< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

37/02/14

بسم الله الرحمن الرحيم

العنوان: دوران الأمر بين تقييد الهيئة وبين تقييد المادة.

ملخص ما ذكره السيد الخوئي (ره): إن التنافي بين الاطلاقين لم يكن بالذات، بل بأمر خارجي، فلا موجب لتقديم أحدهما على الآخر لا عرفا ولا عقلا.

ببيان آخر: انما نقدم احد الدليلين على الآخر إذا كان هناك تكاذب وتناف، فنحمل احدهما على الآخر أي نتصرّف بأحدهما، أو بالاثنين معا مثال التصرف بالاثنين معا: " ثمن العذرة سحت" و " ثمن العذرة لا بأس به " للتعارض والتنافي والتكاذب نتصرف بالاثنين معا، فنقول ان " ثمن العذرة سحت " إذا كان لا نفع فيه، و " لا بأس به " إذا كان فيه نفع، أن نقدّم الخاص على العام مثلا في: " أكرم العلماء ولا تكرم زيدا " لان عدم اكرام زيد ينافي عموم العلماء.

نقول: إن التنافي والتكاذب كما يكون ذاتا كما لو قلت: " صلِّ " و " لا تصلِّ " ، فلا بد من رفع اليد عن احدهما أو كليهما، بان نتصرف بالسند أو بالدلالة. [1] كذلك يمكن أن يكون التكاذب بأمر خارجي كمل في " صلّ صلاة الظهر يوم الجمعة " و " صلّ صلاة الجمعة يوم الجمعة " فانهما لا يتكاذبان ولا يتنافيان ولا يتعارضان ذاتا، ولكن يكونا متنافيين عرضا بوجود حديث ثالث: "خمس صلوات كتبهنّ الله في اليوم والليلة ". فلا بد من رفع اليد عن أحدهما.

وهنا أيضا في مسألتنا: نعلم بوجود القيد فلا بد من رفع اليد عن أحد الاطلاقين، ولما كان نسبة القيد إلى كل من الاطلاقين واحدة فلا موجب لتقديم أحدهما وهذا مسلّم طالما أن التقديم لا يزال بلحاظ مجرد الاطلاقين ومدلولهما، وهذا كلام متين.

لكن إذا كان هناك مرجح عقلي أو عقلائي أو عرفي، فلا بد من التقديم، وما ذكروه من الترجيحين كاف للتقديم، لان الترجيح بأمر عقلائي، وهو إجراء استصحاب عدم التصرف في الأول، وعدم التقييد في الثاني. فان هذين الترجيحين كافيان عند من يقول بصحتهما - وإن ذهبنا نحن وغيرنا إلى عدم قيامهما بالترجيح - .

الالفاظ يتصرّف بأحدهما بناء على نظرة عرفيّة كالحكومة والورود وغيرهما، واحيانا لا مانع من التصرف بأحدهما بناء على نظرة عقلية او عقلائية، مثلا: في صيغة الأمر قالوا انها موضوعة لإنشاء الطلب، لكنها من العالي إلى الداني ظاهرة في الوجوب، أي انها موضوعة لشيء وظهورها ظاهر في شيء إذا كانت من العالي إلى الداني. هنا وقع تصرّف بمدلول اللفظ، والسبب انه قيل يقبح من الداني أن يعصي العالي فيكون هذا الطلب من العالي دليلا على الطلب الوجوبي، وعصيان العالي خدش في مقامه، فعقلا الطلب منه يدل على الوجوب، والاستحباب هو الذي يحتاج إلى الدليل. كل هذه القرائن قرائن عقلية على التصرف بالموضوع له انشاء الطلب الذي يشمل الوجوب والاستحباب وغيره، والظهور في خصوص الوجوب. فلا مانع من ان تكون القرائن العقلية مرجحا وسببا للتصرف في مداليل الألفاظ.

بعبارة اخرى: إن التقديم لا ينحصر بخصوص التنافي الذاتي، بل يشمل حتى العرضي وباللازم في حال وجود مرجح، ولا نسلّم بعدم امكانية وجود مرجح كما ذكر السيد الخوئي (ره) بانه لا موجب لتقديم عقلي او عرفي، إلا إذا اراد من قوله هذا أن لا مانع من الترجيح في التنافي العرضي، إلا أن ما ذكروه ليس مرجحا.

وبالنتيجة:

- إذا تمّ الموجب للتقديم قدمنا الشمولي على البدلي.

وإذا لم يتم الموجب للتقديم، فإن كان التقييد بدليا متصل يمنع أصل الظهور، امتنع الدليلان على الظهور في الاطلاقين: اطلاق الهيئة واطلاق المادة. وحينئذ نقتصر على القدر المتيقن وهو خصوص الهيئة المقيّدة والمادة المقيّدة.

وإذا لم يتم الموجب للتقديم وكان التقييد بدليل منفصل، سقط الاطلاقان عن الاعتبار، ووجب الاحتياط من باب الاصل العملي، لوجود العلم الاجمالي بتقييد احدهما.

غدا ان شاء الله نكمل البحث.

 

والحمد لله رب العالمين.

 


[1] تذكير: التصرف في مقام الدلالة إما يكون: بالتخصيص، أو التقييد، أو بالحكومة، أو بالورود، أو بالجمع العرفي. والجمع العرفي هنا بالمعنى الاخص الذي هو مقابل التقييد والتخصيص والحكومة والورود، بالمعنى الاعم للجمع العرفي. أما الجمع التبرعي فهو الذي لا يساعد عليه العرف، ليس عرفيا بل هو تبرع من الشخص، من الذوق الخاص والدافع إليه أن لا نرمي الدليلين من أصل، بل نبقي على حجيتهما ونتصرف في مدلولهما.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo