< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

37/02/28

بسم الله الرحمن الرحيم

العنوان: حلّ اشكال المقدمات المفوتة

هل يجوز له إجناب نفسه؟ على ما ذكرناه لا يجوز له ذلك لان اجناب النفس يكون قبيحا عقلا لأنه سيؤدي إلى عدم امكان الاغتسال الذي يؤدي إلى عدم امكان الاتيان بالصوم في وقته، فينتقل الامر إلى التيمم، فيكون التحريم تحريم فوات الواجب وهو الصوم وليس تحريم الاجناب.

نعم وردت رواية معتبرة في جواز الجنابة مع الأهل بعد دخول الوقت مع عدم وجود الماء الكافي عنده للإغتسال. الوسائل: 1- محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب، عن علي بن السندي، عن صفوان، عن إسحاق بن عمار قال: سألت أبا إبراهيم (الكاظم) عليه السلام عن الرجل يكون مع أهله في السفر فلا يجد الماء، يأتي أهله؟ فقال: ما أحب أن يفعل ذلك إلا أن يكون شبقا، أو يخاف على نفسه. ورواه ابن إدريس في (آخر السرائر) نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب مثله.

2 - وزاد: قلت: يطلب بذلك اللذة؟ قال: هو له حلال، قلت: فإنه روي عن النبي صلى الله عليه وآله أن أبا ذر سأله عن هذا، فقال: إيت أهلك تؤجر، فقال: يا رسول الله و أوجر؟ قال: نعم، إنك إذا أتيت الحرام أزرت، فكذلك إذا أتيت الحلال أجرت، فقال: ألا ترى أنه إذا خاف على نفسه فأتى الحلال أجر. ورواه الشيخ أيضا والكليني كما يأتي في النكاح. [1]

اما من ناحية السند الرواية فيها علي بن اسماعيل السندي، ولم يوثق صريحا إلا من قبل نصر بن الصباح الذي روى عنه الكشي كثيرا وهو أيضا محلّ خلاف، ولكن الاقرب توثيقه لوجود قرائن على ذلك، فتكون الرواية معتبرة ونأخذ بها.

اما من ناحية الدلالة: يقول (ع): " ما احبه ان يفعل ذلك " وهذا ليس تحريما، بل عدم استحباب أو كراهة وترتفع عند الشبق أو الخوف على النفس.

إذن الرواية تدل على جواز ان يجنب الانسان نفسه، لكن لما كانت خلاف الأصل وهو عدم جواز اجناب النفس للقبح العقلي وتفويت الواجب، لذلك هناك إشكال في اهراق الماء واجناب النفس قبل الواجب الذي يؤدي إلى التيمم. فنقتصر في الجواز على القدر المتيقن الذي ورد في الرواية التي تدل على تصرف في نفس الواجب الذي هو أمر اعتباري محض من المعتبر. والقدر المتيقن من الرواية هو: اولا: ان يكون الرجل مع اهله – ينحصر بالزوجة -، فتخرج الجارية، ثانيا: ان يكون في السفر – خرج الحضر -، ثالثا: في حال عدم وجود الماء – اخرج حال المرض -.

لكن نقول: أن التعليل الذي ورد في الرواية يدل على أن المناط واحد، فلا فرق بين الأهل والجارية، ولا بين السفر والحضر، ولا بين عدم وجود الماء والمرض، بعموم العلّة نستطيع ان نجري انه يجوز للإنسان ان يجنب نفسه في كل هذه الحالات المحللة دون المحرمة كالإستمناء وغيرها.

والرواية ايضا مطلقة من ناحية الوقت سواء قبل الوقت أو بعده.

إلى هنا نكون قد انتهينا من المقدمات حينئذ نستطيع إلى هنا أن نلخص نتائج البحث في خطوط:

الاول: في الشرط المتأخر: لا مانع منه، لأنه ليس بمعنى العلّة والمعلول، ولا السبب والمسبب الفلسفيين التكوينيين، بل هو بمعنى طلب حِصّة خاصة من المطلوب وهي التي يقع بعدها الشرط. وهذا لا مانع منه إذ هو بيد المعتبر. كما في غسل المستحاضة في شهر رمضان الذي يتوقف عليه صحة الصوم. وذكرنا في بحث سابق متى تدخل الفلسفة في الأصول ومتى تدخل الاحكام الفلسفية في الاحكام الاعتبارية.

الثاني: إن الواجب المشروط هو بلحاظ الوجوب، ولو سمّي الوجوب المشروط لكان أولى، وأما الواجب المعلّق فهو بلحاظ الواجب.

الثالث: لا مانع ثبوتا من وجود الواجب المعلّق يمكن تصوره عقلا، ولكنه يحتاج إلى دليل في عالم الإثبات.

الرابع: إن الظاهر من العرف اللغوي رجوع القيد إلى الهيئة لا إلى المادة.

الخامس: لو دار الأمر بين رجوع القيد إلى الهيئة أو إلى المادة. الكلام على مستويين:

تارة على مستوى الأصل اللفظي، والظاهر عدمه.

وتارة على مستوى الأصل العملي الذي نعمل به، بعد الإفلاس من وجود أصل لفظي، فالمحكّم هو قواعد العلم الإجمالي، فاننا نعلم بوجود قيد يدور أمره بين طرفين، لكن العلم الاجمالي ينحل إلى علم تفصيلي برجوع القيد إلى المادة، وشك بدوي في رجوعه للهيئة، فإذا كان هناك قدر متيقن وهو رجوعه إلى المادة كما قالوا، ومع الشك في قيد الهيئة، فنستصحب عدم الوجوب إلى زمن القيد.

السادس: إن تفويت المقدمة يؤدي إلى تفويت الواجب في زمنه، وهذا قبيح عقلا. لكنه لا يؤدي إلى جعل شرعي لوجوب المقدّمات كما سنرى لاحقا.

السابع: ما ورد من جواز تفويت بعض المقدمات كإجناب النفس مع الأهل، نقتصر عليه، ويكون من باب تصرف الشارع في المطلوب النفسي وهو الصوم أو الصلاة، بمعنى أنه يوسع دائرة الشرط من الوضوء أو الغسل ليشمل التيمم في حالة جماع الأهل اختيارا.


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص998، أبواب التيمم، باب27، ح1و2، ط الاسلامية.فائدة: هذه الرواية تعطي نظرة عن الموضوع الجنسي في الاسلام، بأنه حاجة طبيعيّة كالأكل والشرب، كما ان الرجل يحتاج للجنس كذلك هناك احتياجات للمرأة، وليست خطيئة كما في مذهب المسيحيين بان الجنس خطيئة وحتى الحلال منه والطفل طفل خطيئة ايضا. هذه الافكار خلاف الفطرة البشرية، وخلاف ما خلق عليه البشر، اما مدح النبي يحيى بن زكريا (ع) بانه السيد الحصور، ذكر في تاريخ الانبياء ان هناك نبيان، السيد المسيح وزكريا (عليهم) الوحيدان اللذان لم يتزوجا. وهذ ليس نقصا او كمالا لهما، مع ان بقيّة الانبياء تزوجوا، بل نقول ان هناك ظرفا خاصا كان بهما، عدم الزواج كان له موضوعية، وهناك وجهة نظر انهم كانوا آخر انبياء بني اسرائيل واراد الله عز وجل أن يختم عهد بني اسرائيل بالنبوة، ويمكن ان يكون هناك وجهة نظر اخرى وهي أنه مع ملاحظة الظرف الزماني والمكاني والاجتماعي والفكري لكلا النبيين (عليهم)، كان العالم تنتشر فيه فلسفة أبيقورس اليوناني، والذي يرى ان السعادة في اللذة، وانتشرت هذه الفكرة بين الرومان كثيرا بحيث كانوا يقيمون الموائد للطعام وتستمر خمسة ايام، يأكلون ثم يتقيّؤن الطعام عمدا ويعودون للأكل، يفعلون ذلك مرات عدّة طلبا للذة والسعادة من جديد. وصار الأكل والجنس هاجس الناس بسبب انتشار هذه الفلسفة. واحتمل جدا أن عيسى المسيح (ع) كما ان لكل نبيّ رسالة، رسالته انه جاء ليضرب هذه الفلسفة وهذه الفكرة، ومدح الله ايضا يحيى بن زكريا (ع) لضرب هذه الفكرة بالذات. وفي زمانا نلاحظ ان هذه الفكرة منتشرة ايضا، بان السعاد في اللذات البدنيّة، ومحاولات ابتكار اشكال الامور الجنسية نتيجة هذه الفلسفة وإن لم يصرح بان متبّعة. عدم الايمان بالله عز وجل وبالغيب وبالآخرة وبروح ما في الدنيا، الايمان فقط بالمادة، نرى هذا منتشرا. لذلك نرى ان من رسائل الانبياء ان يصدموا ما عليه المجتمع من فكر أو مسلك أو نموزج سيّء. طبعا نحن لا نلغي اهميّة اللذة البدنية، ولكن نرفض حصر التوجيه إليها دون غيرها.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo