< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

37/05/16

بسم الله الرحمن الرحيم

العنوان: النفسي والغيري:

الأصل العملي في المسألة عند الشك.

الاصل العملي لا يعني كونه نفسيا، بل يعني الوظيفة.

منهجية استنباط الاصل العملي في المسألة.

الفرق بين انحلال العلم الاجمالي الحقيقي والانحلال الحكمي.

اسباب الانحلال الحكمي أو الملاك في ذلك.

قلنا أن الأصل اللفظي إذا دار بين النفسي والغيري هو ظهور اللفظ في كونه نفسيا، اما إذا لم يكن هناك اصل لفظي يصل الامر إلى الأصل العملي والذي لخصه صاحب الكفاية بسطرين: " ان كان هناك شك في التكليف لعدم العلم بالوجوب فالأصل البراءة. وإن كان شكا في الامتثال للعلم بالتكليف ويدور امره بين الوجوب النفسي أو الغيري، فالأصل العملي هو الاحتياط، أي لا بدية الاتيان بالشرط عند عدم الانحلال، وعدم الاتيان بالشرط عند الانحلال.

الأصل العملي لا كون الأمر نفسيا أو غيريا: وأن أتي بالشرط اولا اتي لا تعيّن النفسي أو الغيري، بل الاصل العملي يعيّن وظيفة عملية، والاتيان بالشرط يوافق الغيرية في النتيجة وهذا لا يعني أنه اصبح غيريا، مثلا: في الاناءان الذي احدهما نجس، فيجب أن احتاط أي أن اجتنبهما، وهذا لا يعني النجاسة لكليهما، بل المقطوع نجاسة احدهما، لكن العقل يحكم بوجوب الاجتناب عن هذا وهذا، لأنه تحرم المخالفة القطعية وتجب الموافقة القطعية، اجتنابهما معا لا يعني انهما اصبحا نجسين.

ذكرنا امس المنهجية التي تنفع في إذا تردد الامر بين امرين ونلخصها:

أولا: نرى إذا كان هناك جامع مشترك أو لا؟ إذا لم يكن هناك جامع يكون قد خرج عن العلم الاجمالي فنبحث عن أصالة التخيير او غير ذلك. وإذا وجد الجامع المتردد بين الاطراف وقد تعلّق به علم إجمالي، وهو عبارة عن علم تفصيلي بالجامع وجهل بالفرد بالأطراف، فالعلم الاجمالي هو خليط بين علم وجهل.

هنا إما ان ينحل العلم الاجمالي أو لا. إذا لم ينحل فلا بد من الاحتياط لأن العلم الاجمالي فعلي منجز.

وإذا انحل العلم الاجمالي اخذ بالقدر المتيقن والباقي يبقى تحت أصل البراءة غالبا.

 

ثانيا: الانحلال تارة يكون انحلالا حقيقيا وتارة انحلالا حكميا.

والانحلال الحقيقي هو كل ما يؤدي إلى عدم الماهية مهيّة العلم، فينتفي العلم فلا تتعارض الأصول الجارية في الاطراف كأصل الطهرة والحليّة.

أما في الانحلال الحكمي فتبقى الماهية نفس العلم الاجمالي باق لكن آثاره هي التي تنعدم. [1]

غالبا تعود اسباب الانحلال الحكمي إلى ثلاثة أمور مع وجود التفصيل فيها:

إما لعدم الأثر في أحد الأطراف أو في جميعها كما في المثال الأول: " إناءان أحدهما المعين نجس، ثم وقعت نقطة دم في أحدهما من دون تعيين "، فإن طرفا العلم الاجمالي هما الاناءان، وأحد الاناءين نجس قطعا، فوجوب الاجتناب الذي هو أثر العلم الاجمالي حاصل سابقا، فلا يؤثر العلم الاجمالي شيئا بالنسبة إلى هذا الطرف، لأنه من باب تحصيل الحاصل، فلا يكون مجرى للأصل الطهارة، ويبقى جريان الأصل في الطرف الثاني بلا منازع.

العلم بحكم أحد الأطراف بعينه كالمثال الذي ذكرناه. إذا لاحظنا كون الطرف معلوم الحكم فلا يجري الاصل لأن موضوعه الشك، وكمثال النذر المردد بين الوضوء والصلاة. وهذا العلم قد يكون وجدانيا، أو تعبديا كإخبار الثقة، أو وظيفة عملية كالاستصحاب.

خروج بعض الأطراف عن التكليف، إما لعدم الابتلاء به كالشبهة الغير محصورة أو لعدم القدرة عليه، كما لو دارت نقطة الدم بين إناءين أحدهما قد أهرق والآخر موجود. فإن المهرق خرج عن القدرة على الاستعمال.

درسنا في الاصول أن ثمرة العلم الاجمالي انه يقف في وجه جريان الاصلين مثلا: اناءان احدهما نجس، وجريان الاصلين في نجاسة كل منهما يناقض العلم الاجمالي بوجود النجاسة في واحد منهما. اما إذا جرى اصل دون الاصل الآخر المعارض. فلا مانع من ذلك. ثم إن عدم وجود الاصل له الاسباب الثلاثة لتي ذكرناها.

فائدة: قلنا سابقا ان تعلّق الحكم بفعل، يحتاج إلى أمرين:

الاول: كونه مقدورا.

الثاني: كونه يمكن ان يتعلّق به حكم عرفا كعقلاء من الحكيم، بتعبير اخر: ان يكون من شأن الحكيم ان يكلف به.

وتطبيقا هنا في مسألتنا مثلا: اذا كان هناك مليون ذبيحة، ونحن نعلم أنه لا يوجد احد مبتلى بالمليون، هنا ليس من شأن الحكيم ان يكلف بالاجتناب عن المليون. فخرج قسم كبير من الاطراف عن مورد التكليف، بهذا الخروج يسقط العلم الاجمالي، ويبقى العلم الاجمالي بوجود ذبيحتين. والمهم في المقام هو العلم بالتكليف، لذلك القسم الثالث يمكن أن يرجع إلى الانحلال الحقيقي بسبب عدم تعلق التكليف به.

ذكرنا امس امثلة للانحلال الحكمي وتوضيحا للمثال الاخير: " إذا قطعنا بان هناك اناءا نجسا ثم سقطت نقطة دم في احد الاناءين النجس والطاهر". هنا العلم الاجمالي بين طرف معلوم النجاسة وطرف اخر كان طاهرا وصار من اطراف العلم الاجمالي بوقوع النجاسة.

هناك مسألة بين الاصوليين واغلب المشهور يقول بها وهي: ان سبب تنجيز العلم الاجمالي هو تعارض الاصول أي عدم امكان جريان الاصلين معا.

وهناك قول آخر وهو: ان سبب تعارض الاصول هو العلم الاجمالي.

توضيحه: إذا كان هناك اناء معلوم النجاسة سابقا، ثم قلت: " كل شيء لك طاهر " فهذا الاصل لا يجري في هذا الطرف مع العلم بنجاسة هذا الاناء، لأن الأصل موضوعه الشك وهذا لاناء معلوم النجاسة فخرج هذا الطرف عن العلم الاجمالي.

اما في الطرف الثاني، المشكوك. هل يعارضه الطرف الآخر؟ الجواب: لا اصل آخر يعارضه، فيجري الاصل " كل شيء لك طاهر " بلا منازع وبلا معارض. هذا الانحلال في الواقع انحلال حكمي لان اثر العلم الاجمالي في احد الطرفين غير موجود.

وعدم جريان الاصل في الطرف المعلوم سابقا انه نجس، فبملاك أنه معلوم النجاسة.

هنا العلم الاجمالي الذي لا يجري في احد الطرفين بسبب عدم اثر العلم الاجمالي أو بسبب العلم بنجاسته، هنا يوجد ملاكات: تارة لان أحد الطرفين معلوم النجاسة، والعلم الاجمالي يتعلق بطرفين مشكوكين، فيرتفع العلم الاجمالي للعلم بأحد الطرفين، فلا يجري الأصل فيه. وتارة يرتفع العلم الاجمالي لعدم الاثر بأحد الطرفين، والاثر هو الاجتناب، ومن الأساس أنا مجتنب للإناء النجس.

أما مسالة خروج أحد الأطراف عن التكليف فله اسباب متعددة: اما لعدم القدرة عليه أو لقبح الحكيم ان يكلف به أو لغير ذلك. لذلك من الأمثلة التي تعطى: " اناءان احدهما نجس لكن احد الاناءين أهرق، فيكون قد خرج عن التكليف والثاني موجود. قالوا ان المهرق لا يمكن تعلق التكليف به لعدم القدرة عليه، فالأصل لا يجري هنا لانتفاء موضوعه فيبقى الاخر تحت التكليف, والاسباب كثيرة. والامر موكول إلى محله في العلم الاجمالي.

والحمد لله رب العالمين.

 


[1] رد اشكال احد الطلبة: هل الشارع يستطيع أن يتدخل في الاثر التكويني للعلم. الجواب: الشارع يستطيع ان يتدخل في التوسعة والتضيق في الحكم كما لو قال: " اكرم العالم ولا تكرم الفاسق"، تدخل في حكم العالم وآثاره لأنه هو المعتبر، اما في نفس العالم لم يتدخل. وكذلك في القطع الذي حجيته ذاتية فيستطيع ان يوسعها كما في خبر الواحد يجعله بحكم العلم.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo