< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

37/07/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: النفسي والغيري:

تفريعات من السيد الخوئي (ره) على المسألة.

 

السيد الطبطبائي في مسألة اجتماع الامر والنهي ذهب إلى انه لا مانع من وجود حيثيتين.

ويجيب عليه السيد الخوئي (ره) بقوله:

وغير خفي أن تعدد الجهة إنما يجدي في جواز اجتماع الأمر والنهي إذا كانت الجهة تقييدية، واما إذا كانت تعليلية كما في المقام فلا أثر لتعددها أصلا.

وهذا الجواب صحيح في محله ولبيانه نقول:

الفرق بين الحيثية التعليلية والحيثية التقييدية:

ومعنى الحيثية هو بيان المراد من التقييد، فإن القيد والمقيّد يربطهما نسبة وهي التقييد، وهذا التقييد على انحاء، ولذلك احتاج إلى تمييز، وعرّفوا التمييز في عالم النحو بأنه: الفضلة التي تبيّن ما انبهم من الذوات أو النسب [1] ، فما انبهم من الذوات مثل تمييز العدد: ثلاثون رجلا، وما انبهم من النسب مثل بيان النسية بين الفعل ومفعوله في قوله تعالى: ) وفجّرنا الأرض عيونا (، أو الفعل وفاعله مثل قوله تعالى : ) واشتعل الرأس شيبا (، لذلك النسبة تحتاج إلى بيان. والنسب كثيرة، وما يهمنا في مقدمات الاستنباط استظهار متعلّق الأحكام، وهذا يرتبط بكون القيد تعليليا أو تقييديا أو حِكميا.

والحيثية التعليلية ما كانت واسطة في تعلق الحكم بموضوعه ( المقيد ) إثباتا أو ثبوتا، ولذلك يكون المقيّد هو كامل متعلّق الحكم، ومن صفاته حينئذ أنه لا يتحمل أكثر من حكم واحد من الاحكام الخمسة لأنها متضادة.

ومثاله: " أكرم زيدا العالم، أي لأنه عالم، فزيد هو كامل متعلّق الحكم.

الحيثية التقييدية: هي لبيان متعلّق الحكم سعة وضيقا، وحينئذ فهي احترازية، فمع وجود القيد [2] يكون لديّ موضوعان: المقيّد بدون القيد ومعه. وحينئذ فلدّي متعلقات، ولا مانع حينئذ من اجتماع حكمين حينئذ لأنه من باب الاجتماع الموردي، ولم يجتمعا في واحد حقيقة.

الحيثية الحِكمية: وهي لبيان الحكمة من الحكم، فهي كالتعليلية من جهة كون المقيّد لبيان كامل المتعلّق، إلا أن الفرق هو في كون الحكمة قد تتخلف، وهو فرق ذكروه في الاصطلاح.

قد يقال: إن هذه جميعها اعتبارات ولا دخل للعقل والفلسفة والتكوين فيها ؟!

فانه يقال: ذكرنا سابقا، ان الاعتبار خفيف المؤنة، وقلنا ان هناك ميزان: إن ما يرجع من الاعتبار إلى التكوين والاحكام العقليّة يخضع لأحكام العقل دون غيره. وهذا هو الميزان. مثلا: إذا اعتبرت أن الوضوء شرط لصحة الصلاة فقد دخل في قانون الشرطية، والشرط احد اجزاء العلة، فيأخذ احكامها. وحينئذ:

مجال الاعتبار: الصغرى: وهي ان الوضوء شرط.

مجال العقل: الكبرى: وهو قوانين العليّة. والامثلة كثيرة على ذلك كاعتبار الزوجية وغيرها.

الفرع الثالث: من الفروع التي فرعها السيد الخوئي (ره) على ما بنى عليه من توجيه عبادية الطهارات، هو أن العبادية يكفي فيها قصد التوصل إلى الواجب النفسي وإن لم تكن موصلة فعلا إليه، كما لو نوى الوضوء للطواف غافلا عن استحباب الطهارة النفسي، ثم بدا له أن لا يطوف، فهل يقع الوضوء صحيحا؟

بناء على وجوب المقدمة مطلقا وصلت به إلى ذي المقدّمة أو لا، فالوضوء صحيح.

وبناء على عدم وجوبه مطلقا، أو وجوب خصوص الموصلة منها فالوجوب الغيري غير موجود.

يقول السيد الخوئي ما نصّه: " وأما بناء على عدم وجوبها كذلك كما هو المختار، أو بناء على وجوب خصوص المقدمة الموصلة فهي وإن لم تتصف بالوجوب الغيري إلا أنك عرفت أن وقوعها عبادة لا يتوقف على وجوبها الغيري، حيث يكفي في ذلك الإتيان بها بداعي التوصل أو بداعي الأمر الاستحبابي النفسي، والمفروض في المقام: هو أن المكلف قد أتى بها بداعي التوصل. انتهى. [3]

وغريب هذا الكلام منه (ره) فان ذلك يقتضي عبادية أي شيء أتوهم عباديته ولو لم يكن صحيحا. فلو توهّم شخص أن الوضوء شرط لزيارة والديه، فتوضأ غافلا عن الأمر الاستحبابي النفسي للوضوء، قاصدا مجرد التوصل للزيارة لكان الوضوء صحيحا بناء على مبناه!!!.

غدا ان شاء الله نكمل.

 


[1] أما الحال: فهو الفضلة التي تبيّن من انبهم من الهيئات مثلا: جاء زيد راكبا.
[2] تذكير: القيود الاحترازية في المعرفة تكون قيود توضيحية، بينما القيود في النكرة تكون قيودا تخصيصية. مثلا: إذا قلت: " اكرم رجلا عالما " يعنى ان غير العالم لا تكرمه، هذا " العالم " قيد احترازي تخصيصي، لان النكرة كلي قابلة للتخصيص والتقييد. اما الابهام يأتي في المعارف مثلا " اكرم محمدا " " محمد " معرفة اسم علم لكنه مبهم بسبب تعدد من تسمى بمحمد، ولذا احتاج إلى التعيين، والتوضيح، لذلك يكون البيان توضيحيا، فأقول: " اكرم زيدا العالم "، والقيود الاحترازية هي موضوع مفهوم الوصف.
[3] محاضرات في الاصول السيد ابو القاسم الخوئي. ج2 ص403.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo