< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

37/05/13

بسم الله الرحمن الرحيم

العنوان: النفسي والغيري:

الأصل اللفظي في المسألة عند الشك.

الأصل في المسألة عند الشك في كون الواجب نفسيا أو غيريا:

والكلام في مستويين: مستوى الأصل اللفظي ومستوى الأصل العملي.

الأصل اللفظي [1] : عند الشك في واجب هل هو نفسي أو مأخوذ على نحو المقدميّة ؟ مثلا: ) وإن كنتم جنبا فاطهروا ( [2] " فاطهروا " وجوب أو طلب الغسل، ثم شككنا أن هذا الطلب نفسي أو غيري؟. وفي مثال اخر: إذا نذرت ثم شككت في متعلّق النذر، هل هو الوضوء أم الصلاة؟ فإن كان الوضوء كان واجبا نفسيا، وإن كان الصلاة كان الوضوء واجبا غيريا. ثبت في الوضوء على المشهور أن الوضوء على قسمين: مطلوب لغيره ومطلوب لنفسه.

أما في الغسل، فقد ثبتت مقدميته لبعض الواجبات كالصلاة والطواف والمكث في المسجد، لكن لم يثبت كونه مطلوبا ومستحبا لنفسه، وهذا الامر موكول إلى بحث الفقه. ونعود لمسألتنا فلو نقحنا الاصل في المسألة لاستفدنا مطلويته الغسل لنفسه.

ظاهر الأمر أن الأصل اللفظي هو النفسي، لأن الواجب الغيري هو ما وجب لواجب آخر أي إذا وجب غيره، فهذا التقييد يقابله الإطلاق، والظاهر هو الإطلاق، أي أصالة الإطلاق هنا هي المحكَّمة لتحكيم أصالة الظهور.

وسبب الإطلاق هو أن التقييد بحاجة إلى مؤنة زائدة وهو وجود الواجب الآخر وكون الواجب المشكوك مقدمة له، وهذا ليس من باب عدم القرينة كما بيّنا سابقا هذا بناء على نظرية المشهور من إمكان تقييد صيغة الأمر. وذكرنا ان الاطلاق والعموم أمران وجوديان، نعم سببهما أمور عدمية.

أما بناء على عدم إمكان تقييد الصيغة كما ذهب إليه الشيخ الأعظم الأنصاري (ره) لان الصيغة معنى حرفي والمعنى الحرفي جزئي والجزئي لا يقيّد.

فقد توسل الأصوليون بناء على ما ذهب اليه الشيخ الأنصاري (ره) إلى إثبات الإطلاق بوجهين:

فيما إذا جاء النص على كون المتعلّق واجبا بنص يفيد الكليّة للوجوب بالمادة، وليس في هيئة أفعل، كما لو ورد في جملة اسمية كقوله (ع): " غسل الجمعة (الجنابة) فريضة من فرائض الله " [3] أو كقوله تعالى: ) إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ( [4] وذلك لأن الواجب وهو الغسل والصلاة اسم ومعنى كلي يمكن تقييده.

الانتقال من إطلاق الواجب النفسي إلى عدم وجوب المقدمة الغيرية، أي أن الاستدلال يبتدأ من النفسي لينتهي إلى موضوع مسألتنا وهو الواجب الغيري المشكوك. وهذا بخلاف الوجه الاول الذي يبدأ بالأطلاق بنفس دليل الواجب المشكوك كونه مقدمة، وينتهي به.

ثم إن صاحب الكفاية (ره) أعاد الكرة في الدافع عن كون الوضع في الحرف هو من الموضوع له العام، وبذلك تقبل هيئة الواجب القيود، إلا ان المشهور – كما هو المتصور والمؤيد – ذهب إلى ان الموضوع له خاص كما ذهب إليه الشيخ الانصاري (ره) وإن اختلف معه في جواز تقييد المعنى الحرفي ولذا توسلوا إلى اثبات الاطلاق بهدين الوجهين.

ذكر السيد الخوئي في تقريراته: " الثاني: التمسك بإطلاق دليل الواجب، كدليل الصلاة أو نحوها لدفع ما يحتمل أن يكون قيدا له.

بيان ذلك: أن المولى إذا كان في مقام البيان ولم ينصب قرينة على تقييد الواجب بقيد ففي مثله إذا شك في تقييده بشيء، كما إذا شك في تقييد الصلاة - مثلا - بالوضوء فلا مانع من التمسك بإطلاق قوله: " صل " لإثبات عدم تقييدها به، ولازم ذلك هو عدم كون الوضوء واجبا غيريا ". [5]

والامثلة كثيرة على ذلك مثلا: اشتراط التبسم وعدم الضحك وعدم الاكل في الصلاة، فالأصل بإطلاق اللفظ عدم الاشتراط. وفي الصوم هل يشترط عدم الرأس بالماء؟ شككت هل هذا الامر مقدمة لصحة الصوم او لا؟ أي يتوقف الصوم على عدم الرمس. يمكن ان نقول ان الصوم مطلق، واطلاقه هو عدم وجود قيود ومن جملة القيود عدم رمس الرأس بالماء، حينئذ انفي عدم جواز رمس الرأس بالماء إذا كان الصوم مطلقا.

يكمل السيد الخوئي (ره): " وقد ذكرنا في محله: أن الأصول اللفظية تثبت لوازمها "

في الوجه الثاني لنفي المقدميّة من اطلاق الصلاة استفدنا عدم القيد ومن جملتها الوضوء او الغسل، أي انطلاقا من إطلاق ذي المقدمة لتنتهي عن طريق اللازم إلى اطلاق المقدمة.

قد يقال: ان هذا النفي للقيد من باب الأصل المثبت وهو غير تام. فهنا اثبت عدم وجوب الوضوء أو الغسل المقدمي بلازم الاصل.

فانه يقال: ان الاصل أو الاطلاق اللفظي ليس من الاصول العمليّة، بل هو من الكواشف من الامارات. وتختلف الامارة عن الاصل العملي أنها تثبت جميع لوازمها من شرعية أو عقلية أو عرفيّة. اما في الوظيفة في الاصل العملي فلا تثبت إلا اللوازم الشرعية بالخصوص، فاللوازم العقلية لا تثبت بالأصل المثبت.

وهنا عدم وجوب الوضوء او الغسل لازم عقلي لعدم تقييد الصلاة وليس لازما شرعيا، لذلك لو كان الاصل عمليا لسلمنا بعدم الثبوت، لكن هذا الاصل لفظي أي امارة وهي كاشفة، فتثبت جميع اللوازم.

إذن إذا شككنا ان واجبا ما نفسي او غيري، فهو اصل نفسي، لذلك يمكن التمسك بهذا الأصل لإثبات ان الغسل مثلا بذاته مطلوب، وليس الشرط أن اغتسل لأجل الصلاة، كما هو في المسألة الفقهية.[6]

إلى هنا نكون قد انتهينا في الأصل اللفظي، غدا ان شاء الله نأتي إلى الاصل العملي.

والحمد لله رب العالمين.

 


[1] تذكير: الاصل اللفظي يرجع اليه عند الشك، وهو امارة وليس وظيفة، وهو من الكواشف. وسبق ان لخصنا علم الاصول بكلمتين: " وهو البحث عن كواشف فان لم نجد نبحث عن وظائف ". والاصل اللفظي مقدّم على الاصل العملي، ومع جريانه لا تصل النوبة للأصل العملي.
[3] ورد في الروايات غسل الجنابة.
[6] والكلام في استحباب الغسل النفسي موكول إلى محلّه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo