< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

36/02/15

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: الإجزاء مع الاتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري
-بيان لسان ظهور الأصل.
-الفرق بين نوعي الحكومة، الفرق بين " الطواف صلاة" وبين " كل شيء لك طاهر حتى تعلم انه قذر".
نكمل الكلام في أجزاء الامر الظاهري عن الامر الواقعي، وكيفية الجمع بين الحكم الظاهري والحكم الواقعي ورد السيد الخوئي (ره) نقضا وحلا على صاحب الكفاية (ره) الذي ذهب إلى ان الامارات مجرد كاشف والأصول ليست كاشفة بل هي تعبدية ولسانها لسان توسيع الشرط أو الشطر.
نكمل كلام السيد الخوئي (ره) في الجواب الحَلِّي في كيفية الجمع بين الحكم الظاهري والحكم الواقعي ونحن نعلم أن الحكم الظاهري والواقعي يحتاجان إلى مصالح، فإذا كان الحكم الواقعي يخالف الحكم الظاهري وانكشف بعد ذلك بان عالم الثبوت غير عالم الاثبات، فهل عندما قلنا " ان كل شيء لك طاهر " كيف الشارع يسمح عندما يشرع لي أمرا كجواز الاخذ بالأمارة أو بالأصل بفوات مصلحة الواقع؟ هذا أولا، وثانيا: كيف يشرع لي أمرا يؤدي إلى تضاد بين حكمين الحكم الظاهري والحكم الواقعي؟
أجاب السيد الخوئي على ذلك بان الاحكام الخمسة ليست متضادة لا في نفسها لانها أمر اعتباري محض ولا من حيث المبدأ أي المصالح [1] فالحرمة شيء والحلية شيء آخر، فالحكم الظاهري مصلحته من سنخ آخر تختلف عن سنخية الحكم الواقعي فلا تضاد بينهما. ولا المنتهى أي عالم الامتثال فلا يمكن امتثال الوجوب والحرمة في آن واحد، لكن إذا لاحظنا أن موضوع الحكم الظاهري هو عدم وصول الحكم الواقعي، فيجب امتثال الحكم الظاهري، بعبارة أخرى ليس هناك وجوب لامتثال حكمين في آن واحد. فإذا وصل الحكم الواقعي فيجب امتثاله، وإذا لم يصل فيجب امتثال الحكم الظاهري فقط، فلا وجود للتضاد.
نعود لكلام السيد الخوئي (ره): وعلى الجملة ففي موارد وجود الحكم الظاهري لا يجب على المكلف امتثال الحكم الواقعي، وفي موارد وجوب امتثاله لا حكم ظاهري في البين. فالنتيجة: هي أنه لا تنافي بين الحكم الظاهري والحكم الواقعي أصلا، وعليه فالالتزام بوجود الحكم الظاهري في موارد قاعدة الطهارة والحلية لا ينافى الالتزام بثبوت الحكم الواقعي في مواردهما أيضا، بل لا مناص من الالتزام بذلك بعد بطلان التصويب والانقلاب
بكافة أشكاله وألوانه كما حققناه في محله. [2]
وعلى ضوء هذا الأساس [3]فلو صلى المكلف مع طهارة البدن أو الثياب ظاهراً بمقتضى قاعدة الطهارة أو استصحابها وكان في الواقع نجساً فصلاته وان كانت في الظاهر محكومة بالصحّة ويترتب عليها آثارها إلا أنها باطلة في الواقع، لوقوعها في النجس، وعليه فإذا انكشف الخلاف انكشف أنها فاقدة للشرط من الأول وأنه لم يأت بالصلاة المأمور بها واقعاً، وإن ما أتى به ليس مطابقا لها، فإذن بطبيعة الحال تجب الإعادة أو القضاء [4]، والإتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري إنما يكون عذراً له في تركها ما دام بقاء الجهل والشك، وأما إذا ارتفع وانكشف الحال لم يكن معذوراً في تركها، فالأحكام الظاهرية في الحقيقة أحكام عذرية فحسب، وليست أحكاماً حقيقية في قبال الأحكام الواقعية، والمكلف مأمور بترتيب آثار الواقع عليها ما دام الجهل وإذا ارتفع ارتفع عذره [5]، وبعده لا يكون معذوراً في ترك الواقع وترتيب آثاره عليه من الأول.
وأما حديث حكومة تلك القواعد [6]على الأدلة الواقعية كما تقدم ذكره فلا يجدي، والسبب في ذلك هو أن هذه الحكومة حكومة ظاهرية موقتة بزمن الجهل بالواقع والشك فيه وليست بحكومة واقعية، لكي توجب توسعة الواقع أو تضييقه [7]. ونتيجة هذه الحكومة بطبيعة الحال ترتيب آثار الواقع ما لم ينكشف الخلاف، فإذا انكشف فلا بد من العمل على طبق الواقع.[8]



[1] استطراد: صاحب الكفاية (ره) كان يقول ان للأحكام أربعة مراحل: الاولى الاقتضاء، الثانية الانشاء، الثالثة الفعلية، الرابعة التنجيز. فالاقتضاء يعنى انه لا بد من وجود مصالح، ما عبّر عنه السيد الصدر بمرحلة الملاكات. وبعد وجود المصلحة يكون الانشاء على طبقها، أي الجعل وهو بداية الحكم. بعدها هنا مرحلة الدافع للحكم وهي الفعلية. فإذا وصل الحكم للمكلف نصل إلى مرحلة التنجيز وهي نهاية المراحل فيلزمه عقلا المسؤولية عنه وامتثاله .
[2] وهنا نوضح الفرق بين نمط تفكير الشيخ الانصاري (ره) ونمط السيد الخوئي (ره)، فحين استحكام الاشكال في مورد يكون دليلا على المورد الآخر عند الاول، أما عند السيد الخوئي (ره) فظهور الرواية هو الدليل بغض النظر عن محالية التصويب وأما عبارة " لا مناص "لا تدل على ان الاشكال على التصويب هو الذي أدى إلى هذه النتيجة، بل ان الاشكال هو محالية التصويب، ثم حلَّ الموضوع وبعد الحل نصل إلى النتيجة. فالحل ان الامارة هي مجرد كشف، والاصل لسانه ليس لسان كشف ولا توسيع شرط، بل هو على ما نستظهره من المعذرية.
[3] بانه لا تضاد بين الاحكام الظاهرة والواقعية.
[4] فطبيعة الحال هي القول بعدم الأجزاء، لان الواقع باقي على ما هو عليه. كلام السيد السبزواري ينقض كلام السيد الخوئي (ره) ويختلف عن المختار عندنا، وسنحل المسألة ببحث عقائدي.
[5] فـ " كل شيء لك طاهر حتى تعلم " أي انت معذور حتى تعلم، لفظ "حتى" للغاية، أي إذا ارتفع الجهل يرتفع العذر، فلا مناص من الذهاب إلى عدم الأجزاء. هذه النقطة غير ملتفت اليها فليس لأنه مجرد امتنع التصويب ذهب إلى هذه النتيجة، فالمستظهر من القاعدة هو انك تبني على الظاهر وانت معذور في عدم الاخذ بالواقع طالما لم ينكشف الواقع، فإذا انكشف لست معذورا بالأخذ بالظاهر، لكن ليس من حين ارتفاع الجهل كما ذهب اليه صاحب الكفاية، بل من الأول، وهذا هو الذي نفهمه من الحديث، لا لامتناع التصويب بل لما هو ظاهر منه، هذا ما نفهمه من الحديث والقواعد. النتيجة: ان الشيخ الاخوند فهم من الحديث انه لسان توسيع شرط، أما السيد الخوئي فقد فهم انه لسان معذرية.
[6] نعم هناك حكومة مثلا: " كل شيء لك طاهر " و " الطواف صلاة "
[7] فائدة:. هنا السيد (ره) يشير إلى الفرق بين نوعين من الحكومة: " الطواف صلاة " هذا نوع من الحكومة و " كل شيء لك طاهر " نوع آخر، لماذا الأولى تؤدي إلى توسعة او تضييق، والأخرى لا تؤدي. ففي الطواف الحكومة موسعة لكن ليست بلسان حتى تعلم، ليس هناك غاية تقف عندها، أما في " كل شيء لك طاهر " هناك احكام ظاهرية غايتها العلم بالحكم الواقعي، فهناك فرق بين اللسانين. ففي لسان المغية يؤدي إلى أن حكومة الاحكام الظاهرية مغياة بالعلم أي هي مقيّدة، أما " الطواف صلاة " فهي غير مقيّدة، لذلك هو توسيع لمفهوم الصلاة ليشمل الطواف، بينما الاحكام الظاهرية " كل شيء لك طاهر " لم توسع بل تعذر.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo