< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

36/07/01

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: مقدمة الواجب.
-كون المقدمة من المسائل الكلامية أو المبادئ الأحكامية.
نتيجة البحث السابق: في مقام التعليق على كلام السيد الخوئي وصاحب الكفاية (ره) او غيرهم ممن جعلها مسألة أصولية. أن صاحب الكفاية (ره) قال أن المهم في، وعبرّ بعضهم بمرجع المسألة، وعبرّ أخرون بمردَّ المسألة إلى الملازمة بين وجوب المقدّمة ووجوب ذيها.
ونحن نقول: ما المقصود من مردّ المسألة؟ هل هو استناد المسألة إلى الملازمة؟ أم أنهما واحدة مع اختلاف التعبير؟
صاحب الكفاية (ره) عنون المسألة بعنوان مقدمة الواجب، واستظهر بعضم ومنهم صاحب الكفاية ان الاخرين جعلوها مسألة فقهية باعتبار العنوان، أي أنه بحث عن عوارض فعل المكلّف، واستدلال صاحب المعالم وغيره بانتفاء الدلالات الثلاثة: التضمنية، والمطابقية والالتزامية. وهذا شأن فقهي. ولكن لما صار البحث عن الملازمة قالوا انها مسألة أصولية لأنه ليس من شأن الفقيه ان يبحث عن الملازمة.
نحن بدورنا اشرنا إلى معنى كلمة مردها ومرجعها؟ ان كان المراد انها نفس المسألة ولكن اختلفت التعبيرات، وهذا يعني انهما مسألة واحدة، إذا كان معنى المرد والمهم والمرجع كذلك تصبح المسألة أصولية ويبحث فيها عن الملازمة. ولكن الأنصاف أن المسألة ليست مسألة واحدة بل هما مسألتان، وجوب المقدّمة شيء والملازمة شيء آخر، نعم الملازمة تقع في طريق الاستدلال، ولكن ليس معناه انهما مسألة واحدة، وإلا أصبحت كل أو أكثر المسائل الفقهية مسائل أصولية. نحن لا نسلم انهما مسألة واحدة.
وان كان معنى المردّ والمهم والمرجع في هذه المسألة، أن البحث فيها فقط عن الملازمة، فان تمّت الملازمة قلنا بالوجوب وإلا قلنا بعدمه. هذا يعني أيضا أن هناك مسألتين: مسألة مقدمة الواجب ومسألة الملازمة، ووجود مسألتين لا يعني أن المسألة الفقهية أصبحت أصولية، هناك مسألتان أحداهما متوقفة على الاخرى. خصوصا إذا كان الاستدلال على وجوب المقدمة لا ينحصر بالملازمة.
إذن نستطيع القول: بأنه أول ما أريد البحث عن فعل المكلَف بدأ البحث عن مقدمة الواجب كفعل، ما هو حكم هذا الفعل؟ إذن المسألة أساسا هي فقهية، ثم توقف البحث في المسألة على الملازمة، والملازمة قاعدة ممهدة لاستنباط حكم شرعي ومن العناصر المشتركة واصبحت مبدأ تصديقيا لمسألة فقهية.
المفروض أن يقال: إن كنا نبحث عن وجوب الفعل، وجوب المقدمة فهي مسألة فقهية. وإن كنا نبحث عن الملازمة فهي مسألة أصولية، ولا مانع من جعلهما في العلمين. فعندما نبحث عن وجوب الفعل تكون مسألة فقهية، وعندما نبحث عن الملازمة تكون مسألة أصولية، وهذا شأن معظم المسائل. مثلا: البحث عن نجاسة الفقاع وشربه، هل يجوز أو لا يجوز؟ المسألة فقهية، هذا الفعل جائز أو لا؟ فإذا توقفت هذه المسألة على مسألة أخرى كحجية خبر الواحد، كانت المسألة المتوقف عليها مسألة أصولية، أو على مسألة لغوية في معنى الفقاع. كانت المسألة المتوقف عليها مسألة لغوية. حتى لو بحثت مسألة حجية الخبر ومسألة معنى الفقاع ضمن البحث عن المسألة الفقهية.
أما كونها من المسائل الكلامية: فقد استدل له بكون الأبحاث فيها عقلية.
وهو غير تام، فإن موضوع علم الكلام هو البحث عن واجب الوجود، والمبدأ والمعاد وعوارضه، ولا مشكلة في كون الابحاث عقلية. المشكلة في أن الموضوع والغاية تختلف كليا، وقد ذكرنا أن التمايز بين العلوم هو بالأغراض ليس بطريق البحث ولا بكيفية البحث ولا بالاستدلالات.
قيل: إنها من المبادئ الأحكامية. وما نفهمه من المبادئ الأحكامية هي ما يبحث عن الحكم وآثاره وما ينفع في الاستدلال عليه.
ولكن إذا القينا نظرة على تكوّن العلوم وتكوينها وما تتألف منه نجد أن ليس للمبادئ الأحكامية من خاص تمتاز به عن غيرها.
وللتذكير: أنا سبب تكوّن العلوم هي الأغراض والدواعي التي من أجلها نشأت والتي دفعت أهل العلم والفكر للبحث عن كل ما يخدم هذا الهدف، فمثلا: لأجل صحة الإنسان أخذ الباحثون يبحثون عن كل ما يخدم هذا الهدف، وجمعوا كل مسألة تفيد في هذا الغرض، فكان علم الطب، وهكذا الفقه. فلأجل البحث عن الأحكام الشرعية الفرعية صاروا يبحثون عن كل ما يخدم هذا الهدف، ثم جمعوا هذه المسائل فكان علم الفقه. وهكذا.
ولذلك كان التمايز بين العلوم هو بالأغراض، والداعي لتأسيس العلوم هو تحصيل هذه الأغراض.
ثم، كل مسألة هي قضية لها موضوع ومحمول، أو لها مقدّم وتال. [1]
ثم إن الجامع بين موضوعات المسائل هو موضوع العلم، ولذا ذهب بعضهم إلى أن التمايز بين العلوم هو بالموضوعات.
ثم إن كل موضوع يحتاج إلى ما يبيّنه حدا أو رسما، أو أفرادا، أي كل ما ينفع في تصوّره، ومن ثَمَّ سميّت بالمبادئ التصورية.
فالمبادئ التصورية هو كل ما ينفعني في تصور الموضوع، أو المحمول في تصور ذاته أو ذاتياته أو خاصياته. وهذه المبادئ لا علاقة لها بالأدلة على ثبوت الأحكام. فإذا قلت: صلاة الظهر واجبة. الموضوع هو " صلاة الظهر " فكل ما ينفعني في تصوَّر هذا المعنى هو من المبادئ التصورية، وكذا ما ينفعني في تصور الوجوب أي المحمول.
والمبادئ التصديقية هي كل ما ينفعني في إثبات المحمول للموضوع، وتسميتها بالتصديقية لأنها تؤدي إلى الإذعان والتسليم بها. ففي المثال المتقدّم كل ما يثبت الوجوب لصلاة الظهر فهو مبدأ تصديقي كالآيات أو الروايات، والأحكام هي محمولات على موضوعاتها.
وحينئذ: بعد الأغراض والدواعي، والمسائل، وموضوعاتها، ومحمولاتها، وموضوع العلم ومحموله، والمبادئ التصورية والتصديقية. ما معنى المبادئ الأحكامية؟ ولا أرى المبادئ الأحكامية إلا ما يرجع للأغراض أو المبادئ التصورية أو التصديقية. بل إن كل المسائل الاصولية هي من المبادئ التصديقية لعلم الفقه لأنها الأحكام الفرعية.
وقد يقال إنها من المسائل اللفظية، بمعنى البحث عن مدلولات وجوب ذي المقدمة، وهل من مدلولاته اللفظية وجوب المقدمة؟ وهذا الذي يظهر من صاحب المعالم (ره) الذي نفى وجوب المقدمة بنفي الدلالات الثلاث، بل يظهر من كل من جعل المبحث من ضمن مباحث الالفاظ. [2]
والظاهر أنها ليست كذلك، بل كل من استدل على وجوب المقدمة بالدلالات الثلاث اللفظية فإنما جعلها من المبادي التصديقية لإثبات وجوب المقدمة الغيري.
والحق: أن المسألة في الأساس مسألة فقهية، لأن البحث فيها عن نفس وجوب المقدمة كمقدّمة فهي بحث عن عوارض فعل المكلَّف المقدّمي.
تعريج على: اشتراط إتحاد الفعل عنوانا وحقيقة في الخارج في المسألة الفقهية.
وبهذا يندفع ما ذكره الشيخ النائيني (ره) حيث ذكر ما مضمونه: أن الاحكام الفقهية مجعولة للعناوين الخاصة كالصلاة والصوم والحج والزكاة وما شاكل ذلك. والمقدمة حيث إنها تصدق في الخارج على العناوين المتعددة والحقائق المختلفة، وليس عنوانا لفعل واحد فبطبيعة الحال لم يكن المجعول عليه من الأحكام الفقهية لتكون المسألة فقهية.
والجواب (من السيد الخوئي (ره)): إن الضابط في المسألة الفقهية هو كونها مجعولة للموضوعات والعناوين الخاصة من دون فرق بين كونها منطبقة في الخارج على حقيقة واحدة كالأمثلة المتقدّمة، أو على حقائق متعددة كعنوان: النذر، والعهد، واليمين، وإطاعة الوالد، والزوج، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما شابه ذلك. حيث إنه لا شبهة في أن الأحكام المجعولة لهذه العناوين من الأحكام الفقهية.[3]
ألا ترى أن قوله (ع) " المؤمنون عند شروطهم " دليل على وجوب الوفاء بالشرط، وهي مسألة فقهية، ثم أن الشروط ليس لها حقيقة واحدة في الخارج، فقد يكون الشرط عبادة، وقد يكون معاملة، وقد يكون فعلا خارجيا إلى غير ذلك.
والنتيجة: أن الغرض الأساس والداعي في مسألتنا هو البحث عن وجوب المقدّمة الغيري فناسب هذا أن تكون المسألة فقهية. غدا ان شاء الله نكمل.




[1] استطراد: كل قضية قبل إثباتها تسمى مسألة، وبعد إثباتها تسمى قاعدة. .

[2] واول من فصل هذه المسألة عن مباحث الالفاظ الشيخ محمد حسن الاصفهاني الكمباني (ره) عندما جعل علم الاصول عبارة عن مباحث الفاظ، وملازمات عقلية، ومباحث الحجة، والاصول العملية. فبحثت مسألة مقدمة الواجب في بحث الملازمات العقلية. .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo