الاستعمال لا لكثرة الوجود ولا إليهما معا [1]. لان الظهور عبارة عن الانس الذهني بين اللفظ والمعنى، وسبب الانس يكون إما من الوضع فيكون التبادر وأما من حكم العقل أو من حكم العقلاء، فحصول هذا الالتصاق والانس بين اللفظ وبعض أفراد المعنى يكون بكثرة الاستعمال.
فإنه يقال: إن وجود الوجوب قد يكون بالصيغة كما هو الغالب، وقد يكون بمادة الأمر، وقد يكون بالفعل كما في الإشارة والكتابة. مثلا: حينما امرك بالمجيء تارة يكون باللفظ وتارة يكون بالإشارة، فلا عذر لعدم القدوم لان الطلب كان بالإشارة. وكمثال: توقيع العقود عن كاتب العدل؟ الا يسمى عقدا. نذكر هذه الأمثلة لان لها الثمرة الكبيرة في الفقه.
إذا تبيّن هذا أي الأوجه في سبب ظهور الصيغة في الوجوب عند الاطلاق نذكر كلام صاحب الكفاية (ره) في نقد هذا الرأي، يقول: المبحث الرابع: أنه إذا سلم أن الصيغة لا تكون حقيقة في الوجوب، فهل لا تكون ظاهرة فيه أيضا أو تكون؟ قيل بظهورها فيه، إما لغلبة الاستعمال فيه، أو لغلبة وجوده أو أكمليته. والكل كما ترى، ضرورة أن الاستعمال في الندب وكذا وجوده، ليس بأقل لو لم يكن بأكثر. وأما الأكملية فغير موجبة للظهور، إذ الظهور لا يكاد يكون إلا لشدة أنس اللفظ بالمعنى، بحيث يصير وجها له، ومجرد الأكملية لا يوجبه، كما لا يخفى.
نعم فيما كان الآمر بصدد البيان، فقضية مقدمات الحكمة هو الحمل على الوجوب، فإن الندب كأنه يحتاج إلى مؤونة بيان التحديد والتقييد بعدم المنع من الترك، بخلاف الوجوب، فإنه لا تحديد فيه للطلب ولا تقييد، فإطلاق اللفظ وعدم تقييده مع كون المطلق في مقام البيان، كاف في بيانه، فافهم. [2] انتهى.
فهو (ره) يرفض الظهور لغلبة الاستعمال، كذلك لكثرة الوجوب، ويوجه الانصراف إلى الفرد الأكمل بأن الوجوب يحتاج إلى مؤونة تقييد بعدم المنع من الترك بخلاف الندب.
وجوابه أيضا: أن الندب يحتاج إلى التقييد بجواز الترك كما الوجوب يحتاج لقيد المنع، خصوصا مع ملاحظة أن الوجوب والندب حكمان وجوديان. فليس أحدهما وجوديا والآخر عدميا كي يكون الأصل عدم الوجودي لان الوجودي هو الذي يحتاج للدليل. ولعلّة أشار إلى ذلك بقوله: فافهم.
المحقق آغا ضياء العراقي (ره) في نهاية الأفكار ج 1 ص 180. ملخصه:
يقريب الظهور في الفرد الأكمل بأن الطلب الوجوبي هو الطلب التام الذي لا حد له من النقص والضعف، بخلاف الاستحبابي، فإنه مرتبة محدودة بحدّ النقص والضعف، ولا ريب في أن الوجود غير المحدود لا يفتقر في بيانه إلى أكثر مما يدلّ عليه، بخلاف المحدود، فإنه يفتقر إلى بيان أصله وحدوده، وعليه يلزم حمل الكلام الذي يدلّ على الطلب بلا ذكر حدّ له على المرتبة التامة وهو الوجوب، كما هو الشأن في كل مطلق.
وجوابه: أن الوجوب رتبة من الرتب تحتاج إلى بيان حدودها كبقية الرتب. إذن ليس هناك انصراف إلى الفرد الأكمل. مثلا: إذا قلت: شربت ماء حارا، درجة الحرارة تبدأ من الخمسين إلى ما قبل درجة الغليان المائة، الدرجة الاكمل لان بعدها البخار. درجة المائة هي أيضا رتبة من الرتب، وكما ان الدرجات الأقل تحتاج إلى بيان كذلك درجة المائة تحتاج إلى البيان، فلا ينصرف الكلام اليها.
المختار:
صيغة الأمر ظاهرة في الوجوب بحكم العقلاء، لا بالوضع ولا بحكم العقل، ولا بالإطلاق.
غدا أنشاء الله نبدأ بالتعبدي والتوصلي، ولهذا البحث ثمرة مهمة وكبيرة. [3]





[1] عند إطلاق اللفظ إذا انسبق إلى نفس المعنى يكون تبادر، وإذا انسبق إلى بعض او اكثر افراد المعنى يكون انصرافا. ويكون الانصراف حجة: إما لكثرة الوجود أو لكثرة الاستعمال. مثلا: قال: "ابن عباس" ينصرف إلى عبد الله ابن عباس، مع العلم ان العباس بن عبد المطلب عنده أربعة أولاد، عبد الله ليس أكثر وجودا من غيره من الأولاد لكن كثرة الاستعمال تنصرف إلى عبد الله. فكثرة الوجود هي في أبناء العباس وكثرة الاستعمال بعبد الله بالخصوص.
[3] نوه السيد الأستاذ في نهاية الدرس بموقف سماحة الشيخ أحمد طراد المتعلّق ببعض العبادات المحرّمة والقبيحة الدخيلة على مجتمعنا (وكان موردها إطلاق الرصاص عند تشييع الجنازة) وهو عادة دخيلة محرّمة بنظره سواء في التشييع أم في غيره من المناسبات المتعارف فيها ذلك، واثنى عليه وامتدحه من جهة اهتمامه بالشأن العام. .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo