< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

35/12/21

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: الإجزاء.
-دليل القول الثالث، وبيان الخلل في كلام صاحب الكفاية (ره).
-بيان المختار.
أما القول الثالث: وهو جواز الامتثال بعد الامتثال إذا لم يحصل الغرض الأقصى، ومثل له صاحب الكفاية (ره) باهراق الماء قبل أن يشرب الآمر، واستدل له بعدم حصول الغرض. فإن الخلل في كلام صاحب الكفاية هو الخلط بين الغرض المترب على وجود المأمور به في الخارج من دون دخل شيء آخر فيه وبين غرض الآمر كرفع العطش في المثال المذكور، حيث إن حصول الغرض الأقصى يتوقف على فعل نفس الآمر وهو الشرب زائد على الاتيان بالمأمور به، ومن الطبيعي أن المكلّف لا يكون مأمورا بإيجاد الشرب وامتثاله لخروجه عن قدرته واختياره، فالواجب على المكلف ليس الا تمكين المولى من الشرب مع المقدمات وهو تحت اختياره، وهذا يحصل بالامتثال الأول.
اما المختار: ويمكن جعله قولا رابعا وهو: عدم صحة الامتثال بعد الامتثال مع إمكان الاتيان بفرد آخر في حال بقاء المحبوبية: فنقول:
قبل بيان المختار لا بد من تقديم مقدمات:
أولا: المأمور به يساوي غرض المولى، لأن الحكم يحدث مع حدوث الغرض ويبقى مع بقائه، وينتفي مع انتفائه.
ثانيا: يسقط الأمر بسقوط الغرض، وهذا موجود في المقدمة الاولى.
ثالثا: يتحقق الغرض بتحقق متعلّق الأمر ولو بفرد واحد، كما هو قضية الأصل اللفظي في الأوامر.
رابعا: انتفاء الأمر يدل على انتفاء ملاكه، وهذا لا يدل على انتفاء المحبوبية.
خامسا: مع انتفاء الأمر لا تنتفي المحبوبية لبقيّة الأفراد فيبقى حسنها، وقد تنتفي.
سادسا: الثواب أوسع من وجود أمر أو حكم، أي قد يكون هناك ثواب من دون حكم. ولذا نجد أن أكثر الفقهاء استدل بروايات " من بلغه ثوابا على عمل فعمله رجاء ذلك الثواب كان له ذلك وإن كان رسول الله (ص) لم يقله ". حيث اختلف الفقهاء بين من استدل بالروايات على ثبوت حكم استحبابي وهو ما سمّوه بقاعدة التسامح في أدلة السنن، وبين من أثبت الثواب دون الحكم بالاستحباب. بعبارة أخرى: هناك تفكيك وفرق بين ملاك ثبوت حكم استحبابي وبين ثبوت الثواب، أي لا نستطيع أن نقول أن الثواب يدور مدار الحكم والأمر وجودا وعدما.
سابعا: يمكن الاتيان بالمأمور به بداعي حسنه أو محبوبيته ولو لم يكن أمر به. وهذه المقدمة مهمة في المختار.
ثامنا: إن العقلاء يمدحون الآتي بالفعل الحسن والمحبوب وإن لم يكن أمر به، وهنا حالتان:
تارة نعلم بثبوت رغبة المولى فيه ومحبوبيته، وهذا لا شك في مدح العقلاء له.
وتارة نشك في ثبوت الرغبة والمحبوبية، وهنا قد يمدح العقلاء من يقوم به على تأمل وتوقف.
نعم إذا ثبت عدم حسنه فلا شك في انتفاء المدح.
تاسعا: إن مدح العقلاء كاشف عن حسن الفعل ومحبوبيته، فيثبت للفاعل الثواب والأجر.
عاشرا: إن افراد متعلق الأمر على نحوين:
-نحو يتساوى فيه الأفراد في تحصيل الغرض.
-ونحو آخر تتفاوت فيه الأفراد في تحصيل غرض المولى على نحو الكلي المشكك.
إذا عرفت هذا فنقول: لا شك أن الفرد الأكمل محبوب، ومن يفعله ممدوح عند العقلاء، فنستكشف من ذلك محبوبية المولى له، فيصح الإتيان بفرد آخر، وذلك عند تفاوت الأفراد على نحو الكلي المشكك في تحصيل غرض المولى. وهذا ما لا ريب فيه ولا شبهة تعتريه.
إنما الاشكال في بقاء رغبة المولى للفرد الآخر بعد تحقق الفرد الأول، فنقول: إذا كان متعلق الأمر كليا مشككا في تحصيل غرض المولى، فهناك أفراد تندرج من الأقل إلى الأكمل، فلا شك في بقاء رغبة المولى للفرد الأكمل ومحبوبيته له، ولكن ملاك الحكم وإنشاء الأمر يختلف عن ملاك المحبوبية والمرغوبية، فمع تحقق الامتثال بالفرد الأقل يتم غرض المولى وملاكه في الحكم فيسقط، لكن المحبوبية تبقى، ولذا نرى العقلاء يمدحون من يأتي بالفرد الأكمل ولو بعد امتثال الأول، أما مع عدم تحصيل الغرض الأقصى كما ذهب إليه الشيخ الآخوند في الكفاية فواضح، ومع الشك فيه فأيضا لا شك في مدح العقلاء له، وقد ذكرنا في المقدمة التاسعة أن مدح العقلاء كاشف عن محبوبية المولى، فيمكن الإتيان بالفعل مرّة أخرى بالفرد الأكمل بداعي عبوديته، ويكون صحيحا وله أثار الصحيح.
نعم الاتيان بفرد آخر من دون مزية لا يمدحه العقلاء بل قد يعتبرونه سفها، وهذا كاشف عن عدم حب ورغبة المولى فيه. وأيضا مع العلم بعدم رغبة المولى فيه لتحقق الغرض الأقصى مثلا لا يمدح العقلاء من يأتي بفرد آخر.
والخلاصة: إن الاتيان بفرد آخر ذو مزية وفضل مرغوب للمولى هو إتيان صحيح، وتترتب عليه الآثار الشرعية. وبهذا تكون روايات إعادة الصلاة جماعة بعد الامتثال فرادى على طبق القاعدة العقلائية، ولا تخرج عنها فالإسلام دين الفطرة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo