< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

37/01/27

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: المعلّق والمنجز
نعود للتذكير بالمطلق والمشروط: قلنا ان المطلق والمشروط هو بلحاظ الوجوب لا بلحاظ الواجب، ولو كان التقسيم هكذا: الوجوب مطلق ومشروط لكان اولى من جهة عدم ارباك ذهن الطالب، ولكن درجوه في تقسيمات الواجب حيث قالوا ان من تقسيمات المقدّمة: الواجب والمشروط. وهذا التقسيم للوجوب وليس للواجب، تقسيم للحكم، قيد للهيئة وليس للمادة. عندما اقول " صلِّ " الهيئة تدل على الوجوب وهو الحكم، وهناك مادة تدل على الفعل.
عندما قسّم صاحب الكفاية (ره) وغيره قال: " تقسيمات الواجب " لكن في الحقيقة لا يمكن تقسيم الواجب، لكن نقسّم المقدّمة، وصاحب الكفاية التفت لهذا الأمر.
وقبل اعادة بيان تقسيم الوجوب، نوضح لماذا قالوا بان الواجب مشروط ومطلق، يجب أن نعلم ان كلمة واجب مطلق أو مشروط، معلّق أو منجز، المقدمة عقلية، وشرعية، وعاديّة، إلى آخره. هذه التقسيمات ليست تقسيمات مأخوذة من عناوين من نصوص شرعية، بل هي اصطلاحات، ولو كانت موجودة في عناوين شرعية لبحثنا في معنى العنوان الشرعي لاضطرارنا لذلك، مثلا: لو قلنا: " ولد الزنى لغيّة لا يورّث " فكلمة " ولد " عنوان مرّ في نص شرعي، فأكون مضطرّا لان افهم معناه حتى اجري أصالة الحقيقة أو العموم أو الإطلاق عند الشك في المراد، وذلك لأن: " الاحكام تابعة لعناوينها ".
اما وقد ابتكرت هذه المصطلحات مثلا: " الريبة " وقيل انها على اربعة اقسام واربعة معانٍ، هذه الكلمة ليست موجودة في إي نص، وعندما نبحث هذا الأمر نبحثه حتى نعلم كلام الفقهاء وليس كلام القرآن والسنّة أي النصوص الشرعية. فلا معنى حينها للتنازع بنفس المصطلح، لذلك قالوا: " لا مشاحة في الاصطلاح "، والمصطلحات الشرعية نأخذها من الاساطين والفقهاء والكتب الشرعية.
ذكر بعض الأخوة المتابعين للدرس عن بعض المصادر بان المطلق والمشروط بلحاظ الواجب، والفعل نفسه.
الجواب: بان كلمة مطلق ومشروط لغة تشمل كل مطلق ومشروط سواء كان حكما أو فعلا أو رأيا، وغيرها. لكن قلنا أن اصطلاحهم في المطلق والمشروط هو بلحاظ الوجوب لا بلحاظ الفعل.
لا بأس بأن نعود لكلام صاحب الكفاية (ره) الذي عرّف المطلق والمشروط، قال: " الامر الثالث: في تقسيمات الواجب منها: تقسيمه إلى المطلق والمشروط، وقد ذكر لكل منهما تعريفات وحدود، تختلف بحسب ما أخذ فيها من القيود، وربما أطيل الكلام بالنقض والابرام في النقض على الطرد والعكس، مع أنها - كما لا يخفى – تعريفات لفظية لشرح الاسم، وليست بالحد ولا بالرسم، والظاهر أنه ليس لهم اصطلاح جديد في لفظ المطلق والمشروط، بل يطلق كل منهما بما له من معناه العرفي [1]، كما أن الظاهر أن وصفي الاطلاق والاشتراط، وصفان إضافيان لا حقيقيان [2]، وإلا لم يكد يوجد واجب مطلق، ضرورة اشتراط وجوب كل واجب ببعض الأمور، لا أقل من الشرائط العامة، كالبلوغ والعقل [3].
فالحري أن يقال: إن الواجب مع كل شيء يلاحظ معه، إن كان وجوبه غير مشروط به، فهو مطلق بالإضافة إليه، وإلا فمشروط كذلك، وإن كانا بالقياس إلى شيء آخر كانا بالعكس. [4]
هذا كلام صاحب الكفاية (ره) وقد يقال: لماذا قالوا بان الواجب مطلق ومشروط؟
قلنا ان هذا تقسيم مجازي بلحاظ المتعلّق لا بلحاظ نفس المقسّم.
نعم قد يكون الذي أوهم بعض الاخوة ان التقسيم من تقسيمات الواجب تقسيم صاحب الكفاية (ره)، لكن نعود لكلامه حيث قال: " فصل في مقدمة الواجب.
وقبل الخوض في المقصود، ينبغي رسم أمور:
الأول: الظاهر أن المهم المبحوث عنه في هذه المسألة، .....
الامر الثاني: إنه ربما تقسم المقدمة [5]إلى تقسيمات: منها: تقسيمها إلى داخلية ......... " [6] ثم قال: الخارجية، ثم تقسيمها الى الشرعية والعادية، ثم تقسيمها إلى المتقدّم والمتأخر، وفي مقام حلّ الشرط المتأخر الذي اعترناه من القيود قال: " لا يخلو إما يكون المتقدم أو المتأخر شرطا للتكليف، أو الوضع، أو المأمور به ". [7] أي: شرط في التكليف يعني الوجوب، او المأمور يعني شرط في الواجب.
ولا بأس بذكر كلام السيد الخوئي (ره) وسنوافقه عليه، قال: " الواجب المعلق: قسم المحقق صاحب الفصول الواجب: إلى واجب مشروط - وهو ما يرجع القيد فيه إلى مفاد الهيئة - ومطلق، وهو ما يرجع القيد فيه إلى مفاد المادة.
ثم قسم المطلق: إلى واجب منجز - وهو ما كان الواجب فيه كالوجوب حاليا - ومعلق، وهو ما كان الوجوب فيه حاليا، والواجب استقباليا يعني: مقيدا بزمن متأخر.
وإن شئت قلت: إن الواجب تارة مقيد بقيد متأخر خارج عن اختيار المكلف من زمان أو زماني، وتارة أخرى غير مقيد بقيد كذلك. وعلى الأول فالوجوب حالي والواجب استقبالي، وعلى الثاني فكلاهما حالي.[8]
ويمتاز هذا التقسيم عن التقسيم الأول في نقطة واحدة، وهي: أن التقسيم الأول بلحاظ الوجوب، وهذا التقسيم بلحاظ الواجب، وعليه فتوصيف الواجب بالمطلق والمشروط توصيف بحال الغير. [9] انتهى. أي بلحاظ الوجوب لا بلحاظ الواجب. ونكرر ان هذا اصطلاح، وانما سمي الواجب بلحاظ الغير، وقد يتوهم بلحاظ الواجب نتيجة ادراجه في تقسيمات المقدّمة. صاحب الكفاية وغيره قال ان المقدّمة تنقسم إلى التقسيمات ولم يذكر تقسيم الواجب.
لذلك (رحمهم الله) عند تقسيم الواجب إلى مطلق ومشروط انما بلحاظ الوجوب لا بلحاظ الواجب. ولو قيل الوجوب مطلق ومشروط لأراحوا الطلبة كثيرا.
هذا ما احببت الاشارة اليه نتيجة استيضاح بعض الاخوة النشطين الذين راجعوا بعض الكتب التي ارجع فيها المشروط والمطلق إلى الواجب، ورأينا الحقير أن هذا الكلام غير سليم، ورأينا ماذا يقول صاحب الكفاية والسيد الخوئي (رهم) ولعلّه لا يخرج عن كلامهم احد من الاساطين. وقلنا أن هذا مصطلح وانه لا مشاحة في الاصطلاح.
نعود إلى المعلّق والمنجز، قلنا أمس أن الداعي والدافع لهذا التقسيم هو مسألة المقدمات المفوِّتة التي تفوت الواجب، فيجب عليَّ السفر للحج قبل ثمانية اشهر لو كنت في مكان بعيد، كيف يجب السفر وهو مقدّمة في ومن ليس فيه وجوب للحج، مع العلم أن مقدّمة الواجب تترشح من ذيها؟ وامثال هذه الاحكام دفعتهم إلى ايجاد حلّ للموضوع من جملتها حلّ الشيخ الانصاري (ره) الذي ذكرناه أمس وهو رجوع القيد للهيئة لا للمادة، قيد الاستطاعة في وجوب الحج للصيغة أو للمادة؟
الشيخ الانصاري (ره) للتخلص من اشكال المقدمات المفوَّتة قال انها قيد للمادة رغم انه يعترف بان ظهور اللغة للهيئة أي للحكم للوجوب، للجعل، للتكليف. لكن بدليلين اتي بهما لا بد ان نذهب إلى رجوع القيد للمادة.
ذكرنا سابقا أن هذا ديدن الشيخ الأعظم (ره) ونمط تفكير له نحن لا نوافق عليه، فهو عندما يعجز عن إشكال على أمر ما يذهب إلى حلّ آخر يكون دافعه الحقيقي إليه هو الاشكال على الأول واعطي مثالا على ذلك.
ابتكاره لنظرية المصلحة السلوكية في الامارات كما سيأتي، وباختصار: الأمارات إما ان تكون على نحو الطريقية وإما على نحو السببية.
فلو كانت على نحو الطريقية لتمّت اشكالات ابن قبة من لزوم تفويت مصلحة الواقع، ولزوم الالقاء في المفسدة عند العمل بالأمارة.
ولو كانت سببية لأدّت إلى التصويب الباطل إجماعا. والسببية سبب لإنشاء مصلحة في الواقع، هذه المصلحة يتدارك بها مصلحة الواقع أو هي نفسها الواقع حسب القول بالتصويب، وقلنا نحن كإماميّة ان القول بالسببية يؤدي إلى التصويب، والتصويب باطل.
مع العلم أن طبيعة الأمارة هي الطريقية المحضة وهذا جوهرها، فلو قلت لك: إن فلانا يوجد الآن في منزله. فهذا إخبار محض، لا يكون أبدا سببا لإنشاء مصلحة من وجوده في داره، نعم قد يكون هناك مصلحة في نفس الإخبار، وهذا شيء آخر غير إنشاء مصلحة في الخبر، فالقول بالسببية خلاف طبيعته وكنهه.
لكن لما استحكم الاشكال على الطريقية، على الشيخ الانصاري (ره) ذهب ومن تبعه إلى نظرية المصلحة السلوكية، بدعوى أن في سلوك الأمارة مصلحة يتدارك بها مصلحة الواقع. وحاول الاستدلال لها بأمور لا ترجع إلى محصّل. ولذا لو فرضنا أن الاشكال على الطريقية غير وارد لما ترك القول بالطريقية أصلا.
وكان المفروض على الشيخ الاعظم (ره) أن يقول هكذا: إن طبيعة الخبر طريقية، وعدم التمكن من ردّ الاشكال لا يعني بطلان النظرية، فهو من قبيل " الشبهة مقابل البديهة ". وبعبارة اخرى: إن استحكام الاشكال في نظره الشريف لا يعني التنكر لطبيعة الخبر وهويته وكنهه وهي الطريقية. بل يجب عليه أن يقول: إن طبيعة الخبر هي على نحو الطريقية، وأنا لا أحيد عن ذلك، لكن هناك اشكالا قويا يجب أن نبحث له عن جواب.
وهكذا ايضا هنا: إن ظهور القيود لغة في نحو: إذا زالت الشمس فصلِّ " هي الهيئة والاشكال بعدم تجويز ترك المقدمات المفوّتة هو الذي دفعه للقول برجوع القيد للمادة.
ايراد من أحد الطلبة: لا يقال: ان هذا المنحى التفكيري طبيعي، فهو من قبيل القرينة العقلية الصارفة عن المعنى الحقيقي، فلو قلنا: " رأيت اسدا يرمي "، الاسد موضوع للحيوان المفترس، عقلا زيد لا يكون اسدا، إذن الموضوع له شيء واستعمل بمعنى آخر، فلا مشكلة في القرائن لازالة الظهور عن معناه. ايضا هنا ظهور اللغة في عود القيد إلى الهيئة، مثلا: " إذا زالت الشمس فصلَّ "، " زالت " قيد يعود إلى هيئة صلِّ، لكن العقل يقول انه لا يمكن ان تعود إلى الهيئة فأرجعناه للمادة، ولا اشكال في ذلك.
ولو قلنا: " يد الله فوق ايديهم " لا بد لنا من حمل اليد على غير معناها الحقيقي وهو العضو البدني، بالعقل الله ليس له يد ولا بد من الحمل على معنى آخر كالقدرة.
والجواب: إن الإنصراف عن ظهور اللفظ في معناه لقرينة أمر غير عزيز، لكن لا يكون دائما. فلا معنى للقول ان طبيعة الخبر هي الطريقية، ولكنه دائما ليس كذلك بل هو سبب لمصلحة سلوكية، فلا معنى لخروج الخبر عن طبيعته دائما.
كذلك لا معنى لخروج لفظ القيد عن ظهوره دائما في كونه قيدا للهيئة، فقد يخرج احيانا لقرينة، لكن لا دائما.
غدا نكمل ان شاء الله اهمية هذه الفكرة، وهل يمكن ان يكون الزمان قيدا للواجب كما هو قيد للوجوب؟



[1] لكن هذا الكلام ليس صحيحا، لأنها خرجت عن المعنى اللغوي واصبح لها معنى خاصا، تم النقل من المعنى اللغوي إلى معنى اصطلاحي. .
[2] من قبيل الابوّة " زيد اب " الأبوة بلحاظ ابنه، وأبن بلحاظ والده خالد. معنيان اضافيان يتقابلان تقابل الاضافة.
[3] العقل من الشرائط العامّة للتكليف لا للفعل. والعقل من الشرائط العامة للتكليف بالصلاة لا لفعل الصلاة وصحتها. .
[5] هنا ذكر أن المقدّمة هي التي تقسّم وليس مقدمّة الواجب ولا مقدمة الوجوب.
فائدة: من الميّزات والفرق بين الكتب الحوزويّة والكتب العاديّة الثقافيّة، ان الكتب الحوزوية التي يجب أن تقرر ككتاب لكل كلمة بل لكل حرف فيها معنى. أما الكتب الاخرى يمكن ان يلخص مضمونها بصفحات قليلة. نعم نحن ضد التعقيد في التعبير الذي يؤدي إلى التبعيد. .
[8] هذا كلام صاحب الفصول، وقلنا اننا لا نوافق عليه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo