< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

35/08/06

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: الامتثال بعد الامتثال

-توجيه المروي في جواز الإعادة في صلاة الآيات.
-توجيه المروي في جواز إعادة الصلاة جماعة بعد الصلاة فرادى.
-المختار في المسألة.
نكمل كلام السيد الخوئي (ره) في توجيه المروي في إعادة صلاة الآيات وإعادة الصلاة جماعة مما يتوهم فيه أنه امتثال بعد امتثال:
نعم، قد يتوهم جواز ذلك في موردين:
أحدهما: في صلاة الآيات، حيث قد ورد فيها: أن من صلى صلاة الآيات فله أن يعيد صلاته مرة ثانية ما دامت الآية باقية، وهذا يدل على جواز الامتثال مرة ثانية بعد الامتثال الأول.
وثانيهما: في الصلاة اليومية، حيث قد ورد فيها: أن من صلى فرادى وأقيمت الجماعة فله أن يعيد صلاته مرة أخرى فيها، وهذا أيضا يدل على جواز الامتثال بعد الامتثال.
ولكن هذا التوهم خاطئ في كلا الموردين ولا واقع له.
أما في المورد الأول فهو لا يدل على أزيد من استحباب الإعادة مرة ثانية بداعي الأمر الاستحبابي، بداهة أن الأمر الوجوبي قد سقط بالامتثال الأول فلا تعقل الإعادة بداعيه.
وبكلمة أخرى: أن صلاة الآيات متعلقة لأمرين: أحدهما أمر وجوبي، والآخر أمر استحبابي، غاية الأمر أن الأول تعلّق بصرف طبيعة الصلاة، والثاني تعلّق بها بعنوان الإعادة، ويستفاد الأمر الثاني من الروايات الواردة في المقام، وعليه فالإعادة بداعي الأمر الإستحبابي لا بداعي الأمر الأول لتكون من الامتثال بعد الامتثال، كيف؟ فلو كانت بداعي الأمر الأول لكانت بطبيعة الحال واجبة، وعندئذ فلا معنى لجوازها.
فالنتيجة: أنه لا إشعار في الروايات على ذلك فما ظنك بالدلالة؟
وأما في المورد الثاني فأيضا كذلك، ضرورة أنه لا يستفاد منها إلا استحباب الإعادة جماعة، فإذا تكون الإعادة بداعي الأمر الإستحبابي لا بداعي الأمر الأول، وإلا لكانت واجبة، وهذا خلف.
نعم، هنا روايتان صحيحتان، ففي إحداهما أمر الإمام بجعل الصلاة المعادة فريضة، وفي الأخرى بجعلها فريضة إن شاء. ولكن لابد من رفع اليد عن ظهورهما، أولا: بقرينة عدم إمكان الامتثال ثانيا بعد الامتثال، وحملهما على جعلها قضاء عما فات منه من الصلاة الواجبة ثانيا، أو على معنى آخر. وسيأتي تفصيل ذلك في مبحث الإجزاء إن شاء الله تعالى.[1]
ملخص المختار قبل ذكر الادلّة نقول: ان الاتيان بعد الامتثال يمكن تصوره. الامتثال بعد الامتثال ممنوع عقلا. ما هو حكم الاتيان بفرد آخر إن لم يكن امتثالا؟ وإذا اتيت به وكان صحيحا هل تثبت له احكامه؟ فيجوز مثلا: ان أصلي جماعة خلف من صلى وأعاد الصلاة مرّة ثانية كإمام بعد سقوط الوجوب بالصلاة الأولى، وكذلك الامر في صلاة العيد المستحبة في زمن الغيبة، يسقط استحباب صلاتها بالصلاة الأولى وتصح الصلاة الثانية والثالثة ان كرر صلاتها في جماعة مع آخرين.
كيف نصحح هذه الصلاة بعد سقوط الحكم؟ وكيف نصحح ما ورد في الروايات، هل نحتاج إلى تأويل؟
نقول في تصحيح ذلك كنظرية: منع الامتثال بعد الامتثال عقلا، لكن لا مانع من الاتيان بعد الامتثال بفرد آخر بداعي المحبوبية لا بداعي الامر، وذلك إذا كان متعلّق الأمر كليا مشككا في تحصيل الغرض. بذلك نصحح الفعل الثاني ونعتبره اتيانا بداعي المحبوبية لا امتثالا. والفرق ان الاتيان لا يحتاج إلى حكم بل تكفي المحبوبية ورغبة المولى الباقية ولو بعد سقوط الامر الأول. ولتثبيت هذه النظرية نقول: ان الاتيان بفرد أكمل بعد الامتثال بالفرد الأول أمر ممدوح عند العقلاء، ومدح العقلاء يؤدي إلى حكم قبول صلاته. والنقطة المهمة هنا كيف اثبت بقاء المحبوبية ورغبة المولى في الشيء بعد سقوط الحكم؟.
المختار:
قبل بيان المختار لا بد من تقديم مقدمات:
أولا: المأمور به يساوي غرض المولى، لأن الحكم يحدث مع حدوث الغرض، ويبقى مع بقائه، وينتفي مع انتفائه.
ثانيا: يسقط الأمر بسقوط الغرض، وهذا موجود في المقدمة الاولى.
ثالثا: يتحقق الغرض بتحقق متعلّق الأمر ولو بفرد واحد، كما هو قضية الأصل اللفظي في الأوامر.
رابعا: انتفاء الأمر يدل على انتفاء ملاكه، وهذا لا يدل على انتفاء المحبوبية.
خامسا: مع انتفاء الأمر لا تنتفي المحبوبية لبقيّة الأفراد فيبقى حسنها.
سادسا: الثواب أوسع من وجود أمر أو حكم، أي قد يكون هناك ثواب من دون حكم. ولذا نجد أن أكثر الفقهاء استدل بروايات " من بلغه ثوابا على عمل فعمله رجاء ذلك الثواب كان له ذلك وإن كان رسول الله (ص) لم يقوله ". حيث اختلف الفقهاء بين من استدل بالروايات على ثبوت حكم استحبابي وهو ما سمّوه بقاعدة التسامح في أدلة السنن، [2] وبين من أثبت الثواب دون الحكم بالاستحباب. بعبارة أخرى: هناك تفكيك وفرق بين ثبوت حكم استحبابي وبين ثبوت الثواب، أي لا نستطيع ان نقول ان الثواب يدور مدار الحكم والامر وجودا وعدما.
سابعا: يمكن الاتيان بالمأمور به بداعي حسنه أو محبوبيته ولو لم يكن أمر به.
ثامنا: إن العقلاء يمدحون الآتي بالفعل الحسن والمحبوب وإن لم يكن أمر به، وهنا حالتان:
تارة نعلم بثبوت رغبة المولى فيه ومحبوبيته، وهذا لا شك في مدح العقلاء له.
وتارة نشك في ثبوت الرغبة والمحبوبية، وهنا قد يمدح العقلاء من يقوم به على تأمل وتوقف.
نعم إذا ثبت عدم حسنه فلا شك في انتفاء المدح.
غدا ان شاء الله نكمل المقدمات والمختار.




[2] ويقترب هذا الرأي من التصويب إذا وسعنا قاعدة من بلغ إلى رأي الفقيه من دون الرجوع للرواية عن المعصوم (ع). .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo