< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

37/05/09

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: النفسي والغيري:
-رد الشيخ النائيني(ره) على الشيخ الآخوند (ره).
-رد السيد الخوئي (ره).
أجاب الشيخ النائيني (ره) على الشيخ الآخوند (ره): إن حسن الأفعال الواجبة إن كان ناشئا من كونه سببا ومقدمة للغايات اللازمة الحسنة،- كالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر- فالإشكال باق على حاله، حيث أصبحت كل الواجبات غيرية لنشوئها من الغير. وإن كان الحسن في ذاتها مع قطع النظر عما يترتب عليها، انتفى الوجوب النفسي الخالص، أي المتمحض في النفسية، وذلك لاشتمالها على ملاكين:
الاول: ملاك الوجوب النفسي وهو كونها حسنة ذاتا.
والثاني: ملاك الوجوب، الغيري لكونها مقدّمة لواجب.
مثلا: صلاة الظهر، هي من الواجبات النفسية لكونها حسنة ذاتا، وهي من الواجبات الغيرية لكونها مقدّمة لصلاة العصر. وهكذا كل الواجبات النفسية التي يترتب عليها واجبات أخرى. وحينئذ كل واجب نفسي صار واجبا غيريا، فلا وقع لهذا التقسيم.
الشيخ النائيني (ره) نفى وقع واثر لهذا التقسيم.
لكن يمكن التعليق على كلام النائيني (ره): بأن تعدد الملاك في النفسي لو تمّ، فإنما يؤدي إلى تقسيم الواجبات إلى ثلاثة اقسام:
قسم متمحض في النفسية كمعرفة الخالق غاية الغايات كما قيل.
قسم متمحض في الغيرية فله أحكام الغيرية فقط، كوضع السلم للصعود على السطح.
وقسم فيه الملاكان الحسن الذاتي والحسن بما هو مقدمة، وهو ما يسمى بالنفسي، وله أحكام النفسي والغيري. فقول الشيخ النائيني (ره) لا وقع لهذا التقسيم غير دقيق.
هذا الاشكال (اشكال الشيخ النائيني) ارتضاه السيد الخوئي (ره) وأضاف إشكالا آخر وهو: عدم اشتمال جميع الواجبات النفسية على الحسن الذاتي، والقول بشمول جميعها على الحسن الذاتي مجازفة، وذلك أن الواجب النفسي على قسمين:
قسم حسن ذاتا كالسجود لله والركوع له، وما شاكل ذلك من التسبيح والتهليل، بل كل عبادة لمعبود مفهوما، أما مصداقا أي في كيفية التعبد فقد لا يكون حسنا. وذكرنا سابقا ان العبادة لا تتقوم بقصد التقرب، ولا بقصد داعي الأمر ولا بقصد دخول الجنّة ولا الخوف من النار. قلنا ان العبادة شيء آخر غير كل ذلك.
وقسم له ليس فيه حسن ذاتي كالصوم، إذ أيُّ حُسن في الامتناع عن الأكل والشراب في شهر رمضان؟! وهل يختلف رمضان عن غيره؟!. وكالحج إذ أيُّ حُسن في الهرولة بين الصفا والمروة (السعي)؟! ومعظم الواجبات النفسية من القسم الثاني، نعم تعلق الأمر به يكشف عن مصلحة فيه بناء على ما هو المشهور عند العدلية من كون الأحكام تابعة لمصالح ومفاسد في متعلقاتها، وفرق بين حسن الشيء والمصلحة فيه. [1]
لا يقال: إن حسنه الذاتي ناشئ من حسن الطاعة عقلا، ولذا كل الواجبات النفسية أصبحت حسنة.
فإنه يقال: هذا الحسن ليس ذاتيا، بل هو حادث بعد تعلّق الأمر من باب حسن الطاعة عقلا. انتهى
المختار في رفع الاشكال: لا داعي للتوسع أكثر، لأننا نرى وجود القسمين الواجب النفسي والواجب الغيري، بناء على المبنيين المشهورين: من ترشح الوجوب الغيري من الوجوب النفسي أو ترشحه من ملاكه [2]. والواجب الغيري هو ما وجب لواجب آخر.
وهذا المختار مبني على الفرق بين الداعي وبين الحكم. فالحكم جعل، وهو انشاء الوجوب، ومتعلّقه يحتاج لأمرين:
الاول: أن يكون مقدورا للمكلّف.
والثاني أن يكون التكليف به قابلا أن يكون من الحكيم عرفا، أي أن العرف لا يستهجن التكليف به. ولما كانت الغايات من الأمور المجهولة الخفيّة على أذهان عامة الناس كانت خارجة عن دائرة التكليف عرفا، لان الملاكات لا تدرك، " إن دين الله لا يصاب بالعقول ".
ولتوضيح ذلك نضرب مثلا عند أبناء الدنيا الذين يحبّون المال، فيقول الآمر: يجب على الفقير أن يصبح غنيا، وملاّكا. فيجيبه الفقير: أنا لا أدري كيف أكسب المال، علِّمني كيف أكسب المال، أي الوسيلة التي بها أكسب. وكالأستاذ الذي يعلّم التلميذ كيف يحفظ.
وكذلك هنا: فإذا ورد أمر بتزكية النفس، ترى أكثر الناس يسألون: وكيف نزكي انفسنا؟ إي انهم يسألون عن المقدمة والوسيلة.
وبالنتيجة: هذه الغايات ليست واجبة، بل هي من قبيل الدواعي، والداعي لا يشترط فيه هذان الأمران، بل هو ما يرغب في وجوده، فيدفع إلى الأمر أو الحكم بأسباب تحققه. ولذلك يبقى الواجب النفسي واجبا لا لواجب آخر، وبهذا يختلف عن الغيري، فيصح التقسيم إلى واجب نفسي وواجب غيري.
هذا كله بناء على المشهور من وجوب المقدمة إجمالا.
غدا ان شاء الله نكمل المسألة ونتكلم في الأصل عند الشك.




[1] مثلا: قد تحب شيء ويكون مضرا لك. وقول الامام (ع) " الهي ما عبدتك خوفا من نارك، ولا طمعا في جنتك، ولكني وجدك أهلا للعبادة فعبدتك "، بالرغم من ان هذا الحديث مرسل، لكن المضمون وجداني يقرع في القلب قرعا. عبادة الامام (ع) ليست لمصلحة بل لأنه وجد عبادة الله حسنة.
[2] من المتأخرين القائلين بالترشح من الملاك الشيخ محمد حسين الكنباني الاصفهاني، وغيره. بهذا التوجه حل مسألة الاشكال في المقدمات المفوتة . .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo