< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

36/07/09

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: مقدمة الواجب.
-وجود المانع عن اتصاف الأجزاء بالوجوب الغيري.
استطراد مفيد في الفرق بين العلّة والقيد:
فلو أمر الآمر وقال: " أكرم العالم النافع " فإن كان النفع علّة كان حيثية تعليلية، فكأنه قال: " أكرم العالم لأنه نافع ". وإن كان قيدا فهو حيثية تقييدية [1].
والفرق بينهما جوهرا: أن القيد يُضيِّق دائرة موضوع الحكم أو المتعلّق، فيقلُّ أفراده، بخلاف العلّة، فهي لا تنظر إلى الأفراد بل إلى سبب ثبوت الحكم للموضوع فيبقى عموم الموضوع على عمومه.
ومن ثمار ذلك:
-أن المفهوم حينئذ في القيد هو مفهوم الوصف أو اللقب، وهو أمر مختلف في ظهوره، بخلاف مفهوم العلّة فهو أمر متفق عليه وان الحكم يدور وجودا وعدما مدار علّته. ولذلك يحكم بعدم الإكرام في الحيثية التعليلية لغير " العالم النافع " في المثال السابق، دون الحيثية التقييدية التي يسكت فيها عن عدم " الاكرام" او " الاكرام " في الافراد الاخرى.
-يتوسع الحكم في العلّة إلى كل ما تنطبق عليه ولو لم يكن " عالما "، بخلاف القيد.
-العلّة في مقام الإثبات هو ما نسميه بالمناط [2]، والعلّة في مقام الثبوت هو ما نسمّيه بالملاك، ومع التصريح بالعلّة يكونان أمرا واحدا بحسب الظاهر.
-أن موضوع الحكم يكون عاما ومطلقا في الحيثية التعليلية دون الحيثية التقييدية.
-أن موضوع الحكم في العلّة هو عنوان " العالم " بينما موضوع الحكم في القيد هو " العالم الشاعر ".
وهناك ثمار كثيرة يمكن ان نراها بين العلّة والقيد ذكرنا اهمّها.
نعود لإشكال السيد الخوئي (ره) على ان هناك مانعا بالاتصاف بالوجوب الغيري بما ملخصه: إن المثلين هنا يندكان في وجوب واحد، ولا يعقل بقاء الحكمين كل منهما بحدّه، بعبارة أخرى: لو بقي كل من الوجوبين مستقلا في الجزء نعم يكون لدينا وجوبان لكن هذين الوجوبين يندكان في وجوب واحد.
ومثل لذلك بصلاة الظهر التي تتصف بوجوبين: أحدهما نفسي، والآخر غيري كونها مقدمة لصلاة العصر. هذا سواء كان الحكمان برتبة واحدة أو متعددة طالما كان ثبوتهما في زمن واحد. نعم لو كان الاجتماع في شيء واحد في زمنين لما تعقلنا الاندكاك. وذكر السيد الخوئي (ره) هذا الكلام تعليقا على بعض الاعاظم الذي قال أن نظرية الاندكاك لا نسلّم بها مع اختلاف الرتبة.
والخلاصة أن صاحب الكفاية (ره) ذهب إلى وجود المانع من اتصاف الجزء بالوجوب الغيري وهو اجتماع المثلين، بينما يرفض ذلك السيد الخوئي (ره) بناء على اندكاك الحكمين في حكم واحد ليصبحا وجوبا واحدا أكيدا، ويخرجا عن كونه اجتماع للمثلين.
ونقول: إن الإندكاك متعقّل في الأمور الإستحبابية اما في الأمور الوجوبية فمحل نظر، وذلك أن المستحب له مراتب كثيرة، فكلما ثبت ما يوجب الاستحباب والثواب تأكدّ في مجمع العنوانين أو في العنوان الواحد [3]. أما الواجب فله مرتبة واحدة وهي الالزام، وهو كلّي متواطئ ولا معنى لقولنا: واجب أكيد، بل نقول واجب أهم، وزيادة الأهمية لا تعني الاندكاك. ولو قلنا باندكاك المتماثلين في حكم واحد، لما بقي مورد لقول المناطقة: " يمتنع عقلا اجتماع المتماثلين "، لانهما لا يبقيان كلاً على حدة، بل يتحدان دائما [4].
وإذا أردنا أن نقيس الأمور الاعتبارية على الأمور العقلية الفلسفية:
نعم هناك مسألة في الفلسفة وهي: هل يجوز ورود علّتين على معلول واحد؟ هل يجوز كون معلول واحد مستندا إلى علّتين؟
فلو فرضنا أن إطلاق رصاصة على الرأس تؤدي إلى الموت، واطلقت رصاصتان في آن واحد، فإلى أيهما يستند الموت؟
قد يقال بتعدد العلّة، وقد يقال بالاندكاك، وقد يقال: تكون العلّة واحد غير معلومة مرددة بين الاثنين. وقد يقال كل منهما أصبح جزء علّة.
وغدا ان شاء الله نبحث، هل هذا المثال ينطبق على ما نحن فيه أو لا؟





[1] تذكير:. إذا قال الآمر: " اكرم العالم العادل ": الحكم هو الوجوب، والمتعلق هو الاكرام، وموضوع الحكم هو العادل، وقيود الموضوع، العالم والشاعر والنافع إلى آخره. هناك فرق بين المتعلّق وبين الموضوع وان لم يكن اصطلاحا ساريا والجيد ان توحد الاصطلاحات، لان موضوع الحكم يطلق احيانا على نفس المتعلّق وهو الاكرام، ويطلق على متعلق المتعلّق، ويطلق احيانا على المكلّف لكونه موضوع الحكم.
[2] تذكير:. الفرق بين المناط والملاك: ما يكون مدار الحكم وجودا وعدما في مقام الاثبات نسميه مناطا للحكم. وما يكون مدار الحكم وجودا وعدما في مقام الثبوت، نسميه ملاكا. .
[3][3] لذلك بعضهم خرج تعارض المستحبات على وجود المراتب، بحسب الحالات كما في ثواب الصلاة عند امير المؤمنين علي (ع) باختلاف الروايات. .
[4] هذا الكلام سينفعنا في بحث عبادية الطهارة الثلاثة، في الثواب والعبادية. .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo